يعاني الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، التي وصفها حقوقيون بأنها ضمن الأسوأ في العالم، أشكالاً مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، كأداة للانتقام، بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من الحقوق الأساسية في الصحة، والزيارات العائلية، وشتى أنواع الانتهاكات.
وكانت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطينيان، قد أعلنا يوم الثلاثاء استشهاد الأسير عرفات ياسر حمدان في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ثالث أيام اعتقاله، بعد أقل من 24 ساعة على استشهاد أسير آخر بسجون الاحتلال، هو القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عمر دراغمة، مساء أمس.
لكنّ هاتين الحالتين ليستا الحالتين الوحيدتين، إذ أبلغ نادي الأسير الفلسطيني عن مقتل العشرات من الأسرى في السجون الإسرائيلية خلال السنوات السابقة، وذلك بعد تعرضهم للتعذيب خلال اعتقالهم والتحقيق معهم، من قبل السلطات الإسرائيلية.
مقتل 73 فلسطينياً جرّاء التعذيب في السجون الإسرائيلية
قال نادي الأسير الفلسطيني، في أكتوبر/تشرين الأول من 2019، إن 73 فلسطينياً قتلوا، منذ العام 1967، إثر تعرضهم للتعذيب خلال اعتقالهم والتحقيق معهم، من قبل السلطات الإسرائيلية.
واتهم النادي السلطات الإسرائيلية باستخدام "أساليب متعددة لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين جسدياً ونفسياً، كأداة للانتقام منهم وسلب إنسانيتهم، والضغط عليهم من أجل الحصول على اعترافات خلال فترة التحقيق".
وأشار البيان إلى أن 95% من المعتقلين يتعرضون للتعذيب، وذلك منذ لحظة الاعتقال، ويمتد ذلك في التحقيق، وحتى بعد نقلهم للمعتقلات العامة.
وذكر أن احتجاز المعتقلين في "زنازين العزل الانفرادي، وفي ظروف قاسية وقاهرة، والإهمال الطبي، وعمليات القمع الجماعي للمعتقلات"، تندرج جميعها ضمن مفهوم التعذيب.
وأوضح البيان أن الجيش الإسرائيلي يمارس أساليب التعذيب النفسي والجسدي بحق المعتقل منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، حيث يتعرض المعتقل للضرب بأعقاب البنادق على أنحاء متفرقة من الجسد، وفي بعض الحالات تطلق النار على المعتقلين بشكل مباشر.
ويمارس المحققون أساليب تعذيب نفسية وجسدية بحق المعتقلين، "كالحرمان من النوم عن طريق جلسات تحقيق مستمرة تصل إلى 20 ساعة يومياً، وتقييد المعتقل أثناء فترة التحقيق، وشد القيود لمنع الدورة الدموية من الوصول لليدين، والضرب والصفع والركل والإساءة اللفظية والإذلال المتعمد"، بحسب البيان.
وأضاف نادي الأسير في بيانه: "يُهدد المعتقل باعتقال أحد أفراد أسرته، أو التهديد بالاعتداء الجنسي عليه أو أحد أفراد أسرته، أو التهديد بهدم المنازل وبالقتل، والحرمان من استخدام المراحيض، والحرمان من الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع، والتعرض للبرد الشديد أو الحرارة، والتعرض للضوضاء بشكل متواصل، والإهانات والشتم والتهديد وغيرها".
وأشار "البيان" إلى حالة المعتقل سامر العربيد، الذي يعاني من فقدان للوعي ويعاني من كسور في القفص الصدري، ورضوض وآثار ضرب في كافة أنحاء جسده، وفشل كلوي شديد، إثر تعرضه للتحقيق العسكري في مركز تحقيق "المسكوبية" في مدينة القدس.
واعتقل العربيد، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، من منزله في مدينة رام الله، وخضع لتحقيق عسكري، تسبب في تدهور حالته الصحية.
الصحفي الفلسطيني يتعرض للتعذيب
في يناير/كانون الثاني 2016، أعلن الصحفي الفلسطيني محمد القيق، المُعتقل بدون تهمة أو محاكمة منذ شهرين، إضرابه عن الطعام احتجاجاً على التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي تعرض لها أثناء وجوده رهن الاعتقال الإسرائيلي، وهو ما قوبل من قبل السلطات الإسرائيلية بعدد من الإجراءات القسرية، والتي انتهك بعضها حظر التعذيب وسوء المعاملة وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية.
وطبقاً لما أوردته مؤسسة الضمير الفلسطينية، التي تُعنى بحقوق المعتقلين، وكذلك محامي الأسير، فقد تعرض محمد القيق للتعذيب خلال تحقيق "وكالة الأمن الإسرائيلية" معه لمدة أسبوعين، ومنعوه من مقابلة محاميه. وقالت المنظمة ومحاميه إنه تعرض للتعذيب بوضعه في وضعية مضايقة تُعرف عموماً باسم "وضعية الموزة"، حيث يربط الشخص إلى كرسي وجسمه مثني بشدة، وأضافوا أن القيق أُوثق رباطه بكرسي بهذه الوضعية لفترات كان يصل بعضها حتى 15 ساعة مرة واحدة، وأنه تعرض لتهديد من المحققين معه بعنف جنسي، وأن هؤلاء المحققين أخبروه بأنه لن يرى عائلته لفترة طويلة، ما لم "يعترف" بالادعاءات ضده.
وقد اعتقل القيق بناءً على أمر اعتقال إداري، علماً أن القانون الدولي يسمح باستخدام استثنائي للاعتقال الإداري في حالات الطوارئ، لكن إسرائيل لا تزال تستعمل هذا الإجراء منذ عقود كبديل عن محاكمة الفلسطينيين، وفي الاعتقال التعسفي لأشخاص لم يرتكبوا أي جريمة، وحتى لسجناء الرأي. وقد اعتُقل محمد القيق على خلفية عمله الصحفي في دعوى رُفعت ضده بتهمة "التحريض".
اعتقال الأطفال
سُجّلت حالات عدة اعتقلت فيها السلطات الإسرائيلية فلسطينيين وهم ما زالوا تحت عمر الـ18، وبعضهم اعتقلتهم في سنّ مبكرة للغاية. أبرز تلك الحالات حالة الأسير أحمد مناصرة، حيث جددت مصلحة السجون الإسرائيلية الحبس الانفرادي لأحمد مناصرة في أغسطس/آب 2022، وهو سجين فلسطيني يعاني من مشاكل نفسية شديدة منذ اعتقاله عندما كان طفلاً منذ سبع سنوات.
قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، هبة مرايف، تعليقاً على التجديد: "من المريع أن تُجدد السلطات الإسرائيلية فترة احتجاز أحمد مناصرة في الحبس الانفرادي. إنَّ الاستمرار في احتجازه في مثل هذه الظروف اللاإنسانية هو عمل وحشي بالغ الظلم، لقد تمَّ تشخيص إصابة أحمد بالفصام، كما أنّه في حالة اكتئاب شديد".
وتابعت: "كان أحمد مناصرة يبلغ من العمر 13 عاماً فقط عندما ألقي القبض عليه، وكان ينبغي منذ البداية أن يكون قرار احتجازه الخيار الأخير ولأقصر وقت ممكن. والآن يُقال إنّه صار أشبه بشبح وقد هدّد بالانتحار، ويجب على السلطات الإسرائيلية أن تُلغي فوراً قرارها بتجديد حبسه الانفرادي، وأن تُفرج عنه من السجن على وجه السرعة".
واعتُقل مناصرة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، على خلفية طعن إسرائيليين في بسغات زئيف، وهي مستوطنة إسرائيلية غير قانونية في القدس الشرقية المحتلة. وأدين بالقتل المتعمّد وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات وخمسة أشهر، بالرغم من أنه كان يبلغ 13 عاماً فقط في وقت اعتقاله، وخلُصت المحكمة إلى أنه لم يشارك في عملية الطعن. كما جرى استجوابه بغياب محامٍ أو أحد الوالدين، وتعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاستجواب. وليس لدى منظمة العفو الدولية علم بأي تحقيقات في سلوك ضباط الأمن الذين قاموا بهذه الممارسات. وسبق أن رُفض التِماس من عائلة مناصرة، تطالب فيه بالإفراج المبكر عنه، رغم أنه قضى بالفعل ثلثي مدة عقوبته.
الإهمال الطبي
إن سياسة الإهمال الطبي هي واحدة ضمن العديد من الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الأسرى والأسيرات المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 750 أسيراً وأسيرة، يعانون من أمراض مختلفة، بعضها مزمن وبعضها خطير. وتشير إحصائيات مؤسسة الضمير الفلسطينية إلى وجود 26 أسيرة فلسطينية مريضة، تعاني من أمراض متعددة ومشاكل صحية، كأمراض القلب والغدة الدرقية والسكري والضغط، ومشكلات المعدة والأسنان، والعظام والعيون، إضافة إلى وجود 7 أسيرات جريحات تعرضن لعنف مباشر من خلال استخدام الاحتلال للقوة المفرطة أثناء اعتقالهن، وأدت هذه السياسة إلى معاناة الأسيرات ما بعد الإصابة، بعدم تقديم العلاج المناسب لهن ولوضعهن الصحي.
ذكرت منظمة العفو الدولية العديد من الحالات التي تُرك فيها الأسرى الفلسطينيون دون علاج ملائم، رغم أوضاعهم الصحية المتفاقمة سوءاً، ومن ذلك نذكر الأسير وليد دقة، وهو أسير فلسطيني مُصاب بمرض عضال، ناشدت منظمة العفو الدولية السلطات الإسرائيلية الإفراج عنه؛ كي يتمكن من تلقي رعاية طبية متخصصة، وقضاء ما تبقّى من حياته مع عائلته.
ويعاني دقة (62 عاماً)، من مرض رئوي مزمن، ومن سرطان النخاع الشوكي، فيما تفتقر عيادة سجن أيَلون الإسرائيلي (المعروف سابقاً باسم سجن الرملة) إلى التجهيزات اللازمة للتعامل مع حالته. وبعد تشخيص إصابته بالسرطان، العام الماضي، منعته مصلحة السجون الإسرائيلية من إجراء عملية زرع نخاع عظمي، كان من المحتمل أن تنقذ حياته بعد رفضها نقله إلى مستشفى مدني.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: "تبرز حالة وليد دقة مدى قسوة النظام القضائي الإسرائيلي في تعامله مع الفلسطينيين، بمن فيهم المصابون بمرض عضال أو مَن يُحتضرون. وتفاقمت حالة وليد الصحية أصلاً بسبب الإهمال الطبي من جانب مصلحة السجون الإسرائيلية، فعندما أصيب بجلطة في وقت سابق من هذا العام، رفضت نقله إلى مستشفى مناسب لمدة 11 يوماً، وهو تأخير أدى إلى مضاعفات هددت حياته. يواجه وليد دقة الآن احتمالية الموت المؤلم خلف القضبان".
في 2022، شُخِّصَت إصابة وليد دقة بسرطان التليف النقوي، وهو نوع نادر من سرطان نخاع العظام. كما أنه مُصاب بمرض الانسداد الرئوي المزمن. في أعقاب تأجيل مصلحة السجون الإسرائيلبة نقل وليد إلى المستشفى لتلقي العلاج الطارئ بعد الجلطة الدماغية التي ألمّت به، في فبراير/شباط، تعرّض لمجموعة من المضاعفات، بما فيها الالتهاب الرئوي والفشل الكلوي، واضطر إلى استئصال معظم رئته اليمنى.
ورفضت محكمة إسرائيلية، ٧ أغسطس/آب ٢٠٢٣، الإفراج المبكر عن الأسير الفلسطيني وليد دقة، "رغم الخطورة البالغة على حياته، نتيجة لتدهور وضعه الصحي خلال الأشهر الخمسة الماضية"، ورغم حالته الحرجة بسبب إصابته بنوع نادر من أمراض السرطان.
وتذكر مؤسسة الضمير الفلسطينية حالة الأسير ليث كنعان، اعتقل الأسير ليث كنعان بتاريخ 30/1/2019، قبل يومين من التاريخ المحدد لإجرائه عملية جراحية في الوجه والعين، بعد إصابة مباشرة كان قد تعرض لها من قبل قوات الاحتلال، فقد على إثرها إحدى عينيه، وحُوّل للتحقيق بعد اعتقاله مباشرة في ظروف قاسية، واستمر التحقيق معه لما يقارب الشهرين، دون أدنى مراعاة لحالته الصحية، والتي تتطلب عناية خاصة، حيث إنه كان يُحرم من النوم لفترات طويلة، ما أدى إلى تفاقم حالته الصحية، وعانى من أوجاع في العين المصابة، نتيجة عدم السماح له بالنوم. وفي أول جلسة للمحكمة في فترة التحقيق اعترض الشاباص على طلب محامي الضمير بتسلم الدواء الخاص بليث، والذي تم طلب إدخاله بحجة وجود ممرض في السجن يفحص المعتقلين، ويعطيهم العلاج اللازم، وفي جلسة استئناف أكّد المحامي على أن الأسير يعاني من مشكلة صحية، وهو بحاجة إلى غيار الضمادة الذي يضعه على عينه مرتين خلال اليوم، إلا أنه لا يُسمح له باستبدالها سوى مرة واحدة، وأن الضمادات الخاصة التي أحضرها الأسير من المنزل عند اعتقاله شارفت على الانتهاء، وبالتالي يحتاج لتوفير كمية من الضمادات لعينه.
وفي جلسة أخرى، طلب المحامي أن يتم توفير ضمادات العين للأسير، وأصدر القاضي قراراً بعرض ليث على طبيب خلال 24 ساعة، لتقديم العلاج اللازم له. إلا أنه في الجلسة التالية أبلغ ليث القاضي بأنه لم يتم فحصه، ولم يتلقَّ العلاج اللازم. إن حالة ليث تؤكد أن سلطات الاحتلال تماطل في تقديم العلاج اللازم للأسرى المرضى، وتقوم بممارسات تفاقم من أوضاعهم الصحية، كالتحقيق لفترات طويلة وفي ظروف قاسية.
وكذلك حالة الأسيرة إسراء جعابيص، والمحكومة لمدة 11 سنة، هي الحالة الصحية الأصعب من بين الأسيرات، حيث تم اعتقالها بعد انفجار سيارتها نتيجة حدوث ماس كهربائي عند حاجز "الزعيم"، وهذا ما أدى إلى إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة في 50% من جسدها، وفقدت نتيجة لهذه الإصابة 8 من أصابع يديها، لذلك تشكو إسراء من إهمال طبي لاحتياجاتها الخاصة نتيجة الإصابة، حيث لا تقدم لها سوى المسكنات، وهي بحاجة لرعاية طبية خاصة، واحتياجات طبية تتناسب مع وضعها الصحي، وعلاج مستمر يتضمن عمليات جراحية لإعادة فصل الأطراف الملتصقة ببعضها البعض، ومعالجة ما تبقى من أصابع اليدين، إلا أن سلطات الاحتلال لا تقدم الاحتياجات الطبية والشخصية الخاصة التي تحتاجها إسراء نتيجة لإصابتها، وتماطل في تقديم العلاج اللازم لها، ما يؤدي إلى تفاقم حالتها الصحية.
إضراب عن الطعام حتى الوفاة
قالت منظمة العفو الدولية، في شهر مايو/أيار ٢٠٢٣، إنَّ وفاة الأسير الفلسطيني خضر عدنان تذكر بالتكلفة المميتة التي يدفعها الفلسطينيون، بسبب تحديهم نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي، ونظام القضاء العسكري المتحيز ضدهم. وتوفي خضر عدنان في سجن الرملة الإسرائيلي، في 2 مايو/أيار، بعد أن أضرب عن الطعام لمدة 87 يوماً احتجاجاً على الاحتجاز التعسفي المنهجي للفلسطينيين، والمعاملة القاسية واللاإنسانية للأسرى من قبل السلطات الإسرائيلية. وكثيراً ما يستخدم المعتقلون الفلسطينيون الإضراب عن الطعام لتحدي هذه السياسات، مخاطرين بصحتهم وحياتهم من أجل المطالبة بالحقوق التي تحرمهم إسرائيل منها.
كان لخضر عدنان الذي عمل خبازاً تسعةُ أطفال من زوجته رندة، التي ناضلت بلا كلل من أجل إطلاق سراحه. فمنذ 2004، اعتقلته السلطات الإسرائيلية 13 مرة، بسبب انتمائه إلى الجناح السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني. لم يُتهم خضر عدنان قط بالمشاركة في أعمال عنف، وإجمالاً فقد أمضى عدنان ثماني سنوات رهن الاحتجاز، ومنها زهاء 6 سنوات في الاعتقال الإداري، من دون تهمة أو محاكمة.
قالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في منظمة العفو الدولية: "خضر عدنان هو أول أسير فلسطيني يموت نتيجة للإضراب عن الطعام منذ عام 1992. وعندما كانت حياته في خطر محدق رفضت السلطات الإسرائيلية حصوله على الرعاية المتخصصة التي يحتاجها في مستشفى مدني، وتركته عوضاً عن ذلك يموت وحيداً في زنزانته. إنَّ المعاملة المروّعة لأسير بارز مثله هي أحدث مؤشر مقلق على أن السلطات الإسرائيلية تزداد فظاظةً في ازدرائها لحقوق الفلسطينيين وحياتهم، وتزداد تعنّتاً في قسوتها تجاه الفلسطينيين".
وتابعت: "سبق أن خاض خضر عدنان خمسة إضرابات عن الطعام، أربعة منها احتجاجاً على استخدام إسرائيل المنهجي والتمييزي للاعتقال الإداري، من أجل سجن الفلسطينيين من دون تهمة أو محاكمة، وإضراب آخر احتجاجاً على حبسه الانفرادي. ومثل العديد من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لم يملك خضر عدنان أي وسيلة أخرى لتحدي أوجه الظلم الذي يتعرض له رفقة آلاف آخرين، في ظل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي".
زعمت السلطات الإسرائيلية أن خضر عدنان رفض الخضوع للعلاج الطبي. ومع ذلك، قالت طبيبة زارته أثناء إضرابه عن الطعام لمنظمة العفو الدولية، إنَّ السلطات منعته من الحصول على العلاج الطبي المتخصص المستقل والإشراف اللذين يحتاجهما. وأفادت الطبيبة أن خضر عدنان طلب إبقاءه تحت الإشراف الطبي في مستشفى مدني، لكن مصلحة السجون الإسرائيلية أعادته إلى زنزانته في السجن، حيث كان يأتي الحراس كل نصف ساعة لمعرفة ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة.
الحرمان من الزيارات العائلية
قالت منظمة العفو الدولية، قبل إضراب جماعي للأسرى عن الطعام بدأ في 17 أبريل/نيسان من عام 2017، إن سياسة إسرائيل التي مضت عليها عقود طويلة، والخاصة باحتجاز الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، في سجون داخل إسرائيل، وحرمانهم من الزيارات العائلية الاعتيادية، ليست سياسة قاسية فحسب، بل تُعدُّ أيضاً انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
وقالت ماجدالينا مغربي نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "إن سياسة إسرائيل عديمة الرحمة في احتجاز الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سجون داخل إسرائيل، هي انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة. إنه أمر غير قانوني وقاس، وقد تكون عواقب ذلك وخيمة على الأسرى وأحبائهم، الذين غالباً ما يُحرمون من رؤيتهم لأشهر، وفي بعض الأحيان لسنوات دون نهاية".
ووفق القانون الإنساني الدولي، يجب أن يُحتجَز المعتقلون من الأراضي المحتلة في الأراضي المحتلة، وليس في أراضي القوة المحتلة. كما يجب أن يُسمَح لهم باستقبال الزوار، لاسيما الأقارب المباشرين، في فترات منتظمة، وبشكل متكرر قدر الممكن.
وطبقاً لـ"نادي الأسير الفلسطيني"، وهي منظمة غير حكومية، كان آنذاك 6500 معتقل فلسطيني، بمن فيهم ما لا يقل عن 300 طفل، احتجزوا لأسباب تتعلق بالأمن في سجون ومرافق احتجاز تديرها إسرائيل. وتقع كل تلك المرافق الـ17 داخل إسرائيل عدا واحداً.
وفقاً لأنظمة "مصلحة السجون الإسرائيلية"، يحق لكل الأسرى زيارات عائلية مرة كل أسبوعين. ومع ذلك، وعلى أرض الواقع، ونظراً لأنه يجب على الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية التقدم بطلبات للحصول على تصاريح لدخول إسرائيل، فإن زياراتهم تتم على منوال أقل بكثير في أغلب الأحيان. كما تسمح أنظمة "مصلحة السجون الإسرائيلية" للسلطات بإلغاء حق سجين ما بتلقي الزيارات العائلية لأسباب أمنية.
ويبقى أسرى غزة الأكثر تأثراً بالقيود الإسرائيلية؛ وذلك بينما لا يمنح الجيش الإسرائيلي التصاريح للأسر من قطاع غزة إلا مرة كل شهرين.
الأساليب النفسية
يبدأ انتهاك سلطات الاحتلال لحقوق الأسرى الفلسطينيين بعدم اعترافها بهم بوصفهم أسرى، بل تعدهم "سجناء" تجاوزوا القوانين الإسرائيلية، حسب تصريح هلال جرادات للجزيرة، وهو برتبة لواء في السلطة الفلسطينية، ونال بعد تحرره من السجن درجة الدكتوراه، وينشط في مجال الدفاع عن الأسرى.
وبعد الاعتقال وما يمر به الأسير من تحقيق قاس- وفقاً لرواية جرادات- يتم تقديمه إلى محاكم عسكرية تتعامل معه كمجرم اقترف جريمة أمنية أو جنائية، وليس كأسير حرب أو مقاتل من أجل الحرية تنطبق عليه القوانين والمواثيق الدولية.
ويزج بهذا الأسير في السجن، وقد ينال من عذابات العزل الانفرادي لشهور أو سنوات، وفي وصف سجون الاحتلال يقول جرادات: "إنها ذات بناء هندسي يشارك في تنفيذه خبراء في علم النفس، ويشكل مع ملابس الأسير وألوانها ضغوطاً نفسية شديدة، تبقى آثارها عالقة في ذاكرة الأسير لسنوات طويلة".
وفي هذه السجون قائمة لا تنتهي من المحظورات، تشمل تفاصيل صغيرة من "أشياء لا يتصورها العقل"- حسب وصف جرادات- كالحرمان من الطعام الجيد كمّاً ونوعاً، والحرمان من ساعات النوم الكافية، مروراً بعدم رؤية الشمس، وحتى زيارة الأهل، وقال: "الأصل في الأشياء داخل السجون هو المنع، وما دونه استثناء، مع كثير من القيود المشددة".
هذا الحرمان دفع أسيراً كان يرافق جرادات في سجنه إلى التقاط بضع حبات من العنب تساقطت من يد أحد السجانين، الأمر الذي اعتبرته إدارة السجن مخالفة استوجبت عقابه بالسجن الانفرادي داخل زنزانة.
ويبرر الاحتلال الإسرائيلي عدم تعامله مع الفلسطينيين كأسرى حرب بأنهم لا يتبعون لدولة معترف بها، الأمر الذي فنده إحسان عادل، رئيس "منظمة القانون من أجل فلسطين"، التي مقرها بريطانيا، في بحثه العلمي، إذ يقول إن "هذا الادعاء سقط تماماً بانضمام فلسطين لاتفاقية جنيف الثالثة عام 2014، وإسرائيل طرف فيها منذ عام 1950″.