بدأت تتآكل وحدة الحزب الديمقراطي القائمة منذ سنوات حول الرئيس جو بايدن، وذلك بسبب دعمه الحاد لإسرائيل في حربها المتصاعدة ضد الفلسطينيين. حيث يُعرب تحالف يساري الميول من الناخبين الشباب وذوي البشرة الملونة عن استيائهم من بايدن اليوم أكثر من أي فترةٍ أخرى منذ انتخابه.
وبينما احتفى الديمقراطيون المعتدلون ومنتقدو بايدن في اليمين بدعمه لإسرائيل، لكن بايدن يواجه مقاومة جديدة من فصيل متحمس داخل حزبه، حيث ينظر ذلك الفصيل إلى القضية الفلسطينية باعتبارها امتداداً لحركات العدالة الاجتماعية والعرقية، التي هيمنت على السياسة الأمريكية في صيف عام 2020، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
الليبراليون يطالبون بايدن بالدعوة لوقف إطلاق النار وشعبية الحزب الديمقراطي تتراجع
إذ يُطالب الديمقراطيون الليبراليون بايدن بالتخلي عن السياسة الأمريكية القائمة منذ عقود والمطالبة بوقف إطلاق النار، وذلك عبر الاحتجاجات والخطابات المفتوحة وثورات الموظفين والإضرابات.
ولا خلاف على أن القوة السياسية للمشككين في دعم إسرائيل داخل الحزب لم تتعرض للاختبار بعد، مع وجود أكثر من عامٍ كامل على إقامة الانتخابات الرئاسية في 2024. وقد كانت جهودهم مجزأة وغير منظمة، كما أنهم ليسوا متفقين على مقدار اللوم الذي يجب توجيهه لبايدن، فضلاً عن اختلافهم حول فكرة معاقبته في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لو قرر تجاهل مناشداتهم.
ومع ذلك، يعاني بايدن بالفعل من تراجع الحماس الديمقراطي. ولا شك أن خسارته لدعم الناخبين الذين أيّدوه في 2020 قد تؤدي إلى تهديد ملف إعادة انتخابه. يُذكر أن هامش فوز بايدن في الولايات الرئيسية لم يتجاوز بضعة آلاف صوت. ولن يكفي ذلك الهامش لتعويض انخفاض كبير في أعداد الناخبين الشباب، الذين يشعرون بالاستياء نتيجة ولائه لحكومة إسرائيلية يمينية يرونها معاديةً لقيمهم.
واتخذ بايدن منذ عقود موقفاً وسطياً من سياسات حزبه، ونجح في حل انقسام الأجيال والأيديولوجية بين الديمقراطيين خلال النصف الأول من ولايته. لكنه يواجه اليوم قضية لا مجال فيها للحلول الوسطية السهلة.
اللاتين والأفارقة ساهموا في فوزه والآن هم الأكثر غضباً
وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لبايدن هو أن الديمقراطيين ذوي البشرة السمراء والهسبان (المنحدرون من أمريكا اللاتينية)، الذين ساهموا في فوزه عام 2020، هم أكثر الأصوات الديمقراطية انتقاداً لموقفه الداعم لإسرائيل داخل أروقة الكونغرس. حيث مثّل ذوو البشرة الملونة جميع أعضاء مجلس النواب الـ18 الذين وقعوا على مشروع قرار يطالب "بالوقف الفوري للتصعيد وإطلاق النار في إسرائيل وفلسطين المحتلة".
ويُمكن القول إن معارضة سياسة بايدن بشأن إسرائيل تنبع كذلك من الموظفين الأصغر سناً والأكثر تقدمية، الذين نشأوا داخل بيئة أكثر تشكيكاً في إسرائيل، وذلك بالنسبة للديمقراطيين في الكونغرس والجماعات الليبرالية داخل واشنطن.
موظفون ديمقراطيون سابقون يطالبون أعضاء الكونغرس بالتحرك
وقد اشترك مئات الموظفين السابقين الذين عملوا في الحملات الرئاسية لبيرني ساندرز وإليزابيث وارن في التوقيع على خطابٍ مفتوح الأسبوع الجاري، وطالبوا خلاله كلا السيناتورين بتقديم مشروع قرار لوقف إطلاق النار في مجلس الشيوخ.
وقاوم أعضاء مجلس الشيوخ تلك الدعوات، لكن ساندرز وإليزابيث وثمانية أعضاء ديمقراطيين آخرين طالبوا الأسبوع الجاري بـ"هدنة إنسانية مؤقتة". وقد بدأت بعض الجماعات والمشرعين الليبراليين في تبني ذلك الموقف، الذي قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنه "يجب وضعه في الاعتبار".
لكن بعض المشرعين التقدميين الآخرين جادلوا بأن تلك الهدنة لن تكون كافية. حيث قالت النائبة كوري بوش، التي قدمت مشروع قرار وقف إطلاق النار: "هدنة إنسانية مؤقتة؟ ما هذا؟ نحتاج إلى وقف إطلاق النار. يجب أن نُوقف إسقاط القنابل على المستشفيات والمدارس والأحياء".
وتُعد حركة MoveOn عبارة عن مجموعة من النشطاء الليبراليين الذين دعموا بايدن في أبريل/نيسان الماضي. وقد تمرّد أعضاء الحركة الشباب بعد أن أصدرت منظمتهم بياناً أولياً يُدين هجوم حماس دون أن يتطرق لتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين. وصدر بعدها تصريح الحركة الأخير في صورة عريضةٍ تؤكد على حجم الأزمة الإنسانية في غزة، وتنص على أن "الرئيس بايدن وقادتنا يجب عليهم الدعوة لوقف إطلاق النار فوراً بشكلٍ علني".
صراع في أوساط النقابيين الأمريكيين
وأدت الخلافات حول إسرائيل إلى نشوب صراع حتى في أوساط كبار المسؤولين النقابيين بالبلاد. حيث تطرق الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية إلى المسألة في اجتماع محموم مساء الإثنين، 23 أكتوبر/تشرين الأول. وقد هيمن على ذلك الاجتماع خطاب مناهض لإسرائيل امتد لـ30 دقيقة، وألقاه رئيس نقابة عمال البريد الذي وصف نفسه بأنه "يهودي مناهض للصهيونية".
ورغم ذلك، يقر الكثيرون في اليسار بأن بايدن لا يزال مرشحاً أفضل من البديل الجمهوري في عام 2024. وأوضحت الرئيسة التنفيذية لـMoveOn، راهنا إيبتينغ، أن الحركة تستطيع "دعم بايدن والضغط عليه في الوقت ذاته".
وأدان مات دوس، مستشار السياسة الخارجية الأسبق للسيناتور ساندرز وأحد أشد المؤيدين لوقف إطلاق النار، نهج بايدن القائم على احتضان إسرائيل. لكن دوس قال إنه لن يسحب دعمه لبايدن في انتخابات العام المقبل بسبب تلك الخلافات.
حلفاء بايدن يستبعدون أن يتضرر موقفه في الانتخابات بسبب إسرائيل
ويرى العديدون في اليسار أن التعاطف مع فلسطين ينبع من نفس مشاعر قلة الحيلة التي أججت الاحتجاجات قبل ثلاث سنوات، في أعقاب مقتل جورج فلويد. وأوضح داماريو كوبر، المدير التنفيذي لمركز Center for Popular Democracy الذي يضم عدة جماعات مجتمعية تقدمية: "هناك ارتباط مباشر بين الأمرين بكل تأكيد. وعندما نقول إن حياة السود مهمة، فهذه العبارة تحمل في طياتها تعبيراً عن تاريخ من الاضطهاد".
ونفى حلفاء بايدن احتمالية أن يكون موقفه من إسرائيل سيضره في انتخابات عام 2024. إذ قال ريتشي تورس، أحد أكثر الديمقراطيين دعماً لإسرائيل في الكونغرس، إنه شعر بالإهانة عند سماع دعوات وقف إطلاق النار التي لم تطالب حماس بالإفراج عن الرهائن الأمريكيين والإسرائيليين.
احتجاجات بالمدارس والبعض يشكك في جدوى دعم بايدن
وامتدت الاحتجاجات المناهضة للسياسة الأمريكية في إسرائيل بدايةً بمبنى الكابيتول ووصولاً إلى الجامعات والمدارس في شتى أنحاء البلاد. حيث خرج الطلاب في عدد من المدارس الثانوية بشمال ولاية فرجينيا من فصولهم الأسبوع الجاري للمشاركة في "أسبوع الإضراب الإنساني". وقد أدان رؤساء جامعات جورج واشنطن، وإيموري، وغيرها الشعارات المناهضة لإسرائيل التي هتفت بها المسيرات وعُلِّقَت على مباني الجامعات. وتبنّى عدد كبير من الجماعات الليبرالية القضية الفلسطينية أيضاً.
وتُمثِّل حركة Sunrise Movement تحالفاً من نشطاء المناخ التقدميين الذين حشدوا لحملة بايدن في انتخابات عام 2020. لكن هذه الحركة كانت واحدةً من الجماعات التي طالبت بوقف إطلاق النار. وبدأ البعض داخل المنظمة في "إثارة التساؤلات" حول ما إذا كان يجب عليهم الحشد لحملة بايدن مرةً أخرى هم وغيرهم من الشباب، بحسب المديرة السياسية للحركة ميشيل ويندلينغ.
وقالت ميشيل: "إذا استمر الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن في إرسال الأسلحة وتقديم الدعم العسكري لإسرائيل، فسوف يُهدد ذلك بخسارة أصوات جيلنا، وسيكون هذا الخيار شديدة الخطورة قبل عام الانتخابات الحاسم".
دعم تل أبيب لا يحظى بشعبية وسط الناخبين الأصغر من 35 عاماً
ولا يحظى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بشعبية وسط الناخبين الأصغر من 35 عاماً وفقاً لاستطلاعات الرأي. وخير دليلٍ على ذلك هو خروج طلاب عشرات الجامعات من فصولهم يوم الأربعاء، 25 أكتوبر/تشرين الأول، للمشاركة في إضراب على مستوى البلاد دعت له منظمة Students for Justice in Palestine.
بينما لم تخض الكثير من المنظمات الليبرالية نقاشاً حاداً حول إسرائيل بقدر ما حدث في اجتماع الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية. حيث جادل مارك ديموندشتاين، رئيس نقابة عمال البريد، بأنه يجب دمج إسرائيل والأراضي الفلسطينية معاً في دولةٍ واحدة. ثم دعا الاتحاد إلى المطالبة بوقف إطلاق النار وفقاً لأربعة مصادر مطلعة على فحوى الاجتماع.
لكن بقية القادة العماليين لم يعربوا عن تأييدهم العلني لموقفه خلال الاجتماع.
فيما ردت راندي وينغارتن، رئيسة الاتحاد الأمريكي للمعلمين والمتزوجة من حاخام يهودي، قائلةً إنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. ثم أردفت أنها تدعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
ويُمكن القول إن بعض مطالب متظاهري اليسار تأتي خارج نطاق التيار السائد في السياسة الأمريكية.
حيث كتبت منظمة Democratic Socialists of America في إحدى وثائقها التي نُشرت على الإنترنت، وانتشرت على نطاقٍ واسع بين أنصار وقف إطلاق النار: "ليس الاحتلال ووجود دولة إسرائيل أمراً سلمياً، ولا مجال للحفاظ على السلام مع دولة استيطانية عنيفة".
بينما شهد احتجاج لطلاب جامعة نيويورك في مانهاتن يوم الأربعاء هتاف المحتجين قائلين: "لا نريد دولتين، بل نريد الأرض كاملة".