تواصل إسرائيل، بغطاء أمريكي وغربي غير مسبوق، قصفها الهمجي على قطاع غزة، تحضيراً لاجتياحه برياً كما تزعم، فماذا لو تحقق للاحتلال وداعميه ما يتمنون بالفعل؟
كانت إسرائيل قد سعت، منذ تم تأسيسها عام 1948، إلى تبديد حلم دولة فلسطين المستقلة وابتلاع أرض فلسطين التاريخية تماماً، وحتى عندما وقعت على اتفاقيات أوسلو قبل أكثر من ربع قرن، وظفتها ومعها السلطة الفلسطينية التي نتجت عنها في مواصلة السعي لتصفية أي وجود فلسطيني في فلسطين، أي عكس الهدف المعلن من تلك الاتفاقيات.
ومنذ نحو 17 عاماً تفرض إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة، بينما تواصل محاولات تهويد القدس وضم الضفة الغربية بشكل كامل عبر المستوطنات وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم بشكل ممنهج، وتخلل تلك السنوات حروب عدة، استهدفت فصائل المقاومة في القطاع، فماذا حدث يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟
"طوفان الأقصى" لم تحدث من فراغ
"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على العملية العسكرية الشاملة، ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.
انتفض الغرب بقيادة أمريكا، وهبوا لنجدة إسرائيل بينما كان الصمت الرسمي هو شعار الموقف في الشرق الأوسط، وفي أغلب العواصم العربية، على عكس الموقف الشعبي المبتهج والمساند للمقاومة الفلسطينية التي أعادت الدماء في عروق وأوصال الحلم بتحقيق دولة فلسطين المستقلة.
تركز رد المعسكر الرافض للمقاومة المسلحة في فلسطين على تصدير فكرة أن الأمور كانت "هادئة ومستقرة" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذه الفكرة ليست تحليلا بل حقيقة وردت نصا على لسان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل 3 أسابيع فقط من طوفان الأقصى.
ففي فعالية استضافتها مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية، زعم سوليفان أن المنطقة أصبحت -في الوقت الحالي على الأقل- "أكثر هدوءاً اليوم مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن"، وعلى الرغم من أن "التحديات لا تزال قائمة، مثل برنامج الأسلحة النووية الإيراني، والتوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فقد قل كثيراً مقدار الوقت الذي يتعين عليّ أن أقضيه في الانشغال بأزمات الشرق الأوسط وصراعاته اليوم، خلافاً لجميع أسلافي في هذا المنصب منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول".
فماذا كان يقصد سوليفان بالتوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ كان المسؤول الأمريكي يشير إلى حكومة إسرائيل الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية إيتمار بن غفير وسموتريتش وغيرهما من غلاة المتطرفين والمستوطنين، والتي وصفت أمريكيا وغربيا وحتى إسرائيليا بأنها الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة العبرية.
فقبل أن تكمل تلك الحكومة شهرها الأول في السلطة، اقتربت الأمور من حافة الانفجار حرفياً، وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال، فسارعت إدارة جو بايدن بإرسال بلينكن إلى المنطقة لاحتواء الموقف. وهذا ليس من قبيل المبالغة، إذ كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد نشرت تقريراً يرصد كيف أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تزيد من خطر التصعيد بالأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية، ووضع الاستيطان في طليعة ملفات الحكومة.
زار وزير الخارجية أنتوني بلينكن المنطقة؛ لتوجيه رسالة إلى حكومة إسرائيل، مفادها معارضة أمريكا لأي "إجراءات استفزازية" بحق الفلسطينيين، حيث التقى نتنياهو وأعلن عن "ضرورة عدم اتخاذ تل أبيب أي إجراءات من شأنها التأثير على حل الدولتين"، وتحدث تحديداً عن ضرورة وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
غادر بلينكن، وبعد أقل من أسبوعين، أعلنت حكومة نتنياهو منح تصريحات بأثر رجعي لبؤر استيطانية يهودية في الضفة الغربية المحتلة والتصريح ببناء 10 وحدات استيطانية جديدة، فكيف ردت واشنطن؟ ضغطت على السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس لسحب مشروع قرار مقدم إلى الأمم المتحدة لإدانة الاستيطان الإسرائيلي، واعدةً السلطة بأن نتنياهو وافق على "تجميد" خطط الاستيطان، وهو ما نفاه نتنياهو نفسه لاحقاً.
واصلت حكومة إسرائيل تنكيلها بالفلسطينيين في القدس والضفة الواقعتين تحت الاحتلال، واستشهد نحو 300 فلسطيني، بينهم 38 طفلاً، هذا العام فقط واغتالت إسرائيل قادة "الجهاد الإسلامي" بغزة، في انتهاك صارخ لاتفاق وقف إطلاق النار.
كل هذه التطورات والأحداث رسخت شعور نتنياهو وحكومته وجيشه وشرطته ومستوطنيه بالتفوق المطلق والسيطرة التامة على الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما اطمأن حلفاء إسرائيل في الغرب وفي المنطقة إلى أن الأمور تسير بشكل جيد، وأن القضية الفلسطينية لم تعد تمثل صداعاً لأحد.
ماذا تريد إسرائيل الآن؟
الآن، وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية، المتمركزة في قطاع غزة، أن القضية لم تمت وأن الفلسطينيين جميعا، في الداخل المحتل والمحاصر وفي الشتات، لم يستسلموا لأمر واقع تسعى إسرائيل وداعميها لفرضه منذ 75 عاماً، قررت إسرائيل، بدعم أمريكي وغربي، أن "تقضي تماماً" على المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وأعدت العدة لتنفيذ "ما تتمناه".
بدأ جيش الاحتلال قصفاً همجياً وجنونياً على قطاع غزة بصورة غير مسبوقة، واستهدف الحجر والبشر والشجر حرفياً وليس مجازياً. لم تسلم البيوت والبنايات والأبراج في القطاع الذي يقطنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، وهو المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم. لم تسلم المستشفيات وعربات الإسعاف والطواقم الطبية من هذا القصف، وكان قصف المستشفى الأهلي المعمداني مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول نموذجاً صارخاً لما توصف بأنها "جريمة حرب" متكاملة الأركان ترتكبها إسرائيل دون أي قلق من مساءلة من أحد.
تم التمهيد لما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال حملة ممنهجة ومنظمة تشارك فيها العواصم الغربية، وبخاصة واشنطن ولندن وباريس وبرلين، من خلال الترويج للتضليل والأكاذيب الهادفة لتشويه ليس فقط حركة المقاومة الفلسطينية حماس، ولكن أيضاً الفلسطينيين داخل القطاع وخارجه، وحتى العرب جميعاً، باعتبارهم متعاطفين مع ما يصفه الاحتلال وداعميه بأنه "إرهاب".
ردد بايدن وماكرون (رئيس فرنسا) وأولاف شولتز (مستشار ألمانيا) وريشي سوناك (رئيس وزراء بريطانيا)، ومن خلفهم الإعلام الغربي على إطلاقه، أكاذيب "قطع رؤوس الأطفال" من جانب المقاومة، وردد آخرون أكاذيب "اغتصاب النساء وحرق الرضع"، ونشروا صورة مزيفة بالذكاء الاصطناعي، وكان أحد السياسيين الأمريكيين الطامحين للرئاسة، وهو الجمهوري رون ديسانتيس، صريحاً ومباشراً عندما قال إن "الفلسطينيين في غزة انتخبوا حماس وعليهم أن يتحملوا النتائج"، عندما انتقده ناخب أمريكي بسبب دعمه "لجرائم إسرائيل بحق المدنيين في غزة".
تحولت تل أبيب إلى قبلة لإبداء الدعم والمساندة، فزارها بايدن وشولتز وسوناك وغيرهم من المسؤولين الغربيين، ورفع الجميع شعار الدعم والمساندة لإسرائيل حتى تنتقم لكرامتها المهدرة وإذلال جيشها أمام المقاومة، وذلك باجتثاث المقاومة تماماً من غزة، ولو على أشلاء 2.3 مليون فلسطيني.
دعونا نفترض هنا أن إسرائيل وحلفاءها تحقق لهم ما أرادوا، أو بمعنى أدق ما "تمنوا"، فما نريد يفترض أنه أمر يمكن تحقيقه على أرض الواقع، أما ما نتمنى فقصة أخرى، فماذا بعد؟!
"السلام مقابل الأرض".. كيف قابلته إسرائيل؟
ربما يحمل تاريخ دولة الاحتلال نفسه الإجابة القاطعة على سؤال: وماذا بعد "ترويض" غزة والمقاومة إن تحقق لإسرائيل وحلفائها؟
ففي عام 1948 صدرت عن الأمم المتحدة قرارات دولية بتقسيم فلسطين أدت إلى إعلان قيام دولة اسمها إسرائيل، ونتج عن ذلك تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني نحو القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، فيما بات يُعرف باسم النكبة الفلسطينية، فماذا حدث بعدها؟ هل احترمت إسرائيل قرار التقسيم وتوقفت عن أحلام التوسع والاستيطان؟
وفي عام 1967، احتلت إسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية وسيناء المصرية والجولان السورية وأراضي أردنية، وأيضاً صدرت قرارات أممية تنص على انسحابها من تلك الأراضي التي احتلتها، لكن ذلك لم يحدث.
بعد هزيمة إسرائيل في حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وافق الرئيس المصري الراحل أنور السادات على الدخول في مفاوضات مباشرة مع دولة الاحتلال، للمرة الأولى في تاريخ الصراع، ونتج عن ذلك عقد أول معاهدة سلام بين دولة عربية وإسرائيل برعاية أمريكية.
وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978، والتي اعتبرت القرارات الأممية المتعلقة بفلسطين أساساً من أسسها، أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في أغسطس/آب 1980 القدس (بما فيها القدس الشرقية المحتلة) عاصمة موحدة لإسرائيل، وهو ما أغضب الرئيس المصري كثيراً!
استمرت إسرائيل في ممارساتها الهادفة إلى تفريغ أي قرارات دولية من مضمونها من خلال بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) عام 1987، والتي اندلعت شرارتها الأولى من قطاع غزة بعد تعرض حافلة تقل عمالاً فلسطينيين إلى هجوم من شاحنة عسكرية إسرائيلية أدى إلى استشهاد 4 وإصابة عشرات.
انتهت الانتفاضة الفلسطينية الأولى بتوقيع اتفاق أوسلو الذي كان يفترض أن يمهد الطريق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وكان المفترض أن يعلن قيام دولة فلسطين في مايو/أيار عام 1999!
لم تلتزم إسرائيل بشيء من تلك الاتفاقيات وحاصرت رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، في مقر إقامته في رام الله، واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000، عندما اقتحم رئيس وزراء إسرائيل وقتها، إرييل شارون، المسجد الأقصى، متحدياً الجميع!
في خضم انتفاضة الأقصى، التي استمرت حتى عام 2005، أعلنت الدول العربية مبادرة "الأرض مقابل السلام"، وكان ذلك عام 2002 من جانب العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهي المبادرة التي نصّت على استعداد الدول العربية أن تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية طبيعية في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في فلسطين وسوريا (هضبة الجولان)، لكن إسرائيل رفضت المبادرة العربية.
وبعد التخلص من ياسر عرفات عن طريق تسميمه، وتولي محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية، وافقت السلطة على أن تتحول إلى "شرطي" للاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتخلي تماماً عن أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة، رغم أن ذلك حق قانوني معترف به لأي شعب تحت الاحتلال، في مقابل بعض الامتيازات المادية، لتفقد السلطة مع مرور الوقت أي شكل من أشكال الشرعية الفعلية بين الفلسطينيين.
غزة.. المعقل الأخير
طوال سنوات انتفاضة الأقصى، لم تتمكن إسرائيل من فرض السيطرة المطلقة على قطاع غزة ولا حماية المستوطنين في القطاع، وباتت غزة تمثل "صداعاً مستمراً" للاحتلال وأعوانه.
ووصل الأمر إلى أن مقولة "أتمنى لو أستيقظ يوماً وأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، التي جاءت نصاً على لسان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق اسحاق رابين، بينما ترددت كمعنى على لسان أغلب قادة دولة الاحتلال منذ نشأتها وحتى اليوم، تمثل تجسيداً لغزة المقاومة للاحتلال.
شارون، الذي تسبب في إشعال انتفاضة الأقصى عام 2000، اضطر إلى الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية هناك عام 2005 تحت وطأة هجمات المقاومة التي لم تتوقف طوال 5 سنوات، وكبدت جيش الاحتلال والمستوطنين خسائر بشرية ومادية فادحة، ليصبح القطاع أول أرض فلسطينية تجبر إسرائيل على الانسحاب منها منذ النكبة عام 1948.
لم تنسحب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 تنفيذاً لاتفاقيات كانت قد وقعتها، علماً بأن اتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية كانت تنص على الانسحاب من الأراضي المحتلة طبقاً للقرارات الدولية (القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة) في غضون 5 سنوات فقط، لكنها أجبرت على الانسحاب منها بفعل المقاومة المسلحة.
فلسطينياً، أدت هذه الأحداث، منذ النكبة وحتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة، إلى بلورة وجهتي نظر رئيسيتين: الأولى ترفع شعار الواقعية وتتمسك بمسار المفاوضات السلمية مع الاحتلال حتى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو المسار الذي تمسكت به السلطة برئاسة محمود عباس.
أما وجهة النظر الثانية، فترفع شعار المقاومة المسلحة، وأنها السبيل الوحيد لإجبار إسرائيل على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في وطنهم، وهو المسار الذي تمسكت به فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وتسبب هذا الاختلاف فيما حدث في القطاع عام 2006 واستغلته إسرائيل في فرض حصار شامل على غزة ما زال مستمراً.
أصبح قطاع غزة رمزاً للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وأصبحت السلطة في الضفة رمزاً لمسار السلام والتفاوض مع إسرائيل، وحظي هذا المسار الأخير بدعم دولي وعربي شبه كامل، فكيف سارت الأمور منذ 2005 وحتى اندلاع الحرب الحالية على القطاع؟
رفعت إسرائيل، على لسان بنيامين نتنياهو شعار "السلام مقابل السلام" رداً على المبادرة العربية "الأرض مقابل السلام"، وفرض هذا المبدأ الإسرائيلي جزئياً حتى الآن، فاعترفت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان رسمياً بإسرائيل وأقامت معها علاقات دبلوماسية، فيما يعرف باتفاقيات أبراهام عام 2020، برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قرر نقل عاصمة بلاده إلى القدس واعترف بضم الجولان السورية وروّج لصفقة القرن، التي تنهي عملياً "حل الدولتين"، وهو الشعار الذي رُفع منذ اتفاقيات أوسلو.
وخلال الأشهر السابقة، كانت المفاوضات لإعلان التطبيع بين السعودية وإسرائيل تجري على قدم وساق، بالتوازي مع ما تشهده الضفة الغربية من توسع غير مسبوق في تشييد المستوطنات وتهجير الفلسطينيين وتصفية ما تبقى من أي مظهر من مظاهر السيادة كان قد نتج عن اتفاقيات أوسلو. أما بالنسبة للقدس الشرقية، فقد أوشكت عملية تهويدها بالكامل على النهاية، وأصبح اقتحام المسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود والمسؤولين في الحكومة، الساعين إلى هدمه، أموراً تحدث بشكل يومي.
ردت المقاومة وأطلقت "طوفان الأقصى" لينكشف جيش الاحتلال الذي يروّج لنفسه ويروج له حلفاء إسرائيل أنه "الجيش الأقوى والأكثر تقدماً" في المنطقة، وتصرخ إسرائيل "النجدة"، ليهبّ الغرب لنجدتها، وها هي تدك غزة دكاً على رؤوس قاطنيها وتستعد لاجتياحها برياً.
لا أحد يمكنه الجزم بالطريق الذي تتجه الأمور إليه، ولا كيف يمكن أن تكون نهاية هذه الحرب، التي يقول قادة الاحتلال إنها "ستغير الشرق الأوسط إلى الأبد"، لكن في ظل تاريخ الصراع منذ النكبة عام 1948، ماذا ستفعل إسرائيل إذا ما تحقق لها ما تتمنى في غزة؟!
هل ستصبح المنطقة هادئة ومستقرة في ظل علاقات كاملة بين إسرائيل وباقي الدول العربية؟ هل سيعترف الجميع بالدولة الفلسطينية المستقلة تحت قيادة السلطة ورئيسها محمود عباس وينعم الجميع بالأمن والأمان؟! هذا هو السؤال الذي لا يبدو أن أحداً يفكر فيه الآن؟!