في محاولة لتبرئة ساحته، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد منتصف ليل الأحد، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيه إنه لم يتلقَّ أي تحذير من قادة أجهزته العسكرية والأمنية بشأن هجوم "حماس" المباغت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وبدا أنه يلقي عليهم اللوم كله فيما وقع من فشل فادح. وذلك في وقت كانت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي تعلن عن مواجهتها معارك ضارية بعد توسيع نطاق توغلها البري بقطاع غزة.
بحلول الصباح، انهالت ردود الفعل الغاضبة على ما نشره نتنياهو، وجاء بعضها من داخل حكومة الحرب التي شكَّلها لخوض الحرب على غزة. فسارع نتنياهو بحذف المنشور من على موقع "إكس" (تويتر سابقاً)، واعتذر في منشور آخر، وقال: "لقد أخطأت"، لكن الضرر كان قد وقع.
إسرائيل تشهد إحدى أشد الأزمات وطأة في تاريخها
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن كثيراً من الإسرائيليين يرون أن هذه الحادثة تؤكد الشكوك المتداولة عن حجم الانقسام والاضطراب القائمَين في دوائر الحكم الإسرائيلي الآن، وأن إسرائيل تشهد إحدى أشد الأزمات وطأة في تاريخها، وذهبوا إلى أن ذلك يزيد من المخاوف بشأن تأثير بقاء نتنياهو السلبي في قيادة البلاد.
وقال غادي ولفسفيلد، خبير الاتصالات السياسية في جامعة رايخمان الإسرائيلية: "نتنياهو يُصارع كل شيء لإنفاذ نفسه، لقد مرَّ بأزمات صعبة من قبل، ونجا منها، وهو لا يزال يعتقد أنه قادر على الخروج من هذه الأزمة، والاستمرار في رئاسة الوزراء بعد ذلك، والمحرك الوحيد لكل شيء يفعله هو رغبة البقاء في السلطة".
كان من أوائل من اعترضوا على ما نشره نتنياهو في منتصف الليل: بيني غانتس، وزير الدفاع السابق الذي ترك صفوف المعارضة للانضمام إلى حكومة الطوارئ التي أعلنها نتنياهو في هذه الحرب. وأعرب غانتس بلهجةٍ حادة عن دعمه الكامل للجيش وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، الذي قال إنه يضطلع بدور مهم في الحرب الجارية، وحثَّ نتنياهو على التراجع عن بيانه.
نتنياهو يرفض الإقرار بتحمل الفشل الأمني في غزة
رغم أن طائفة من كبار المسؤولين- منهم قادة عسكريون وأمنيون ووزير الدفاع يوآف غالانت- قد أقروا بنصيبهم من المسؤولية عما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن نتنياهو لم يفعل ذلك، بل أخذ يكرر أن الجميع، وهو منهم، سيُسألون أسئلة عسيرة عما حدث، لكن بعد الحرب.
كان نتنياهو في السلطة خلال 14 عاماً من الستة عشر عاماً المنصرمة، وقد دخل هذه الحرب وهو في أسوأ حال له طوال مسيرته السياسية، فهو لا يزال متهماً في قضايا فساد تنظر فيها المحاكم، وقد حاول وحكومته ذات الميول الدينية والقومية المتطرفة كبحَ السلطة القضائية للإفلات من تلك الاتهامات، إلا أن مساعيه أدت إلى احتجاجات ضخمة واضطرابات مدنية استمرت أشهراً في أنحاء البلاد.
قال نتنياهو يوم السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول، إن خطته لـ"الإصلاح القضائي" لم تعد مدرجة على برنامج الأعمال، ولكن أصر على عدم الإقرار علناً بأي مسؤولية عن فشل التصدي لهجوم حماس الذي زعزع الثقة في زعامته. وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى زيادة كبيرة في ثقة الناس بالجيش، وتراجع مطرد في ثقتهم بالمسؤولين الحكوميين.
كثيراً ما كانت الحروب والإخفاقات الأمنية سبباً في إقالة رؤساء الوزراء وكبار المسؤولين الإسرائيليين، ومن أبرزهم غولدا مائير، التي استقالت بعد أشهر من حرب عام 1973، وإيهود أولمرت، الذي أُزيح عن السلطة بعد الفشل في الحرب على لبنان في عام 2006.
نتنياهو يواجه الغضب الإسرائيلي
كان نتنياهو في ورطة حتى قبل أن تشن "حماس" هجومها، وكان المجتمع الإسرائيلي يغلي بالاضطراب، وكان هو في مركز هذه الأزمات كلها. قالت مُزال مواليم، المعلقة السياسية الإسرائيلية في موقع Al-Monitor الأمريكي، ومؤلفة كتاب صدر حديثاً عن السيرة الذاتية لنتنياهو: "لقد دخل هذه الأزمة، وهو غارق في أزمات أخرى بالفعل".
وقالت موالم إنها ليس لديها أدنى شك في أن نتنياهو مؤهل لإدارة الحرب، لكنه يعرف أنه "سيواجه كل هذا الغضب في النهاية، مهما قال إنهم لم يحذروني، وما إلى ذلك"، وربما يكون ذلك هو السبب وراء مسارعته بالاعتذار عما نشره على وسائل التواصل الاجتماعي.
في منشور الاعتذار الذي نشره نتنياهو بعد ذلك، أبدى رئيس الوزراء ندماً غير مسبوق على ما نشره، وشدد على دعمه لرؤساء الأجهزة الأمنية، ورئيس هيئة الأركان، والقادة العسكريين، والجنود على الجبهة. وكتب: "الأشياء التي قلتها بعد المؤتمر الصحفي ما كان ينبغي أن تقال، وأنا أعتذر عن ذلك".
جاء ذلك في سياق المساعي التي يبذلها نتنياهو لمواجهة الانتقادات اللاذعة التي اتهمته بعدم التعاطف مع أقارب الأسرى الذين تحتجزهم حماس، والذين اعتصموا ساعات طويلة أمام مكتبه للاجتماع به. وقد عقد بعد ذلك مؤتمراً صحفياً متلفزاً أجاب فيه عن أسئلة الصحفيين للمرة الأولى، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
خلافات عميقة في مجلس الحرب الإسرائيلي
وفي محاولة من الحكومة أن تُظهر الوحدة في مواجهة الخطر الذي تواجهه البلاد، ظهر نتنياهو مع وزير دفاعه يوآف غالانت، ووزير حكومة الحرب بيني غانتس. إلا أن الخلافات بين كل من نتنياهو وغالانت من جهة، ونتنياهو وغانتس من جهة أخرى، ليست خافية على أحد.
ففي شهر مارس/آذار، أقال نتنياهو وزير الدفاع مدة وجيزة، بعد أن حذّر الأخير علناً من خطر الخطوة الرامية إلى إضعاف السلطة القضائية، والأضرار التي تُلحقها بالأمن القومي. واضطر نتنياهو إلى إعادة غالانت إلى منصبه بعد أسابيع تحت ضغط شعبي مكثف. أما غانتس فكان منافساً سياسياً شرساً لنتنياهو حتى وقت قريب، وقد تراجع نتنياهو عن اتفاقٍ لتقاسم السلطة معه في عام 2020.
ركزت كثير من الأسئلة التي واجهها نتنياهو في المؤتمر الصحفي على القصور في توقع هجوم حماس، ومَن المسؤول عنه. وبعد ساعات لجأ نتنياهو إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليحاول أن يصرف اللوم عن نفسه.
وكتب نتنياهو في منشوره: "لم أتلقَّ في أي ظرف، ولا في أي مرحلة، تحذيراً من أن حماس تنوي الحرب، بل على النقيض من ذلك، أجمعت تقديرات المسؤولين في المنظومة الأمنية، ومنهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (آمان) ورئيس الشاباك، على أن حماس مردوعة وتسعى إلى تسوية. وهذا هو التقييم الذي قدّمته جميع الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات مراراً إلى رئيس الحكومة ومجلس الوزراء".
ورغم أن نتنياهو حذف المنشور فمن المستبعد أن يُنسى محتواه. ويرى جايل تالشير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، أن ما حدث أمر جيد "لأنه يوضح لنا الأمر الذي يشغل نتنياهو هذه الأيام"، وهو "النأي بنفسه عن مسؤولية ما وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول".