إذا قررت أن تحجز تذكرة سفر لبلادك بعد أن هجرتها سنواتٍ أو أشهراً، فعليك أن تأخذ نفَساً عميقاً قبل أن تتخذ هذا القرار؛ فهناك مجتمع ينتظرك بتساؤلات كثيرة، منها غير معقول، وبعضها معقول. بعد رحلات عديدة ذهاباً وإياباً بين العراق وتركيا وفي كل عودة إلى الديار، تعاد عليّ الأسئلة نفسها بالطريقة نفسها من الأشخاص أنفسهم.
كنتُ أتوقع أن يسألني أحدهم عن تجربتي الجديدة هناك، ما المفاهيم التي تغيّرت؟ ما الأخلاق الحسنة التي يتمتع بها الشعب التركي؟ ما هي العادات المجتمعية الإيجابية التي تعلمتها منهم؟
انسَ يا حبيبي، فهذه الأسئلة لن يسألك أحدٌ عليها، ولا يفكر أحد في أن يسألك مثل هذه الأسئلة؛ لأننا نحن مَن علَّمنا العالم الأخلاق والشهامة والتجارب والقوانين، فما حاجتنا أن نتعلم منهم؟ ومَنْ هُم بالنسبة لنا؟
على كل حال، لن يسألك أحدٌ مثل هذا أو قريباً منه، إذاً ما هي الأسئلة التي ستسمعها مِمَّن حولك؟ أو ما عبرْتُ عنه بالأسئلة المحرمة اجتماعياً.. ما هي؟ ومن الذين بإمكانهم أن يسألوك مثل هذه الأسئلة؟
1.متى ستعودُ للاستقرار في أرض الوطن؟ أو ما يكفيك غُربة؟ أو ألا تعلم أن الغربةَ ذُلّ؟ أو ما سمعْتَ أجدادك بأمثالهم التي سارت بها الركبان يقولون: "من ترك داره قلّ مقداره"؟ والبعض الآخر يقول لك: وطنك أولى بعملك من مكانٍ آخر لا تخدم به أهلك وناسك. كل هذه التساؤلات المؤرقة تجعلك تأخذ نفَساً عميقاً قبل قرار الزيارة أو العودة المؤقتة، هؤلاء أنفسهم سيقولون بأنفسهم: ليتنا كنّا معكم فقد سئمنا من أوطاننا، يُخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك.
- الزواج وما أدراك ما الزواج؛ متى ستتزوج؟ متى نفرح بعُرسك؟ متى نرى أولادك يلعبون ويمرحون؟ كأن الزواج هو لإسعادهم فقط حتى وإن كنتَ أنت في قمة التعاسة، ما يُجدي الزواج إذا سعد الآخرون وانطربوا وأنت في غاية الحزن والشقاء؟!
لن يكفوا عن هذا السؤال؛ لأن الزواج سُنّة الحياة وإن كان على حساب أهدافك وراحتك، المهم أن تكون رجلاً وتتزوج، فليس شرطاً أن تقتنع بالفتاة أو بأهلها، الناس يريدون أن يفرحوا بزواجك، عُذراً فمثلما أن الزواج سُنة الحياة، التغيير أيضاً سنة الحياة، وكذلك الأخذ بالأسباب من سُنن الحياة.
- راتبك الشهري أو مجموع ما تجنيه شهرياً من عملك، سيحاول الجميع، بطريقةٍ أو بأخرى، أن يعلموا هذا السر وهذا اللغز الذي حيّر أرباب الحِرف وأصحاب التجارة، يا تُرى كم يتسلَّم الموظف؟ كم الراتب الشهري؟ كم موظفاً عنده في البيت؟ أو إذا ما كان يعمل بعد الدوام أم لا، ستسمع كثيراً أن الموظف مرتاحٌ؛ لأن حصاده يأتي نهاية الشهر أو مضمونة للموظف لا تنقص أجرته وقد تزيد، رُغم أن أصحاب الحِرف والتجارة في صفقة بسيطة جدّاً يحصلُ بها على راتب موظف لشهر كامل، لكن، هذه هي مجتمعاتنا، التي أنا واحد من أفرادها ومريض مثلهم بهذه الأمراض، يجنون الأموال الطائلة ويلاحقونك على فتات تعطيك إياه الدولة أو المؤسسات الأهلية، ستكون بطلاً إن لم تخبرْهم بهذا السر العظيم.
ترى، مَنْ يُباح له أن يسأل له هذه الأسئلة؟
- الوالدان؛ باعتبار أن شأنك يَعنيهما وهما سببُ وجودك في الحياة، وعندما يسألانك هذا السؤال فإنه يكون على سبيل الإرشاد وليس الإلزام.
- الأصدقاء الذين يكونون بمثابة إخوتك، أو من تقضي معهم زمناً طويلاً في مؤسسة أو دراسة أو بلدٍ آخر.
- أساتذتك، والموجِّهون لك، ومَن تثق أنت بهم وبمكانتهم عندك، وهؤلاء أنت مَن تحددهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.