عند العودة بالتاريخ إلى ما قبل النكبة سنة 1947، وبالضبط خلال فترة الانتداب البريطاني، عندما كانت تقوم الحكومة البريطانية بتقنين عملية هجرة اليهود الهاربين من أوروبا إلى فلسطين.
قامت المنظمة الصهيونية للهجرة "الهاغاناه" بتنظيم عملية تفجير سفينة تقل ما يقارب 2000 مهاجر من الحلفاء، إذ تسببت في مقتل وإصابة أعداد كبيرة منهم، وذلك بهدف الضغط على بريطانيا لسماحها بدخول المهاجرين إلى الأراضي الفلسطينية، بعيداً عما جاء في بنود "الكتاب الأبيض" الذي تم إصداره سنة 1939، التي كانت تأتي بعضها لصالح الفلسطينيين.
1940.. عندما فجرت "الهاغاناه" سفينة "إس إس باتريا"
بعد النزاعات التي عرفتها الحكومة البريطانية والمنظمة الصهيونية للهجرة، بسبب قرار تحديد هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ومنع دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد عن طريق الرحلات التي كانت تنظم من طرف جهات سرية، نظمت "الهاغاناه" عملية تفجير السفينة الفرنسية "إس إس باتريا" التي كانت تستعد لنقل الحلفاء إلى موريشيوس، لتكون طريقة لدخولهم إلى فلسطين رغماً عن القرارات البريطانية.
وفي تمام الساعة التاسعة من صباح يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1940، سُمع انفجار مدوٍّ في ميناء مدينة حيفا، إذ تبين أنه تم تفجير السفينة "إس إس باتريا"، التي كان على متنها حوالي 1800 مهاجر يهودي، كانوا قد قدموا بطريقة سرية من أوروبا، وكانوا على وشك ترحيلهم إلى موريشيوس، وذلك لأنهم كانوا ممنوعين من الدخول إلى فلسطين، بسبب عدم امتلاكهم لتصاريح دخول.
كانت المنظمة الصهيونية قد عارضت عملية الترحيل هذه، ومن أجل تحقيق مطلبها بطريقتها الخاصة، قامت بزرع قنبلة داخل السفينة، وذلك بهدف شل حركتها ومنعها من مغادرة حيفا، وتمكين المهاجرين من البقاء في فلسطين.
آثار تفجير السفينة
تسبب القنبلة التي وضعت من طرف "الهاغاناه" في تفجير الإطار الفولاذي من أحد جوانب السفينة التي تزن 11885 طناً بالكامل، الشيء الذي أدى إلى غرقها في ظرف أقل من 16 دقيقة.
هذا ما أدى إلى محاصرة عدد من اليهود الذين كانوا في السفينة الفرنسية داخل المخازن، وغرق 267 شخصاً منهم، فيما أصيب 172 آخرون.
البحارة الفلسطينيون الذين كانوا متواجدين في الميناء، وبسبب دوافعهم الإنسانية، قاموا بمحاولة مساعدة عدد من المهاجرين اليهود الناجين من الانفجار.
وقد تمكن هؤلاء اليهود من الدخول فعلاً إلى الأراضي الفلسطينية، بعد أن نجحت خطة الصهاينة، التي ضحت بعدد من الحلفاء في سبيل تقوية الوجود اليهودي في فلسطين، الذي كان هدفه تأسيس دولة الاحتلال، وذلك بعد أن سمحت لهم بريطانيا بالبقاء لأسباب إنسانية.
حقيقة تفجير السفينة من طرف "الهاغاناه"
بعد الانفجار، كانت أصابع الاتهام موجهة إلى الفلسطينيين، إذ كان الحديث عن استهدافهم لليهود بشكل مباشر، من خلال عملية تفجير السفينة التي تقلهم، لمنع تواجدهم في البلاد.
إلا أنه لم يتم إثبات أي أدلة تدين استهداف الفلسطينيين لليهود، الشيء الذي جعل السبب الحقيقي وراء عملية تفجير السفينة الفرنسية "إس إس باتريا" لغزاً لم يتم حله لعدة سنوات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1945، نشر نائب رئيس تحرير الصحيفة اليهودية "العمل الشاب"، في ذكرى إغراق السفينة، مقالاً بعنوان "في يوم مرير ومتهور، أغرقت يد خبيثة السفينة"، وحينها كان المسؤولون عن هذه العملية غير معروفين بعد.
تسبب المقال في جدال كبير بين قادة "الهاغاناه" وإدارة الجريدة، وقد أدى الأمر إلى انقسامات داخل داخلية استمرت لسنوات عديدة.
وقد كان هدف "الهاغاناه" هو محاولة تسويق عملية تفجير السفينة على أنها رمز للمقاومة الصهيونية ضد قرارات الانتداب البريطاني التي تمنع التوسع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، بالرغم من عدم الكشف علناً عن دورها المباشر فيها.
استمر لغز تفجير سفينة "إس إس باتريا" الفرنسية في ميناء حيفا إلى غاية سنة 1957، أي بعد النكبة، وتأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن كشف مونيا ماردور، العميل اليهودي الذي زرع القنبلة، تفاصيل ما حصل ذلك اليوم، في كتاب يكشف فيه في خبراته داخل المنظمة الصهيونية.