كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة لـ"عربي بوست" أن مصر أشهرت عدداً من أوراق الضغط في اتصالاتها الأخيرة مع إسرائيل، والتي يُمكن استخدامها من جانب أطراف عربية ودولية لدفع إسرائيل نحو السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وتُحاول مصر الضغط لإلغاء فكرة مخطط دفع أهالي غزة للهروب إلى سيناء، إلى جانب هدف ثالث يتمثل في وقف الاجتياح الإسرائيلي، أو على أقصى تقدير الاكتفاء باقتحام بري جزئي وليس شاملاً لقوات الاحتلال.
ضغط دبلوماسي
تضع القاهرة خطة عمل تستنفر كافة أدواتها الدبلوماسية، سواء أكان ذلك عبر وزارة الخارجية أم جهاز الاستخبارات العامة (المخابرات العامة)، أو المخابرات الحربية، وكذلك قيادة الجيش التي لديها علاقات قوية مع وزارة الدفاع الأمريكية، وأيضاً الدبلوماسية الرئاسية.
قالت الرئاسة المصرية، في بيان لها، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أبلغ وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، في اجتماع بالقاهرة، الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، أن مصر تبذل مساعيها وتكثّف اتصالاتها لاحتواء الموقف في غزة منعاً لتفاقمه.
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إن مصر حريصة على استمرار فتح معبر رفح لإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين، وفق ما صرح به في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي بالقاهرة.
وقال مصدر دبلوماسي قريب من ملف الصراع الدائر حالياً في غزة، إن الساعات الماضية كانت شاهدة على وجود اتصالات مصرية، بعضها معلن والآخر غير معلن، مع قادة الإمارات والبحرين والأردن والمملكة العربية السعودية.
وهدفت هذه الاتصالات، حسب المصدر نفسه، بالأساس لإشهار ورقة تجميد التطبيع بين تلك الدول وإسرائيل إذا ما استمرت في رفض دخول المساعدات الإنسانية التي تتكدس بالقرب من الحدود مع غزة، وأن القاهرة حصلت على تجاوب إيجابي من جانب البحرين والسعودية والأردن في هذا الأمر.
وأضاف المصدر لـ"عربي بوست" أن أوراق الضغط المصرية تُعد حلاً منطقياً، لأنها لا تدفع نحو تصعيد عربي ضد إسرائيل، ولكنها بمثابة طلب لدول صديقة ترى أن الأمن القومي العربي أضحى مهدداً وبحاجة لتحرك يشكّل الحد الأدنى، وهو إنجاح الجهود الإنسانية.
وتتضمن هذه الرسائل، المتوقع أن تحملها الدول العربية الموقعة على اتفاق أبراهام إلى جانب الأردن، أن يكون إدخال المساعدات عبر معبر رفح، والسماح بدخول أجهزة ومعدات لإصلاح الطرق والمنشآت التي قصفتها إسرائيل عند المعبر وتسببت في عدم قدرة السيارات على السير.
من جهة أخرى، حسب المصدر نفسه، هناك اتصالات مصرية مع الدول الأوروبية بوساطات خليجية، لمطالبة إسرائيل بعدم مخالفة القوانين الدولية بشأن حالة الحرب، وأن تلك الاتصالات كانت سبباً في أن يتراجع الاتحاد الأوروبي عن موقفه بقطع المساعدات.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن رسائل الدول العربية لبلدان الاتحاد الأوروبي تمثلت في مطالبة إسرائيل بوقف مخالفتها للقوانين الدولية، وفتح مساحات لتقديم الإعانة والإغاثات ووقف العنف، والتأكيد على وجود تحركات عربية للتقدم بمشروع قرار لدى الأمم المتحدة بوقف العنف وإدخال المساعدات بالتعاون مع الجامعة العربية.
وأوضح المصدر نفسه أن المعلومات لدى القاهرة تشير إلى نفاد غالبية أنابيب الأكسجين لدى مستشفيات القطاع، وهو ما يتسبب في وفاة أعداد هائلة من المصابين، في حال لم يكن هناك تدخل عاجل خلال اليومين المقبلين.
تحركات الخارجية
وأكد السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن سامح شكري تلقّى اتصالات، الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، من جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وماورو فييرا، وزير خارجية البرازيل.
وذكر المتحدث باسم الخارجية، أن مباحثات الوزير شكري مع المسؤولين ركّزت على تطورات الأوضاع الإنسانية والميدانية للقصف الإسرائيلي المتواصل ضد قطاع غزة، وكذلك المواجهات المسلحة في المناطق المتفرقة الأخرى.
وقال مصدر دبلوماسي لـ"عربي بوست" إن المشاورات المصرية مع بعض من دول الاتحاد الأوروبي، بينها فرنسا وإيطاليا، ركزت على إشهار ورقة المصالح الأوروبية التي ستكون معرضة للخطر في منطقة الشرق الأوسط.
وذكّرت القاهرة، حسب المصدر نفسه، بحجم التوتر الذي من المتوقع أن يكون سائداً في البحر المتوسط حال توسعت العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة وقادت أهاليها للفرار إلى الخارج، وكذلك الوضع بالنسبة لانتشار التنظيمات الإرهابية مرة أخرى في شبه جزيرة سيناء، وما يمكن أن يشكّله من تهديد، بعد أن تمكنت مصر بشكل كبير من القضاء عليها.
وذكّرت مصر أيضاً، حسب المصدر نفسه، بملف الهجرة غير الشرعية وتبعاته على الدول الأوروبية، في حال اندلعت حرب إقليمية موسعة، وأن الاهتمام بتكثيف التواصل مع دول الاتحاد الأوروبي يرجع لكونها الأكثر قدرة على الضغط على إسرائيل والتأثير عليها؛ لأن الحكومة الحالية تعتمد على مساعدات الدول الغربية.
وتابع قائلاً: "إن القاهرة طالبت بأن يتم وقف إطلاق النار في حال كان لدى إسرائيل رغبة في الإقدام على اجتياح بري مؤقت لا تطول فترته، بما لا يساعد على تغيير خريطة الشرق الأوسط مثلما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
"وحذّرت مصر في اتصالاتها من حجم الدمار الذي سوف يطول منطقة الشرق الأوسط، إذا استمرت إسرائيل في مخططها الهجومي على قطاع غزة، وتأثيرات ذلك على الدول الأوروبية"، وفقاً لتأكيد المصدر نفسه.
وأضاف لـ"عربي بوست" أن "الدبلوماسية المصرية أعادت التذكير بحالات الغضب والرفض الشعبي من جانب الدول العربية تجاه الدول الأوروبية التي تأخذ موقفاً مسانداً لإسرائيل، وما يترتب على ذلك من إمكانية اتساع رقعة الإرهاب".
وتركزت المطالب المصرية على السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، والضغط على إسرائيل بما لا يدفع نحو الانجراف نحو حرب طويلة تشارك فيها أطراف دولية مختلفة.
طالت الاتصالات المصرية أيضاً، وفقاً للمتحدث ذاته، كلاً من روسيا والصين، بهدف إطلاعهما على ما يحدث من تطورات، وهناك قناعة بأن كلا الدولتين ليس بإمكانهما التدخل بشكل فاعل أو الانخراط في حرب.
ولكن هدف مصر بالأساس التحذير من إدخال أية تغييرات على خريطة الشرق الأوسط والتعرف على ردة فعل تلك الأطراف على ما لديها من معلومات استخباراتية بشأن قدرة إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة على ترجمة التهديدات إلى واقع.
إسرائيل لا تستجيب للوساطة
ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل"، الأربعاء، عن مسؤول مصري، قوله إن إسرائيل أبلغت مصر بأنها تستعد لحملة برية ضد قطاع غزة المُحاصر تستمر لعدة أشهر، وذلك في وقت تدخل فيه المواجهات بين فصائل المقاومة في غزة، وبين جيش الاحتلال، يومها الخامس.
المسؤول المصري -الذي لم يذكر الموقع الإسرائيلي اسمه- أشار إلى أن "إسرائيل رفضت حتى الآن جهود مصر للتوسط في أي نوع من التهدئة"، موضحاً أن إسرائيل "تريد توجيه ضربة قاضية لحماس قبل التفكير في فكرة وقف إطلاق النار".
من جهته يشير مصدر دبلوماسي مصري، وهو أحد أعضاء المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن اتصالات القاهرة طالت أيضاً إسرائيل، وأن هناك اتصالاً هاتفياً أجراه الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتضمّن الاتصال، حسب المتحدث، تحذيراً مصرياً شديد اللهجة من إمكانية إقدام إسرائيل على دفع أهالي غزة للقدوم إلى سيناء، والتأكيد على أن مصر لن تقبل بأي شكل تنفيذ هذا المخطط الإسرائيلي.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست" أن جهاز الاستخبارات المصرية أقام أيضاً اتصالات مع مسؤولين أمنيين فلسطيين، وكذلك قيادات حركة حماس في محاولة للوصول إلى تبادل للأسرى الأطفال بين الجانبين، وأن حركة المقاومة الفلسطينية أبدت مرونة في ذلك، لكن الحكومة الإسرائيلية عرقلت الصفقة.
وأشار إلى أن مصر عرضت كذلك على إسرائيل وقفاً قصيراً لإطلاق النار يمكّنها من التواصل بشكل أكبر مع قادة الفصائل الفلسطينية، لكن سلطات الاحتلال أيضاً رفضت العرض المصري.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن مصر عرضت هدنة لمدة 6 ساعات لتوصيل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، بينما أكدت القاهرة أنها تكثّف اتصالاتها من أجل "احتواء الوضع في غزة"، حيث يعيش القطاع على وقع عدوان إسرائيلي لا يتوقف.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أعلن في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول، إجراء نقاشات مع إسرائيل ومصر بشأن إقامة ممر آمن إنساني للمدنيين في غزة.
كما قال، بحسب نص تصريحه: "هذا أمر ناقشناه مع نظرائنا في إسرائيل ومصر". وأضاف: "دون الخوض في تفاصيل الممر الآمن للمدنيين وما إلى ذلك، سأقول إن هذا أمر تهتم به حكومة الولايات المتحدة في دعم كيفية قيامنا بذلك على المستوى العملي".
وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن من القول بأنها تواصلت مع إسرائيل لتدشين ممرات آمنة، وأنها رفضت عرضها، وأشارت في بيانها إلى أنها نسّقت مع مصر وإسرائيل معاً، في حين أن القاهرة ليس لديها مانع في إقامة أية ممرات، وأن من يرفض ذلك هي إسرائيل.
وقال المصدر في حديثه مع "عربي بوست" إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن إلى منطقة الشرق الأوسط من المتوقع أن تفتح أبواباً جديدة للتشاور بين الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية، بينها مصر.
وأشار إلى أن الاتصالات المصرية ركزت بالأساس على الدول العربية التي لديها علاقات قوية مع إسرائيل وحركة حماس، وهي الإمارات والأردن وقطر وتركيا وألمانيا وفرنسا وقبرص، والأخيرة بحكم قربها من إسرائيل.
إلى جانب المؤسسات الدولية، سواء أكان ذلك منظمة الصحة العالمية ووكالة الأونروا إلى جانب الولايات المتحدة، وإن لم يكن هناك تعويل قوي عليها مع موقفها الداعم بشكل كبير لإسرائيل.
وفي وجهة نظر المصدر فإن القاهرة، هذه المرة، لن تستطيع بمفردها أن تستحوذ على جهود الحل التي تبقى صعبة ومحدودة على جميع الأطراف، وأن تحركاتها تعتمد بالأساس على الدول التي لديها علاقات أكثر تداخلاً مع إسرائيل، وإدخالها كطرف وسيط.
وفي الوقت ذاته تعمل على إرسال إشارات حاسمة على أنها لن تسمح بتهديد أمنها القومي، ومن المتوقع أن تأخذ تلك اللهجة في التصاعد خلال الأيام المقبلة إلى الحد الذي قد يدفعها نحو التطرق إلى معاهدة كامب ديفيد.