سيسافر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل، غداً الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول، لإظهار تضامنه معها، وهي تستعد لشن حملة عسكرية برية ضد قطاع غزة، فهل تؤدي زيارة بايدن لإسرائيل إلى تصعيد وحشية آلة الحرب الإسرائيلية أم قد تؤدي إلى تقليل الخسائر في أوساط المدنيين؟
وعلى الأرجح فإنه لأول مرة في تاريخ البلدين، يقوم رئيس أمريكي بزيارة لإسرائيل أثناء الحرب وذلك بهدف تقديم الدعم للدولة العبرية العازمة على القضاء على حماس، مع حثّها على فرض حدود للغزو البري الذي يبدو أنه سيكون مليئاً بالضحايا في قطاع غزة.
ولكن لا شكَّ أن زيارة بايدن لإسرائيل ستكون محفوفةً بالمخاطر السياسية والجسدية معاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
بايدن يدعم الحرب على غزة، ولكن يخشى أن تواجه إسرائيل غضباً عالمياً
وذكر المتحدث باسم مجلس الأمن جون كيربي، في مؤتمرٍ صحفي مساء الإثنين، 16 أكتوبر/تشرين الأول، أن بايدن سيركز على "الحاجة الماسة لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وكذلك منح الأبرياء القدرة على الخروج منها".
وأردف كيربي أن الرئيس بايدن سيعقد اجتماعات في تل أبيب وعمّان مع قادة الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية.
وقد دعّم بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن فكرة الإطاحة بحماس، لكنهما أكّدا لحكومة نتنياهو أن مشاهد تفجير إسرائيل للبنايات وسقوط الضحايا الفلسطينيين ستؤدي لتغيير مشاعر الجمهور بشكلٍ دراماتيكي حول العالم. وبهذا سيصبح الرأي العام العالمي أقل تركيزاً على هجوم الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، وأكثر تركيزاً على وحشية الرد الإسرائيلي.
وقال كيربي: "لا نريد رؤية أي معاناة إضافية للمدنيين"، لكنه نفى كذلك فرض أي شروط على الأسلحة وغيرها من المساعدات التي تُرسل إلى إسرائيل.
وقبل إعلان الزيارة، قال مسؤولان في الإدارة الأمريكية إنهما يستشعران التغيير في الرواية السائدة حول الصراع بالفعل، في إشارة إلى المسيرات المؤيدة لفلسطين في أوروبا ونيويورك وبعض الجامعات الأمريكية. وتحدث كلا المسؤولين -بشرط عدم الكشف عن هويتهما لأنهما يناقشان التقييمات الداخلية للإدارة الأمريكية.
زيارة بايدن قد تتضمن مخاطر أمنية بعد اختباء بلينكين أثناء لقائه مع نتنياهو
وتمثل زيارة بايدن أداةً لإظهار دعمه الاستثنائي لإسرائيل في خضم الحرب، كما كان حال زيارة بايدن الوجيزة لأوكرانيا في فبراير/شباط من أجل تعزيز الدعم الدولي للرئيس فولوديمير زيلينسكي. وقد جاءت زيارة بايدن لكييف بالتزامن مع استعداد أوكرانيا لشن عملية عسكرية كبيرة، كما هو حال زيارة إسرائيل التي ستأتي بالتزامن مع استعداد مئات الآلاف من الجنود الإسرائيليين لغزو منطقة غزة الحضرية المكتظة بالسكان -وفاءً بوعد نتنياهو بالقضاء على حماس.
واتضحت المخاطر الأمنية للرحلة في يوم الإثنين، عندما دوَّت صافرات الإنذار تحذيراً من الصواريخ والقذائف أثناء اجتماع بلينكن بنتنياهو وحكومته الحربية داخل قاعدة عسكرية. وقد انتقل بلينكن مع مضيفيه إلى أحد المخابئ على عَجَلٍ، وظلوا هناك لمدة خمس دقائق قبل استئناف المحادثات.
لكن كيربي أوضح أن المخاطر الجسدية في تل أبيب تُعتبر منخفضة بما يكفي، ولهذا "رأوا أنه من المناسب الإعلان عن الرحلة مسبقاً". بينما خيّمت السرية على رحلة زيارة كييف، التي لا تحتوي على قوات أمريكية لدعم جهاز الخدمة السرية المكلف بحماية الرئيس.
ولطالما قال بايدن إنه يشعر بارتياح شديد في إسرائيل، وتجلى هذا أثناء زيارته لها كرئيس في يوليو/تموز عام 2022؛ حيث كان نتنياهو خارج السلطة آنذاك، وهو الأمر الذي كان مرضياً لفريق بايدن.
أما الآن، يرأس نتنياهو حكومة وحدة تشكّلت خصيصاً من أجل إدارة الحرب وتضم وزير الدفاع السابق بيني غانتس وحزبه الوسطي. ويأمل مساعدو نتنياهو أن يلعب غانتس دوراً وسطياً في تغيير ديناميات المحادثات الجارية، بصفته جنرالاً سابقاً خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة 38 عاماً.
لكن غانتس اعتمد على تصوير نفسه كمتشددٍ في حملته ضد نتنياهو عام 2019، وتفاخر بأنه "أعاد بعض أجزاء غزة إلى العصر الحجري" عندما كان رئيساً للأركان. كما سبق اتهامه بالتسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين دون مبرر.
يؤيد القضاء على حماس دون احتلال غزة!
ومن الصعب قياس المخاطر السياسية التي ستتسبب بها زيارة بايدن لإسرائيل؛ إذ خرج الرئيس الأمريكي ليطالب دولة الاحتلال بتوخي الحذر بوضوح لأول مرة في برنامج 60 Minutes يوم الأحد، 15 أكتوبر/تشرين الأول، وقال: "أعتقد أنه سيكون خطأ كبيراً" أن تحتل إسرائيل قطاع غزة ثانيةً. وقد نفى المسؤولون الإسرائيليون أي نيةٍ لاتخاذ خطوةٍ كهذه، لكنهم لم يوضحوا هوية من سيدير قطاع غزة في غياب حماس الذين يقولون إنه يخططون له، أو كيف سيحولون دون خروج جماعة مشابهة من بين رماد مدينة غزة. كما شدد بايدن على أنه "لا بد من وجود سلطة فلسطينية، ولا بد من وجود مسار لإقامة الدولة الفلسطينية".
بينما قال المسؤولون الإسرائيليون إن الوقت لا يزال مبكراً الآن على التفكير في مستقبل غزة، لأنه يجب القضاء على حماس أولاً، بحسب مسؤولٍ شارك في المحادثات.
ويقدم المسؤولون الإسرائيليون تأكيدات من جانبهم على أنهم سيعملون من أجل تقليل عدد القتلى المدنيين. بينما يلومون حماس؛ لأنها طلبت من سكان غزة البقاء في أماكنهم وعدم الامتثال للتحذيرات الإسرائيلية، التي طالبتهم بإخلاء منازلهم والاتجاه نحو الجنوب الذي تقصفه الصواريخ الإسرائيلية أيضاً.
لكنّ المسؤولين الأمريكيين أشاروا كذلك إلى أن قوات الاحتياط التي استدعتها إسرائيل لم تتلقَّ تدريباً جيداً على الحرب الحضرية، ومن المرجح أن يبدأوا في إطلاق النار على كل من يتحرك أمامهم.
وأحد أهداف الزيارة تقليل وحشية إسرائيل ومنحها مهلة للاستعداد بالوقت ذاته
ولا شك أن زيارتَي وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية بلينكن، زيارة بايدن لإسرائيل، تهدف جزئياً إلى إجبار المسؤولين الإسرائيليين على التفكير حول كيفية دخول غزة، دون أن يعلقوا هناك، ودون أن يبدو عليهم عدم الاكتراث بأرواح المدنيين الفلسطينيين.
وأوضح توماس نيديز، الذي خدم كسفير لبايدن لدى إسرائيل، قبل أن يستقيل الصيف الماضي: "يؤمن بايدن بأن لديه سلطةً أخلاقية هنا، وقد نهض للدفاع عن إسرائيل، ويؤمن بحقها في تفكيك حركة حماس، لكنه يريد إظهار أنه يدافع عن الإنسانية أيضاً".
ولهذا يحاول مساعدو بايدن كسب بعض الوقت؛ إذ أشاروا إلى أن إبقاء المسؤولين الأمريكيين في القدس يُجبر المسؤولين الإسرائيليين على الاستمرار في مناقشة خططهم. وإذا افترضنا أن البيت الأبيض اشترط تأخير الغزو من أجل حدوث الزيارة، فربما تساعد زيارة الرئيس في منح الإسرائيليين وقتاً أطول للتجهيز للعملية، مع السماح للمزيد من سكان غزة بإخلاء بيوتهم.
أمريكا لم تنتقد قطع الكهرباء والماء عن غزة
وتقول إدارة بايدن إنها تعمل من أجل تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، لكنها لم تنتقد حتى الآن الخطوات الإسرائيلية بقطع الكهرباء ومنع الطعام عن القطاع. بينما احتج قادة العرب أمام المسؤولين الأمريكيين قائلين إن هذا الحصار يرقى لمستوى العقاب الجماعي، ويُعد انتهاكاً لقوانين الحرب.
ولم يحقق بلينكن أي نجاحٍ حتى الآن في جهوده لفتح باب هروب أمام الفلسطينيين أو حتى الأمريكيين العالقين في غزة، وخلال اجتماع مطول يوم الأحد، فشل بلينكن في إقناع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح البوابة الوحيدة الموجودة جنوب غزة، من أجل السماح للفلسطينيين بالفرار إلى صحراء مصر، وسط تقارير بأن مصر اشترطت دخول المساعدات للقطاع مقابل السماح بإجلاء الرعايا الأمريكيين.
وبعكس الرؤساء الأمريكيين السابقين، الذين طالبوا إسرائيل بضبط النفس أثناء الصراعات السابقة، خرج بايدن ليؤكد على حق إسرائيل الكامل في الدفاع عن نفسها. وأوضح ريتشارد فونتين، رئيس مركز Center for a New American Security، أن الزيارة "ستكون بمثابة احتضان وإعادة تأكيد لفكرة أن تغيير النظام في غزة هو القرار الصحيح".
وكما حدث مع أوكرانيا، قال بايدن إنه سيدعم تلك الجهود بكل ما أوتي من قوة، لكنه لن يرسل الأمريكيين للقتال إلى جانب القوات الإسرائيلية.
وبايدن مستعد لتوريط أمريكا في حرب واسعة بالمنطقة
وقد أرسل بايدن السفن والطائرات الحربية الأمريكية إلى المنطقة لردع إيران، وحزب الله الموالي لها، ومنعهما من توسيع رقعة الحرب، إذ يحتل أسطولا حاملتي الطائرات يو إس إس جيرالد فورد، ويو إس إس دوايت أيزنهاور موقعين يسمحان لهما بقصف مواقع صواريخ حزب الله داخل لبنان أو خارجه، في حال فتح جبهة جديدة. وقال مسؤول بارز إن بايدن سيضطر لإصدار أوامر محددة للأسطولين من أجل استخدام قوتهما النيرانية، لكنه أشار إلى كونه مستعداً لفعل ذلك.
في الوقت ذاته، لا تزال ذكريات الاشتباكات في الفلوجة عام 2004 حيةً في أذهان ضباط الجيش الأمريكي، وهي معركة دامت لستة أسابيع ضد المقاومين العراقيين، وتُعد من أشد المعارك في العصور الحديثة. ولهذا ينقل ضباط الجيش الأمريكي جميع الدروس المستفادة من تلك المعركة- ومعركة الموصل- إلى نظرائهم الإسرائيليين، حسب الصحيفة الأمريكية.
يحاول تجنب مسار أوباما ويتصيد الأخطاء لترامب
أما على صعيد السياسة المحلية فسوف تمثل رحلة بايدن موقفاً مناقضاً للرئيس السابق دونالد ترامب بكل وضوح وصراحة، حيث أثنى ترامب في البداية على حزب الله بعد هجوم حماس، ووصفه بأنه "ذكي للغاية"، ولم يقرر ترامب إدانة الجماعة إلا بعد تعرضه للانتقادات لاحقاً.
وكان ترامب، الذي يسعى لخوض الانتخابات ضد الرئيس جو بايدن في انتخابات 2024، قال في تصريحات لمؤيديه في فلوريدا، الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، إن حزب الله "ذكي للغاية"، ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه "أحمق".
كما انتقد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب ما وصفه بعدم الاستعداد للهجوم الذي أطلقته حركة حماس مطلع الأسبوع، وأسفر عن مقتل 1300 شخص على الأقل في إسرائيل.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس، إن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي وَصف فيها حزب الله بأنه "ذكي"، وانتقد فيها وزير الدفاع الإسرائيلي "خطيرة وغير سوية"، قائلاً: "لا يخطر ببالنا إطلاقاً لماذا يشيد أي أمريكي بمنظمة إرهابية مدعومة من إيران، ويصفها بأنها ذكية".
وقد اشتبك حزب الله مع القوات الإسرائيلية خلال الأيام التي أعقبت هجوم حماس، ما أثار المخاوف بشدة من جرّ أقدام إسرائيل إلى صراع على جبهة جديدة.
ويذكّر تصريح "ذكي للغاية" الذي صدر عن ترامب بالجملة التي استخدمها لوصف فلاديمير بوتين، بعد هجوم الأخير على أوكرانيا.
لهذا قال دانيال بيمان، أستاذ بجامعة جورجتاون: "إن زيارة بايدن لإسرائيل هي وسيلة لنزع أنياب سؤال "هل تدعم إسرائيل؟" الذي استخدمه الجمهوريون لانتقاد أوباما، والذي تحول إلى موضوع أساسي في خطاب ترامب. أي أن هذه الزيارة تمثل النقيض- السياسي- للانتقادات التي وجهها ترامب لنتنياهو" في الأيام الأخيرة.