حتى قبل أن تنشأ فإن إسرائيل دأبت على انتهاك الاتفاقات والتفاهمات التي وقعت عليها بما فيها اتفاقات دولية ملزمة لأعضائها وغير أعضائها وتمثل عصب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
في عام 1947 مع تزايد المواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود الذين جاء أغلبهم من أوروبا الشرقية، اقترحت الأمم المتحدة من خلال قرارها 181 (أ) لعام 1947 إنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، واحدة عربية فلسطينية، والأخرى يهودية، مع تدويل القدس.
رفض العرب القرار باعتبار أنه يضيع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في أرضه، بينما أعلن الإسرائيليون إقامة دولتهم، ولم يلتزموا بالقرار رغم أنه منحهم الشرعية الدولية، وفي حربها عام 1948 مع الدول العربية المجاورة توسعت هذه الدولة لتشتمل على 77% من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس. ونتيجة ذلك، فر أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين أو طردوا. وسيطرت الأردن ومصر على بقية الأراضي التي حددها القرار 181 للدولة العربية.
وفي حرب 1967، احتلت إسرائيل هذه الأراضي التي ضمت (قطاع غزة والضفة الغربية) بما فيها القدس الشرقية، حيث ضمتها إسرائيل لاحقاً. وقد أسفرت الحرب عن هجرة ثانية للفلسطينيين تقدر بحوالي نصف مليون شخص. وقد وضع مجلس الأمن في قراره 242 مبادئ السلام العادل والدائم، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة في الصراع، والتوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، وإنهاء جميع الادعاءات أو حالات القتال. وأعقبت حرب عام 1973 قرار مجلس الأمن 338 الذي دعا فيه، في جملة أمور، إلى إجراء مفاوضات سلام بين الأطراف المعنية. وفي عام 1974، أكدت الجمعية العامة من جديد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة والعودة. وفي السنة التالية، أنشأت الجمعية العامة اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية مركز المراقب في الجمعية وفي مؤتمرات الأمم المتحدة.
ولم تلتزم إسرائيل بأي من هذه القرارات الأممية.
ذبح اللاجئين الفلسطينيين بلبنان بعد نيلهم ضمانات بوساطة أمريكية قبل خروج قوات منظمة التحرير
في يونيو/حزيران 1982، غزت إسرائيل لبنان مع النية المعلنة للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وتم ترتيب وقف لإطلاق النار، وانسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ونقلت إلى الدول المجاورة.
وعلى الرغم من ضمانات بشأن سلامة اللاجئين الفلسطينيين، والتي قدمتها أمريكا، ويعتقد أنها اتفقت مع إسرائيل بشأنها، وقعت مذبحة واسعة النطاق في مخيمي صبرا وشاتيلا، التي نفذتها ميليشيات لبنانية مسيحية بتوجيه من الجيش الإسرائيلي بقيادة وزير الدفاع آنذاك أرئيل شارون.
وبعد عقود من المجزرة، ما زال عدد الأشخاص الذين راحوا ضحيتها غير واضح، وتشير التقديرات إلى سقوط قتلى يقدّر عددهم بين 700 و5 آلاف.
وكان انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي مشروطاً بعدم المساس بالمخيمات وفقاً لتفاهمات كانت الولايات المتحدة حليف إسرائيل هي الطرف الرئيسي فيها.
وخرقت إسرائيل بجريمتها اتفاق فيليب حبيب (المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط)، وهو أول اتفاق رسمي يُتوصل إليه بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية ووقعه الطرفان في 24 يوليو/تموز 1981.
ونص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب مقاتلي المنظمة مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان، وعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان ذلك.
اتفاقيات أوسلو.. خروقات لا تحصى
في عام 1987، بدأت انتفاضة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة. وأسفرت الأساليب التي استخدمتها القوات الإسرائيلية عن إصابات جماعية وخسائر فادحة في الأرواح بين السكان المدنيين الفلسطينيين.
ومثلت الانتفاضة تحدياً غير مسبوق أمام الاحتلال الإسرائيلي فسارعت للعمل على التفاوض على اتفاق سري مع منظمة التحرير الفلسطينية تطور إلى اتفاق أوسلو.
ووُقع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر/أيلول 1993 من قبل ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بحديقة البيت الأبيض بواشنطن.
وعُقدت آمال كثيرة على السلام بعد مشهد المصافحة التاريخية بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في حديقة البيت الأبيض.
وتمخّضت عن هذا المشهد مجموعة اتفاقات كانت تهدف إلى وضع قواعد عيش لمدة خمس سنوات يقوم على حكم ذاتي فلسطيني في المناطق المكتظة بالسكان، على أن تستمر سيطرة إسرائيل على المناطق الأقل سكاناً (المناطق الزراعية)، مع تنسيق أمني محكم لصالح إسرائيل بما في ذلك سيطرة على دخول وخروج الفلسطينيين، إلى أراضيهم.
بينما أحيلت تفاصيل قضايا كبرى رئيسية مثل القدس واللاجئين إلى متفاوضين للوصول إلى تسوية بشأنهم، على أن تنتهي بإنشاء دولة فلسطينية يعيش سكانها بسلام جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.
بعد مرور ثلاثين عاماً، لا تزال آفاق الحل مغلقة. على مرّ السنوات، توسّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وتتالت جولات العنف، وشهد قطاع غزة المحاصر أعنفها، وتسيطر إسرائيل حتى على مصادر المياه التي يعاني الفلسطينيون من نقص كبير فيها.
وجرّ اتفاق أوسلو وراءه عشرات الاتفاقات من دون أن تقوم الدولة الفلسطينية، ولم تهتم إسرائيل بتنفيذ شئ منه سوى "التنسيق الأمني"، حسب وصف صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
رابين كان ينوي التملص من الاتفاق قبل توقيعه
وفي سبتمبر/أيلول 2023، بمناسبة ذكرى مرور 30 سنة على توقيع اتفاقية أوسلو نشر أرشيف الدولة الإسرائيلي محضر جلسة الحكومة برئاسة إسحاق رابين، التي عقدت يوم 30 أغسطس/آب 1993، وتم خلالها المصادقة على الاتفاقية التي وُقعت مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات.
ويظهر المحضر أن رئيس الوزراء وقتها إسحاق رابين صاحب الاتفاقية لم يكن ينوي الالتزام بها ويراها اتفاقاً مؤقتاً وليس دائماً، وليس سبيلاً للوصول لسلام دائم يقوم على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المعترف بها دولياً.
وأوضح خلال الجلسة أن "هذا ليس اتفاقاً سهلاً"، وتنبأ بسيناريوهات مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في بداية كلامه، وقال بطريقة مبتذلة: "كل اتفاقية حكم ذاتي كانت معقدة بسبب الظروف، ليس في صياغتها، ولكن في كيفية ترجمتها على أرض الواقع، في واقع معقد".
وأضاف: "هناك عبارات وصياغات بالاتفاقية غير مقبولة"، وقال إنه من الواضح أن توقيع الاتفاقية مع الفلسطينيين ترتيب مؤقت، رغم أن الاتفاقية غير بسيطة وغير مريحة بالنسبة لإسرائيل.
حاول رابين أن يوضح بالتفصيل مدى تعقيد الوضع الجديد بقوله: "أيها الوزراء، العمل معقد للغاية. الواقع ليست له حلول سلسة، لأن الحكم الذاتي فكرة معقدة، تم اختراعها عندما لم يكن هناك أي استيطان يهودي تقريباً بالضفة، الاستيطان، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان الفلسطينيين، أدى إلى تعقيد الحياة.
اتفاق أوسلو نفسه مخالف للقانون الدولي
في اتفاق أوسلو، هناك أحكام تعارض القواعد الأساسية في القانون الدولي، تسمى"القواعد الآمرة في القانون الدولي"؛ مثل الحقوق الأساسية للشعب الذي يعيش تحت الاحتلال، والتنازل عن أراضٍ وثروات طبيعية مثل المياه وتضييق الصلاحيات الفلسطينية في بحر غزة، حسبما يقول الخبير في القانون الدولي معتز قفيشة مؤسس كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الخليل الفلسطينية، والنائب السابق لمدير منطقة الشرق الأوسط في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيروت لموقع "الجزيرة نت".
يقول هذه الأمور كلها موجودة في الاتفاق وهي غير صحيحة وفقاً لأحكام القانون الدولي، فاتفاقية القانون البحري تعطي الفلسطينيين 360 كيلومتراً في عمق البحر، أما أوسلو ففي أحسن الأحوال لو طبقت كانت ستعطيهم 20 ميلاً؛ يعني تقريباً 10% مما يوفره القانون الدولي.
ويشير إلى أن كل احتلال غير قانوني بما في ذلك الاقتحامات وبناء المستوطنات في الضفة بما فيها القدس الشرقية، واتفاق أوسلو لا يعطي شرعية لهذه الأفعال.
كما أن الاتفاق انتقالي ومؤقت يفترض أنه انتهى في مايو/أيار 1999؛ وبالتالي فإن النظام القائم وكل ما يقيد الحقوق الفلسطينية يصبح غير قانوني ومخالفاً للقانون الدولي.
من المخالفات في الاتفاق أيضاً سحب الصلاحية من المحاكم الفلسطينية في محاكمة الأجانب والإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية، وهذه مخالفة لقواعد أعلى وأسمى، خاصة اتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة التي تعطي حقوقاً للشعب تحت الاحتلال.
أي بنود تمنح شرعية للاحتلال أو حقوقاً دائمة في الأرض المحتلة تعد باطلة، والاتفاق تضمن مجموعة من المخالفات للقانون الدولي؛ ومنها سيطرة إسرائيل على الموارد الطبيعية وإعادة بيعها للفلسطينيين.
المشكلة في استمرار الاتفاق بحكم الأمر الواقع من دون أفق للتغيير، كما أن إسرائيل استفادت من اتفاق أوسلو في تكريس الاستيطان، وتسعى لإبقاء الوضع القائم كما هو، حيث تهيمن سلطة فلسطينية على السكان في الأمور الحياتية التي لا تريد القيام بها.
كما لم تلتزم إسرائيل بالاتفاق، بل عرقلت أهم نقطة فيه وهي إقامة دولة فلسطينية بعد خمس سنوات.
محكمة العدل الدولية تقضي بعدم شرعية الجدار
تمادت إسرائيل في مخالفة اتفاق أوسلو، ولم تكتف بتوسيع الاستيطان، ولكنها سمحت بانتهاكات جسيمة بحق المسجد الأقصى، وكان أكثرها دوياً، زيارة السياسي المتطرف أرييل شارون من حزب الليكود إلى الحرم الشريف في القدس عام 2000، مما أدى إلى وقوع انتفاضة ثانية.
وبدأت إسرائيل ببناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي بُنِي معظمه في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقضت محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته.
المستوطنات جريمة مزدوجة وفقاً للقانون الدولي
بنَت إسرائيل، منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، أكثر من 130 مستوطنة وحوالي 140 بؤرة استيطانية، وأضحى يعيش في هذه المستوطنات ما يقارب 700 ألف مستوطن إسرائيلي، من بينهم 230 ألفاً في القدس الشرقية.
على مدى العقود العشرين الماضية، استمرت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في خرق القانون الدولي الإنساني وتجاهل التزاماتها كدولة طرف في اتفاقية جنيف لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (اتفاقية جنيف الرابعة). ولم يتخذ النظام القضائي الإسرائيلي أية تدابير لملاحقة المسؤولين عن خرق الاتفاقية.
إن سياسة الاستيطان التي تتبعها إسرائيل تمثل إخلالاً صارخاً باتفاقية جنيف الرابعة، وتحديداً المادة (49-6)، والتي تجرم قيام السلطة بالاحتلال ونقل السكان إلى الأراضي المحتلة، بالإضافة إلي كونها انتهاكاً فجاً لعشرات من قرارات الأمم المتحدة.
وتعتبر هذه المستوطنات وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 448 سنة 1979 الذي نص على عدم مشروعيتها، خرقاً للقانون الدولي، كما تمثل انتهاكاً للفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي وقعت عليها إسرائيل.
ومنذ سنوات تشير التقارير الأممية إلى استمرار العنف من جانب المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، والتي تفاقمت مؤخراً.
في الضفة الغربية، صادرت سلطات الاحتلال أكثر من مليونَي دونم من الأراضي من الفلسطينيين، ما يشكل أكثر من ثلث الضفة الغربية، منها عشرات آلاف الدونمات التي تقر بأنها بملكية خاصة تعود إلى فلسطينيين. أحد التكتيكات الشائعة الذي استخدمته هو إعلان الأراضي، ومنها ملكيات خاصة تعود إلى فلسطينيين، كـ"أراضي دولة".
وجدت الحركة أيضاً أن أكثر من 30% من الأراضي التي استخدمت لصالح المستوطنات اعترفت الحكومة الإسرائيلية بكونها بملكية خاصة للفلسطينيين.
جعلت السلطات الإسرائيلية أيضاً شبه مستحيل على الفلسطينيين في "المنطقة ج"، التي تشكّل حوالي 60% من الضفة الغربية والتي وضعتها "اتفاقيات أوسلو" تحت سيطرة إسرائيل، وكذلك الذين يعيشون في القدس الشرقية، الحصول على تصاريح بناء.
في المقابل، وبحسب حركة السلام الآن، تبني السلطات الإسرائيلية وحدات سكنية في المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة "ج"، وهو ما ينتهك حظر نقل مواطني سلطة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة بموجب القانون الإنساني الدولي.
اعتقال الأسرى مخالفة كبرى للقانون الدولي
حسب القانون الدولي، يجب إطلاق سراح كل الأسرى فور توقف الأعمال العسكرية، وليس فور التوصل لاتفاقية سلام؛ وهذا يعني إطلاق سراحهم في أي مرحلة هدوء بوصفهم أشخاصاً يقومون بعمل وطني وليس جريمة، بل إن مقاومة الاحتلال من الأعمال المشروعة.
سبق أن ركز مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فولك – والذي رفضت إسرائيل التعاون معه – على وضع السجناء الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، واستمرار سياسية الاعتقال الإداري غير المشروع، واصفاً ذلك بأنه أداة تستخدم "لحبس الأبرياء من سجناء الرأي أو المعارضين السياسيين أو المنظمين لاحتجاجات سلمية".
وسبق أن توصلت قوات السجون الإسرائيلية إلى اتفاق –تحت وساطة مصرية– مع المعتقلين الإداريين الفلسطينيين الذين واصلوا الإضراب عن الطعام من أجل التخفيف من حدة ظروف اعتقالهم القاسية ووقف ممارسة الاعتقالات الإدارية. ومع ذلك، تشير تقارير أعدتها مجموعات محلية تراقب مدى التزام إسرائيل بالاتفاق إلى التزام متواضع من جانب القوات الإسرائيلية.
مقاطعة المجلس الدولي لحقوق الإنسان
رغم أن إسرائيل عضو بالأمم المتحدة وكل منظماتها بما في ذلك المجلس الدولي لحقوق الإنسان، أبلغت إسرائيل في 14 مايو/أيار 2012، في خطاب موجه لرئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنها ترغب في وقف العلاقات مع مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وقد جاء في ذلك الخطاب أن هذا القرار جاء "انعكاساً لعمليات الإقصاء المستمرة والصارمة لإسرائيل في مجلس حقوق الإنسان". على حد نص الخطاب.
بل اتهمت إسرائيل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان بالعمل على "سحق إسرائيل وتشويه سمعتها أو شيطنتها" طبقاً للخطاب.
إنها تنتهك الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع نظام الفصل العنصري
وتقول منظمة "هيومان رايتس واتش" الأمريكية إن سلطات الاحتلال عمدت بدرجات مختلفة من الشدة إلى نزع ممتلكات الفلسطينيين، وإخضاعهم، وعزلهم، وفصلهم قسراً بحكم هويتهم. في بعض المناطق، بحسب ما يظهره التقرير، كان هذا الحرمان شديداً إلى درجة أنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانية.
وحدد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية لحالات التمييز والقمع المنهجيين: الفصل العنصري والاضطهاد. الجرائم ضدّ الإنسانية واعتبرهما من أشنع الجرائم في القانون الدولي.
على مرّ السنين، لم يعد مصطلح الفصل العنصري، "الأبارتهايد"، مقتصراً على سياقه الأصلي في جنوب أفريقيا، بل فرض حظراً عالمياً على ممارسته، واعترف به كجريمة ضدّ الإنسانية وفقاً للتعريفات المنصوص عليها في "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" لسنة 1998 (نظام روما الأساسي).
وفقاً لتقرير لمنظمة هيومان رايتس واتشت فإن إسرائيل تنتهك هاتين الاتفاقيتين.
ودولة فلسطين هي دولة طرف في كل من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري.
بل تخالف إعلان تأسيس إسرائيل نفسها
المفارقة أن إسرائيل تخالف الإعلان المؤسس لها وهو "إعلان استقلال إسرائيل" الذي يؤكد على "المساواة التامة" بين جميع السكان، لكن نظام المواطنة القائم على مسارين ينتهك هذا التعهد، وينظر فعلياً إلى اليهود والفلسطينيين على أنهم منفصلون لكن غير متساوين.
على سبيل المثال يحتوي "قانون المواطنة الإسرائيلي" لسنة 1952 مساراً منفصلاً مخصصاً لليهود بشكل حصري، ويمنحهم الجنسية بشكل تلقائي، بينما يستبعد أغلب الفلسطينيين من سكان الأرض، استخدمت السلطات الإسرائيلية هذه الصيغة لحرمان أكثر من 700 ألف فلسطيني ممن فرّوا أو طردوا سنة 1948 وأحفادهم من الإقامة، واليوم صار عدد هؤلاء يتجاوز 5.7 مليون نسمة.
هذا القانون خلق واقعاً يستطيع فيه اليهودي الحامل لأي جنسية أخرى، والذي لم يدخل إسرائيل يوماً، الانتقال إليها والحصول على جنسيتها، بينما يُمنع من ذلك الفلسطيني الذي طرد من منزله وبقي أكثر من 70 عاماً في مخيم للاجئين في بلد مجاور.
وكذلك تفرض إسرائيل قيوداً على زواج الإسرائيليين من الفلسطينيين (سواء كان الطرف الإسرائيلي في الزيجة عربياً أو يهودياً) ولا تفرض هذه القيود على الزواج من أي جنسيات أخرى.
تعليقاً على تجديد هذا القانون قال نتنياهو في مارس/آذار 2019: "إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها"، بل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي.. للشعب اليهودي وحده".
بالطبع هذا ليس مخالفاً للقوانين والاتفاقات الدولية فقط بل لإعلان استقلال إسرائيل نفسه.
حل الدولتين.. مزقته تمزيقاً
حل الدولتين هو مقترح أممي يقوم على تراجع العرب عن مطلب تحرير كامل فلسطين، وحل الدولة الواحدة الداعي لإنشاء دولة فلسطين، بحيث يكون للسكان العرب واليهود مواطنة وحقوق متساوية في الكيان الموحد.
ويقوم حل الدولتين على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنباً إلى جنب، هما دولة فلسطين، التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، إلى جانب دولة إسرائيل التي تضم الـ78% المتبقية من الأراضي الفلسطينية.
ويعتبر اتفاق أوسلو الذي ينص على أن ينتهي مسار التفاوض بين الجانبين خلال خمس سنوات إلى إنشاء دولة فلسطينية اعترافاً إسرائيلياً بحل الدولتين.
كما تم إقرار حل الدولتين من قبل مجلس الأمن في قرار صدر عام 2002، يؤكد على رؤية الدولتين.
في الواقع، لم تتوقف إسرائيل عن انتهاك الشرط الأساسي لتنفيذ حل الدولتين منذ إقراره، وهو وقف الاستيطان والاعتراف باستقلال دولة فلسطين ضمن الحدود التي رُسمت عام 1967.
وكانت إسرائيل حتى الأمس القريب، تتقدم بخطوات حذرة في مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك بسبب خوفها من القرارات الدولية الرافضة للاستيطان. ورغم أن إسرائيل لم تكن تحترم هذه القرارات في نهاية المطاف، فإن الوضع تغير إلى الأسوأ بعد وصول حكومة يمينية متطرفة تجمع أكبر مؤيدي التوسع الاستيطاني، ما أفضى إلى مصادرة إسرائيل لأكثر من مليون دونم من الأراضي الفلسطينية، والتي أعيد تصنيفها على أنها "أراضي دولة إسرائيلية".
تعد خطوات حكومة نتنياهو نحو الضم هي الأسرع في تاريخ الاحتلال، كما تعد خطة "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل التي نشبت على إثرها مظاهرات واسعة في إسرائيل امتدت لأشهر، جزءاً من سلسلة تحركات من شأنها إخضاع الضفة الغربية للسيطرة الكاملة، وهو ما أكده وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش نفسه قائلاً إن إعادة النظر في الهياكل الديمقراطية والقانونية قد يضمن للحكومة ضم الضفة الغربية.
آخر الاتفاقات التي تم التراجع عنها قبل أن يجف حبرها
اتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في اجتماع العقبة الذي عقد في 26 مارس/آذار 2023 بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأردن ومصر على دعم خطوات بناء الثقة لمعالجة القضايا العالقة عبر حوار مباشر، كما جرى التأكيد على أهمية الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة في القدس وعلى الوصاية الهاشمية والدور الأردني الخاص في المدينة.
وأفاد البيان الختامي للاجتماع بأن إسرائيل تلتزم بوقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر، ووقف مناقشة إنشاء أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر.
كما توصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي -وفق بيان الاجتماع– إلى التزام الطرفين بوقف الإجراءات الأحادية من 3 إلى 6 أشهر.
وقبل أن يجف حبر الاجتماع، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن البناء الاستيطاني وتشريع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية سيتواصلان دون أي تغيير.
وهو ما أكده رئيس وفد إسرائيل لاجتماع العقبة أنه لن يكون هناك تجميد للبناء في المستوطنات ولا قيود على عمليات الجيش في الضفة.
انتهاك الاتفاقات المتعلقة بغزة حوَّل حياة سكان القطاع لجحيم
وفقاً لاتفاق معابر غزة الموقع عليه في عام 2005، وافقت إسرائيل على خروج 400 شاحنة يومياً من قطاع غزة أي بمعدل 12.000 شاحنة شهرياً.
في عام 2021، انخفض عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بشكل واضح، فبشكل عام، قد بلغ المعدل الشهري للشاحنات الصادرة من القطاع عبر معبر كرم أبو سالم خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 نحو 290 شاحنة، أي ما يعادل 2.4% فقط من المعدل الشهري للشاحنات الصادرة عام 2005، قبل عام واحد من فرض الحصار على قطاع غزة.
تبقى حركة دخول البضائع من مصر عن طريق بوابة صلاح الدين المحاذية لمعبر رفح ذات أهمية كبيرة، نظراً لنوع البضائع التي تدخل من خلالها، والتي يحتاجها القطاع بشكلٍ مستمر ويُمنع دخولها عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي؛ مثل الوقود ومواد البناء والسلع الغذائية والمستلزمات المنزلية. مع ذلك، فإن البوابة تعمل بشكل محدود لا يلبي حاجات أكثر من مليوني نسمة في القطاع. تدير هذه البوابة شركات خاصة تحت تحكم ومراقبة الجيش المصري وسلطات حكومة حماس في غزة.
في يونيو/حزيران 2021، طلبت السلطات الإسرائيلية من مصر منع دخول الإسمنت ومواد بناء أخرى عبر بوابة صلاح الدين إلى قطاع غزة، بهدف منع وصولها إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة للاستخدام العسكري.
وتمتد سيطرة السلطات الإسرائيلية لتصل إلى الأراضي الزراعية في قطاع غزة، حيث تفرض "منطقة عازلة" عرضها 300 متر من السياج الفاصل. وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية تعلن أنها تسمح للمزارعين بالوصول حتى مسافة 100 متر من السياج بشرط التنسيق المسبق، إلا أن الممارسات العملية تثبت عكس ذلك، إذ يتعرض المزارعون لأخطارٍ جسيمة عند الاقتراب من تلك المنطقة، ولا يستطيعون ممارسة أعمالهم بشكلٍ طبيعي هناك.
تقضي اتفاقية أوسلو التــي بالسماح للفلسطينيين بالإبحار حتى مسافة 20 ميلاً بحرياً (37 كيلو متراً) مقابل شـواطئ قطاع غـزة. مــع ذلــك، فإنــه دائمـاً مـا يتـم منع الفلسطينيين مـن الوصول لتلك المسافة وإرجاعهم لمسافات تقل عــن 12 ميلاً بحرياً.
ونظراً للتقييد والاعتداءات الدورية والمنع في إدخال المستلزمات الضرورية لاستمرار الصيادين في ممارسة عملهم، انخفض عدد العاملين في مجال الصيد من حوالي 10 آلاف في عام 2000 إلى نحو 4 آلاف صياد، ونحو 500 آخرين يعملون في المهن المرتبطة بالصيد يعيل هؤلاء ما يقدر بنحو 50 ألف فرد، وهو ما يعني أن التأثير على مورد رزق هؤلاء الصيادين من شأنه أن يهدد حياة عشرات الآلاف من المواطنين في غزة.
ويعاني الصيادون في قطاع غزة بشكل دائم من عدم قدرتهم على ممارسة عملهم بحرية في المنطقة المسموح لهم بالإبحار والعمل فيها نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحديد مساحة الصيد التي تتراوح بين 6 إلى 15 ميلاً بحرياً في أحسن الأحوال، إضافة لحظر توريد المعدات والتجهيزات اللازمة للصيادين.
في عام 2021 استمرت إسرائيل بالعمل بهذه السياسة، وقلصت مساحة الصيد عدة مرات خلال العام، خاصة خلال الهجوم الإسرائيلي في مايو/أيار، حيث تسبب إغلاق بحر غزة بالكامل بتعطيل أكثر من 4 آلاف صياد وتسبب بأضرار غير مباشرة تُقدّر بـ2 مليون دولار.
وفي أعقاب وقف إطلاق النار، أعادت إسرائيل فتح البحر أمام الصيادين ولكن لمساحة 6 أميال بحرية فقط، بعد أن كانت 15 ميلاً في الجزء الممتد من وسط إلى جنوبي قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، تعرض عشرات الصيادين خلال عام 2021 لحوادث إطلاق نار داخل البحر أو مضايقات خلال إبحارهم في المساحة المسموح بها، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.
على سبيل المثال، في مارس/آذار 2021، قُتل ثلاثة صيادين فلسطينيين خلال عملهم في عرض البحر جراء انفجار عبوة متفجرة كانت مثبتة على حوامة إسرائيلية، قبل أن تعلق بشباكهم وتنفجر خلال استخراجهم للشباك.
وبجانب ذلك لم تلتزم إسرائيل بعدد كبير من التفاهمات التي أبرمت مع حركات المقاومة في غزة بوساطة مصرية بشأن تخفيف الحصار عن غزة، كما اخترقت العديد من التفاهمات بشأن الأقصى وكذلك الأسرى.
وها هي الآن تخالف كل الاتفاقات الدولية والقانون الدولي الإنساني والقوانين المنظمة للحروب وتستهدف المدنيين بما في ذلك المدارس والمستشفيات دون سابق إنذار.