دخلت معركة "طوفان الأقصى" التي أعلنتها كتائب القسام صباح السبت 7 أكتوبر 2023 يومها الثالث في ظل اعتراف إسرائيلي بصعوبة قاسية وفشل ذريع مواجهة المقاومين الذين يستمرون بالتسلل داخل الأراضي المحتلة والاشتباك مع جنود الاحتلال وحتى أسر إسرائيليين جدد.
وما يحدث على الأرض حتى اللحظة يدلل على أن حركة حماس تعرف ماذا تفعل أكثر من إسرائيل، باعتراف محللين إسرائيليين الذين يرون أن الحركة نجحت في خداع إسرائيل وأوهمتها بأنها تبحث عن الاستقرار واستمرار تدفق الدعم القطري.
ولم يعد هناك شك -داخل إسرائيل وخارجها- في أن عملية عسكرية بهذه الدقة وهذا الحجم تتطلب أشهراً وربما سنوات من التخطيط. والسؤال الآن الذي يطرحه محللون إسرائيليون بارزون بعد هذه العملية: كيف أصبحت أوراق حماس التفاوضية أقوى من أي وقت مضى؟
بعد "طوفان الأقصى".. حماس اليوم أصبحت في موقف تفاوضي قوي
يقول المحلل الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الفلسطينية تسفي باريل في صحيفة هآرتس، إن حركة حماس غيرت المعادلات وأصبحت تسيطر على أجندة الشرق الأوسط بعد هجومها المباغت على إسرائيل، حيث أصبحت أوراق المساومة الموجودة الآن بين يديها أقوى من أي وقت مضى، وكذلك مطالبها من إسرائيل بفك الحصار أو إجبارها على إتمام صفقة ضخمة لتبادل الأسرى.
ويرى باريل أنه لن يجرؤ أي سياسي إسرائيلي الآن على ذكر تجديد المساعدات الكاملة للقطاع أو تصاريح العمل وغيرها من الامتيازات. لكن في الوقت نفسه لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى التفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح الأسرى المختطفين وجثث الإسرائيليين الذين تحتجزهم الحركة من عسكريين ومدنيين. حيث ستواجه الحكومة الإسرائيلية دون شك ضغوطاً شعبية هائلة من أجل إطلاق سراحهم.
بغض النظر عن مدى الرد الإسرائيلي، سيتعين على الحكومة اليمينية المتطرفة في نهاية المطاف أن تقرر ما إذا كانت ستطلق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين وإفراغ السجون لديها بالكامل، مقابل إطلاق سراح عشرات وربما مئات الإسرائيليين في غزة الذين من بينهم ضباط برتب كبيرة.
ولإجراء المفاوضات، ستحتاج إسرائيل مرة أخرى إلى خدمات مصر وقطر، اللتين تحتفظان بعلاقات عمل قوية مع قيادة حماس وعلاقات أقل قرباً مع قادة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وربما دول أخرى مثل تركيا.
وبحسب باريل، ستعمل حماس على وضع مطالب قوية على الطاولة -دون موافقة إسرائيل عليها على الأقل في هذه المرحلة- لكن دعم أمريكا غير المشروط، بما في ذلك أي عمل عسكري ستقدم عليه إسرائيل قد ينتهي بتدمير كبير للقطاع أو مذبحة جماعية للمدنيين الغزيين، لا يمكن أن يساعد إسرائيل في إجراء مفاوضات من شأنها جلب الأسرى وإعادتهم.
حماس "أقوى استراتيجياً في المنطقة ونجحت بتوجيه ضربة لمشروع التطبيع"
وهذا يعني أن إسرائيل في موقف صعب على جميع الأحوال. لكن ليست إسرائيل فحسب، بل اللاعبين الآخرين في المنطقة سيضطرون للتعامل مع حماس وقبول شروطها، حيث وردت تقارير يوم السبت عن محادثات أجراها وزير الخارجية المصري مع نظيره الأردني وعن مناقشات أجرتها المخابرات المصرية مع قادة حماس بهدف وقف القتال.
وبحسب صحيفة هآرتس، فإن الخوف في القاهرة هو من حدوث اضطرابات في مصر تضامناً مع الفلسطينيين قبل شهرين من الانتخابات، وبينما تعاني مصر من واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، سيكون السلام في القطاع واحتواء الهجوم الإسرائيلي "مصلحة وجودية مصرية".
في الوقت نفسه، تواجه المملكة العربية السعودية معضلة عندما تقرر ما إذا كانت ستواصل السعي للتطبيع مع إسرائيل، كما يقول تقرير آخر للصحيفة الإسرائيلية. حيث لن يتعجل السعوديون في تجديد الاتصالات مع إسرائيل الآن لاستكمال اتفاق التطبيع، حتى لو كان ذلك على حساب تعزيز مصالحهم في مواجهة واشنطن.
ولا شك أن حماس نجحت عبر هذا الهجوم المباغت، بتوجيه ضربة قاسية للزخم الذي كان سيؤدي إلى التوصل إلى "اتفاق تاريخي" بوساطة أمريكية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، كما يقول تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ويقول بريان كاتوليس، نائب رئيس قسم السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حيال ذلك: "كان تسلق التلة دائماً صعباً، لكن تلك التلة أصبحت أكثر انحداراً بكثير". إذ لن تستطيع المملكة إعطاء الأولوية للتطبيع على حساب الفلسطينيين الآن.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يحدث طوفان الأقصى، كما أطلقت حماس وبقية الفصائل عليها، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ـ بعد يوم واحد من احتفال مصر بالذكرى السنوية لحرب أكتوبر عام 1973. وكما في تلك الحرب، كانت الخطوة الافتتاحية هنا أيضاً هي المعبر، وفي هذه الحالة السياج الحدودي، وهو الإجراء الذي من المفترض أن يكون محفوراً في أذهان الفلسطينيين.
ونجحت حماس بعد هذا الهجوم إلى جلب أنظار العالم إليها ولقضيتها كما لو أنها دولة، حتى أن أمريكا أعلنت الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول، تحريكها أكبر حاملة طائرات في العالم "جيرالد آر فورد" باتجاه شرق المتوسط كدعم لإسرائيل، ما أظهر إسرائيل في موقف "الطفل الضعيف" الذي يستنجد بأبيه، حتى ولو كانت نية الأمريكيين إظهار الدعم المعنوي لحليفتهم الصغيرة إسرائيل.
والتحدي الكبير الذي يواجه إسرائيل الآن هو المناورة وسط عملية عسكرية عقابية واسعة النطاق، ومحاولة تحرير المختطفين، وإلى حد كبير، الانتقام، وخطر إثارة أعمال عنف جماعية في الضفة الغربية والقدس. وربما أيضاً اندلاع اشتباكات على الحدود الشمالية مع حزب الله الذي "يتحرش" بتل أبيب ويؤكد أنه ليس الطرف الذي سيقف على الحياد في هذه الحرب.
تجنب حزب الله تقليدياً المشاركة المباشرة في الحروب السابقة بين الفلسطينيين والاحتلال. لكن لا شك أنه يساعد الفصائل الفلسطينية بالسلاح والتدريب، وكذلك التوسط بين هذه الفصائل وسوريا، وبالطبع مع إيران الداعم الأكبر، التي تدعو إلى تحرير فلسطين بالكامل من الاحتلال.
والآن، "وحدة الساحات" التي تتطلع إليها حماس مع التنظيمات الأخرى هي حتى الآن مفهوم يطبق بشكل رئيسي في الربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. وربما حتى مع الجبهة الشمالية، مع حزب الله".