قالت سارة ليا واتسون الرئيسة السابقة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش إن طبيعة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتمثل في كونه صراعاً على الأرض، يتمثل في دولة احتلال تريد المزيد من الأراضي.
وأضافت أنه حتى لو كان الشعب الفلسطيني كله يعتنق المسيحية أو الهندوسية، فإن الأمر لم يكن ليختلف فيما تفعله إسرائيل الآن، ولن يشكل ذلك فارقاً. فالأمر يتعلق بالجشع من أجل السيطرة على كامل أراضي الشعب الفلسطيني.
كما قالت واتسون في مقابلة مع موقع "عربي بوست" على هامش مؤتمر التحول الديمقراطي في العالم العربي الذي أقيم يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في البوسنة، إنها لا تتوقع حدوث ثورة جديدة في مصر حالياً إلا بعد أن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه وعندما يخرج جيل جديد لم يمر بمعاناة مجزرتي رابعة والنهضة.
ووصفت واتسون الانتخابات الرئاسية القادمة بأنها ستكون "مهزلة" وأنها لن تكون انتخابات حرة ونزيهة، مشيرة إلى أن قرار مجلس الشيوخ الأمريكي تعليق المساعدات لمصر لن يغير شيئاً ولن تقدم مصر إصلاحات حقيقية.
وقالت سارة ليا واتسون إن القمع في العالم العربي ازداد بشكل قوي بعد ثورات الربيع العربي، واعتمدت الديكتاتوريات على آليات أخرى بخلاف اعتقال آلاف الناس، مثل تمرير القوانين الجديدة كقوانين الجريمة السيبرانية، وقوانين الإرهاب.
سارة ليا واتسون هي ناشطة حقوقية أمريكية والمديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش سابقاً، وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أجرت سارة ليا واتسون تحقيقات مهمة عن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا والسعودية، وأجرت عدداً كبيراً من الزيارات لدول المنطقة لمناصرة حقوق الإنسان، وأشرفت على أكثر من 20 بعثة بحثية وحررت وراجعت التقارير الصادرة نتيجة لهذه البعثات.
إلى نص الحوار كاملاً:
كيف ترين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ هل هو صراع على أساس سياسي أم ديني؟ أم هل هو صراع هوية بين الطرفين؟
أعتقد أنه صراع على الأرض. وأرى أنه صراع يتمثل في دولة محتلة تريد المزيد والمزيد والمزيد من الأراضي، والسيطرة على كامل أرض فلسطين دون وجود شعب فلسطيني. وإذا نظرت إلى سياسات الحكومات الإسرائيلية على مدار الـ50 عاماً الماضية -خاصةً في الضفة الغربية- فستلاحظ أن كل السياسات تستهدف طرد الشعب الفلسطيني أو تقسيمه على بلدات صغيرة معزولة، مع نشر الشعب الإسرائيلي على مساحات أكبر من الأراضي الفلسطينية.
ولا أظن أن الأمر سيختلف لو كان الشعب الفلسطيني يعتنق المسيحية، وهناك الكثير من الفلسطينيين المسيحيين كما تعلم. ولو كان أغلب الشعب الفلسطيني يعتنق المسيحية أو الهندوسية، فلن يشكل ذلك فارقاً في رأيي. بل أعتقد أن الأمر يتعلق بالجشع من أجل السيطرة على كامل أراضي الشعب الفلسطيني.
ما أفضل حل لهذا الصراع في رأيك؟
حسناً، أنا أؤلف كتاباً عن هذا الأمر مع أحد زملائي، ونحاول فيه وضع خطة لإحلال السلام بين فلسطين وإسرائيل. ويتركز اهتمامنا في الخطة على إنهاء الاحتلال والفصل العنصري. إذ لا أعتقد أنه بالإمكان تحقيق أي حل سياسي في ظل الاحتلال والفصل العنصري.
لهذا فإن أول ما يجب أن يحدث هو أن تُنهي إسرائيل احتلالها وفصلها العنصري، مع تأسيس حكم ديمقراطي انتقالي لجميع السكان من النهر إلى البحر، والسماح لمواطني المنطقة بتحديد الشكل الذي يريدونه لحكومتهم. فهل يريدون دولةً واحدة؟ أم دولتين؟ أم دولةً ثنائية القوميات؟ أم اتحاداً كونفيدرالياً؟
هذا صراع يمكن حله لإحلال السلام والأمن إذا جاء في صورة عملية ديمقراطية لاتخاذ القرار فقط. لكن إقامة عملية صنع قرار ديمقراطية لا يمكن أن تتحقق قبل إنهاء الفصل العنصري والاحتلال.
لن أدعم العملية التي تسمح لنا بالتظاهر بأننا أمام صراع بين شعبين، وأنه يجب أن تتفاوض القيادة الفلسطينية مع القيادة الإسرائيلية على مصير الشعب الفلسطيني. أنا لا أثق في السلطة الفلسطينية، فهي ليست ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني.
ولا أعتقد أنه يجب تقديم القضية باعتبارها صراعاً بين شعبين. لا، هذا صراع بين دولة فصل عنصري محتلة وبين البشر الموجودين تحت حكمها، ولا يهم ما إذا كانوا فلسطينيين أو إثيوبيين، بل يجب أن ينصب تركيزنا على جرائم الحكومة الإسرائيلية.
كيف ترين أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط خلال السنوات العشر التي أعقبت الربيع العربي؟
حسناً، من الواضح أن القمع قد ازداد سوءاً بعد الثورات المضادة التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي. كما أدركت الديكتاتوريات الحاكمة أنها صارت عرضةً للخطر، لهذا ضخّمت قمعها من أجل ضمان عدم تكرار تلك الانتفاضات مرةً أخرى.
واعتمدت الديكتاتوريات على آليات أساسية بخلاف اعتقال آلاف الناس، الذين تسجن مصر العدد الأكبر منهم. وتمثلت تلك الآليات في تمرير القوانين الجديدة مثل قوانين الجريمة السيبرانية، التي تُجرِّم كتابة الناس لتعليقات تنتقد الحكومة عبر الشبكات الاجتماعية.
فضلاً عن قوانين الإرهاب التي تحاكم المواطنين كإرهابيين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم الناقدة. كما شهدت المنطقة زيادة مهولة في المراقبة والتجسس على مواطني العالم العربي باستخدام التقنيات التي ابتكرتها الشركات الإسرائيلية، والتي تستخدمها الحكومات ضد المجتمع المدني العادي.
وهذا يعني أن هناك رقابة وسيطرة أكبر بكثير من ذي قبل. وجاءت جائحة كوفيد لتوسع قدرة الحكومات على إبقاء الناس في منازلهم ومراقبة تحركاتهم. وكانت الأسباب الصحية هي المبرر في البداية، لكنها سمحت للحكومات في جميع أنحاء العالم -وخاصةً الشرق الأوسط- بفرض قوانين وأدوات الرقابة والسيطرة الجماعية، وذلك من أجل مراقبة شعوبها والتحكم فيها بصورةٍ أكبر.
لماذا تدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي؟ هل يتعلق الأمر بقضايا الإرهاب والهجرة فقط؟ أم هل هم سعداء برؤية هذه الأنظمة في السلطة؟
يختلف الأمر من بلدٍ لآخر، ويجب أن تنظر إلى كل دولة من زاويتها الخاصة. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة تحديداً، سنجد أن الأمر نابع في الأساس من نظرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة -الجمهورية منها والديمقراطية- إلى المصالح الأمريكية وارتباطها بالنفط الرخيص، الذي يأتي من دول الخليج البترولية التي تدعم تلك الديكتاتوريات بدورها.
أضِف إلى ذلك دعم الأنظمة الديكتاتورية لإسرائيل. إذ يسود الاعتقاد بأهمية الحفاظ على تلك الأنظمة الديكتاتورية التي ستواصل دعم إسرائيل، وستكون صديقةً لها، وما إلى ذلك.
وينبع الأمر في الأساس من قناعة مسؤولي الحكومة الأمريكية بأن سبيل السيطرة على المنطقة والتأثير فيها يأتي عبر تأسيس قواعدهم العسكرية هناك، والاستمرار في تقديم الأسلحة للأنظمة الديكتاتورية، وذلك من أجل الحفاظ على نفوذهم وتأثيرهم في المنطقة.
وماذا عن مشكلة الهجرة غير الشرعية بالنسبة لأوروبا؟
هذا صحيح. تمثل الهجرة غير الشرعية مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لأوروبا. أعني أن أوروبا تحتاج المهاجرين بسبب تراجع أعداد سكانها من ناحية. لكنها لا تريد من ناحيةٍ أخرى استقبال موجات ضخمة من المهاجرين غير المهرة الذين يأتون من دول أفريقيا جنوب الصحراء في الأساس، فضلاً عن الأعداد المتزايدة التي تصل من شمال أفريقيا وأفغانستان ودول جنوب آسيا. ويستخدم جميع هؤلاء المهاجرين طرق الهجرة من شمال أفريقيا إلى أوروبا.
وأعتقد أن هذا السبب هو ما يفسر العلاقات الأوروبية الوطيدة دائماً مع الحكام الديكتاتوريين الذين يعدون بالسيطرة على تدفق المهاجرين. لقد حدث هذا في ليبيا من قبل وأسفر عن تحسن العلاقات مع القذافي. كما يحدث الأمر نفسه اليوم في تونس، التي تدفع الحكومات الأوروبية المال لنظامها الديكتاتوري من أجل منع وصول المهاجرين إلى أوروبا.
ما رأيك في قرار مجلس الشيوخ الأمريكي تعليق المساعدات العسكرية إلى مصر. هل تعتقدين أنهم جادون في ذلك؟
لا أعتقد أن المبلغ الصغير للغاية الذي ربطته الحكومة الأمريكية بإصلاحات حقوق الإنسان يمثل استراتيجية فعالة ستؤدي لإصلاح وضع حقوق الإنسان في مصر. إذ يصل حجم حزمة المساعدات المخصصة لمصر إلى 1.5 مليار دولار تقريباً. ونصّ القرار الأولي على تقييد 320 مليون دولار من تلك المساعدات تقريباً، لكن القرار النهائي خلص إلى تعليق 75 مليون دولار فقط، وهذه نسبة لا تتجاوز الـ10% أو حتى الـ5% من إجمالي المساعدات.
وبسبب فضيحة الفساد التي ظهرت داخل مجلس الشيوخ وكشفت رشوة الحكومة المصرية لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور مينينديز؛ قرر رئيس اللجنة الجديد السيناتور كاردن إعادة تعليق مبلغ الـ235 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر. ولا شك أن هذا الأمر سيثير غضب الحكومة المصرية بشدة، لكنني لا أعتقد أنه سيؤدي إلى إصلاحات حقيقية في مصر.
وما رأيناه هو أن الحكومة المصرية أطلقت سراح بعض المعتقلين البارزين، لكنها تعود من جديد لاعتقال أعداد أكبر. ولهذا فالأمر أشبه بمزحة. لكنني أظن أنها استراتيجية ستسمح للحكومة الأمريكية أن تتظاهر باهتمامها بوضع حقوق الإنسان في مصر، على الرغم من أن الغرض الرئيسي للمساعدات العسكرية المقدمة لمصر هو التعبير عن الدعم السياسي للنظام المصري.
هل تظنين أن الساحة السياسية في مصر ستتغير ولو قليلاً بعد الانتخابات المقبلة نتيجة وجود بعض الضغط على الحكومة ووجود أحمد الطنطاوي الذي نرى الناس ملتفين حوله؟
لا، لا أعتقد ذلك. أعتقد أن الانتخابات ستكون مجرد مهزلة. وإذا ترشح السيسي، فسوف ينتهي به المطاف إلى الفوز بنسبة 75% من الأصوات مثلاً. وربما يسمحون للطنطاوي بالترشح، وربما يسمحون لمرشحين آخرين بالمشاركة، لكنهم لن يشاركوا في انتخابات حرة ونزيهة.
ليس لدي أي إيمان بأن النظام الديكتاتوري القاتل في مصر سيطبق أي إصلاحات جادة. ومن المؤكد أن السيسي قد يتعرض لضغوط من جيشه، لكنها ستؤدي في أحسن الأحوال إلى استبدال ديكتاتور بآخر.
ولا نستطيع القول إن السخط الذي تشهده مصر اليوم، ومستويات الدعم الجديدة كلياً لطنطاوي، هي مشاهد تعبر عن حوار ديمقراطي حر. إذ ينبع الأمر في جوهره من فشل السيسي في تأسيس أي شكل من أشكال الاقتصاد القابل للحياة داخل مصر.
ولهذا ربما يرغب ممولو مصر، مثل صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات، في رؤية تغيير يحدث على صعيد الحكومة. لكن بكل صراحة، لا أؤمن بأننا سنشهد أي تقدم جاد. والسبيل الوحيد لتحقيق الحرية والديمقراطية في مصر سيأتي بقوة الشعب المصري فقط.
هل تعتقدين أن الأزمة الاقتصادية في مصر قد تؤدي إلى انتفاضة أو ثورة أخرى؟
هذا احتمال قائم، لكنني أشك في حدوثه الآن. فالشعب منهك في المقام الأول. ولا يضع أحد في اعتباره الصدمة والمعاناة التي تحملها الشعب المصري لمدة 10 سنوات في ظل أسوأ فترة قمع شهدتها البلاد. ولا يضع أحد في اعتباره ألم الشعب المصري وخوفه بعد رؤية ألف شخص يذبحون في وضح النهار بميداني رابعة والنهضة.
ومن المؤكد أنني لا أطالب الشعب المصري أو أتوقع منه النهوض من جديد حتى يتعرض للذبح مرةً أخرى. لهذا قد يستغرق الأمر فترةً أطول حتى ينسى الناس الألم والمعاناة اللذين مروا بهما، وحتى يظهر جيل جديد لم يتأثر بالدرجة نفسها.
لكن الشعب المصري سيثور في نهاية المطاف بالطبع، لأنهم بشر ويريدون الحرية والكرامة. وهناك حد أقصى من المعاناة التي يمكن أن يتعرض الناس لها قبل أن يشعروا باللامبالة ويقرروا المخاطرة. ولا أعتقد أن ذلك الوقت قد حان بعد، ولا أعتقد أن هذا سيحدث الآن. وأعتقد مع الأسف أن الأمور يجب أن تسوء أكثر قبل أن تبدأ في التحسن.
هناك ما يمكن وصفه بحملة إعلامية ضد السيسي داخل الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي. ما سببها؟
نعم، ما نراه هو أن مجالس التحرير وهياكل الرأي في هذه الصحف استغلت فرصة ظهور اسم مصر في الأخبار -بسبب فضيحة مينينديز- لإعادة تقديم الفكرة التي لطالما كانوا مؤمنين بها، وهي أن السيسي ديكتاتور وحشي. ولا أعتقد أن هذه الآراء جديدة. بل أعتقد أنه يجب حدوث شيءٍ ما حتى تتمكن أي مؤسسة إخبارية من إعادة تقديم آرائها.
ولهذا سنجد أن الحكومة المصرية نجحت في وضع اسمها على عناوين الأخبار عالمياً وداخل الولايات المتحدة، وذلك بسبب أفعالها الفاسدة والقذرة التي وصلت أصداؤها إلى واشنطن.
لننتقل إلى تونس.. ما رأيك في قيس سعيد وما يفعله هناك؟
حسناً، كانت منظمتي "الديمقراطية الآن للعالم العربي" أول منظمة تصف ما حدث في يوليو/تموز عام 2021 بأنه انقلاب، بعد أن حل قيس سعيد البرلمان وتحرك ضد وسائل الإعلام. ومن المؤسف أن المعلقين، والمنظمات الحقوقية، ومنظمات حقوق الإنسان لم تكن مستعدة لوصف ما حدث بالانقلاب. ولم يكونوا مستعدين للاعتراف بأنها نهاية الديمقراطية في تونس.
وأعتقد أن هذا الأمر يمثل إخفاقاً كبيراً لأنه سمح للحكومة الأمريكية بعدم اتخاذ أي خطوات، كما سمح للاتحاد الأوروبي بعدم التحرك، بينما سمح لسعيد في الوقت ذاته بتوسيع سيطرته على البلاد ومطاردة جميع خصومه السياسيين. حيث استهدف كافة الأحزاب السياسية، والقضاء، ووسائل الإعلام، ونقابة المحامين، والاتحادات العمالية.
ويتفق الجميع الآن على حقيقة أن ما حدث كان انقلاباً في الواقع. لكنه اتفاق يأتي متأخراً جداً، لأن الوضع صار يحتاج إلى ثورة أخرى من أجل إلغاء ما فعله سعيد.
حسناً، هل تعتقدين أن هناك ثورة قد تقوم في تونس؟
لا، لا أتوقع حدوث ذلك. فالشعب مرهق ويشعر بالمرارة. والناس متشائمون ويشعرون بالفشل في تونس ومصر وسوريا. ولا يمكن أن نتوقع منهم أن ينهضوا من بين الرماد أقوياء وحالمين بما فيه الكفاية ليحاولوا من جديد.
بالنسبة للبنان، رأينا ما فعلته فرنسا عندما حاولت تنصيب شخصٍ مقرب من حزب الله، مما أثار غضب قطر والولايات المتحدة والدول الأخرى. هل سيظل لبنان على هذا الحال؟ وإلى متى؟
لطالما كان استمرار لبنان في النجاة بمثابة لغز محير. لكنني أعتقد أن لبنان تحول إلى دولة فاشلة في المرحلة الحالية. والناس يواصلون النجاة في لبنان رغم حقيقة فشل الحكومة وعجزها عن توفير الاحتياجات الأساسية لشعبها، سواء الكهرباء أو الماء أو الطرق المناسبة أو المستشفيات العامة.
لقد تعرضت الحكومة لانهيار خطير للغاية ولم تعد فاعلة. وأعتقد أن نتيجة ذلك هو ما رأيناه من هجرةٍ جماعية ضخمة للطبقة المهنية في لبنان. ولا نتحدث هنا عن المليونيرات والمليارديرات الذين لا يتأثرون بما يحدث في بلادهم دائماً. بل نتحدث عن الأطباء والمعلمين والمحامين، أي الطبقة المتوسطة من الشعب. ويسعى أي شخص لديه عائلة في الخارج إلى الرحيل عن البلاد.
بينما ينجو الناس في المقام الأول لأن لديهم بعض أفراد عائلتهم الذين يرسلون لهم المال من خارج البلاد. أي إن حوالات أفراد العائلة المغتربين هي التي تُبقي بعض الطعام على طاولات الشعب.
أسمع في كل يوم قصصاً عن قدر هائل من اليأس والجوع والمعاناة في بيروت. ونحن لا نتحدث هنا عن المدن اللبنانية النائية في الشمال مثلاً، بل نتحدث عن بيروت. وهناك أشخاص مسنون في بيروت لا يمكنهم حتى الوصول إلى حساباتهم المصرفية لتسلم معاشاتهم التقاعدية الهزيلة، وأشخاص مسنون لا تعمل المصاعد في بناياتهم السكنية، ولهذا لا يستطيعون الخروج لشراء الطعام.
ما يحدث هو أمر فظيع. ومن المخزي أن الحكومة اللبنانية لم تنجح في الاتحاد كدولةٍ رغم كل المواهب الموجودة في بلدهم، وكل علاقاتهم الدولية التي يمكن أن تجعلهم مركزاً للخدمات المصرفية والمالية.
هل تعتقدين أن إبرام اتفاق أمريكي إيراني قد ينعكس بالإيجاب على لبنان؟ باعتبارهما أكثر طرفين فاعلين في المنطقة؟
لا أعتقد ذلك بكل تأكيد. ولا أتوقع حدوث ذلك. ولا أحب انتظار الأطراف الخارجية الكبرى حتى تقدم الحلول للإخفاقات السياسية المحلية. وأعتقد أن واحداً من أكبر أخطاء سكان المنطقة أنهم على استعداد للتطلع إلى إيران والولايات المتحدة من أجل حل مشكلاتهم. إذ يمثل هذا الأمر تخلياً عن مسؤولياتهم تجاه شؤون حكوماتهم المحلية.