اللاعبون المصريون لديهم مشكلة أزلية، الوحيد الذي استطاع أن يكسر حاجزها، كان محمد صلاح!
لاعبون بعضهم يفضل الراحة أكثر من أي شيء آخر، لا يبحثون عن المشقة، لا في الملعب ولا حتى خارجه، فربما يبحثون عن العائد المادي الأكبر وكذلك على أقل فرصة للاجتهاد في مصر بشكل عام.
كم لاعباً مصرياً احترف خارج البلاد ووصل لأن يكون من نجوم الصف الأول؟ في حقيقة الأمر، ودون مبالغات؛ محمد صلاح هو الوحيد الذي نجح خارج حدود الكرة المصرية، ويمكن لأن الأمر كان بعيداً عن نادييْ القمة: الأهلي والزمالك.
نجاح محمد صلاح كان نجاحاً صاخباً، وابتعد به عن العقلية المصرية وحتى عن الأداء المصري الضعيف خارج حدود مصر، محمد صلاح استطاع أن يكسر هذه الصورة النمطية عن مستوى اللاعب المصري.
عصر ما قبل محمد صلاح
إذا أخبرت طفلاً صغيراً أن هناك مهاجماً مصرياً دخل قائمة أفضل لاعبي العالم حسب ترتيب الفيفا، لن يصدق، وإذا أخبرته أن ما يفعله محمد صلاح حالياً كان من الممكن أن ينجزه غيره منذ قرابة عقد من الزمان؛ سيبكي من كثرة الضحك.
لكنها حقيقة، رحلة ثناء ستيف بروس، وتشبيهه بالأسطورة آلان شيرار مع موافقة الأسطورة على التشبيه، ومن حب أقرب إلى الغرام من مشجعي نادي ويجان الإنجليزي، مرورًا بإفشاء رافاييل بينيتيز مدرب ليفربول آنذاك إعجابه به بعد المباراة التاريخية في الأنفيلد، ورغبة كبار أوروبا بضمه.
إلى انقلاب السحر على الساحر، عمرو يغيب عن التدريبات، بروس المدرب يستشيط غضبًا، غرامات، مسك العصا من المنتصف، غرامات، ثم لحظة الطلاق ونعته بأسوأ عقلية قابلها بروس في حياته.
هذا اللاعب بكل تأكيد؛ هو عمرو زكي، المصري الذي كان يُشبه جسمه أجسام المصارعين، وحينما يرتقي فإنه يُسقط شيئاً كبيراً، أتذكر أن الشعب المصري كان يبحث عن كل الوسائل الممكنة لمشاهدة عمرو زكي.
لم يكن العالم حينها مثلما أصبح عليه الآن؛ إذ إن المباريات لم تكُن تُبث بسهولة، ولم تكن القنوات مُتوافرة لدى الجميع، ولم يكن اليوتيوب يمنح نفس الجودة ولا اليُسر لمشاهدة ملخص أية مباراة.
كان عمرو زكي، مُنفصلاً بشكل فعلي عن الجمهور المصري في قارة أوروبا، وكان يُقدم كل ما لديه من أجل أن يستثمر أفضل مرحلة للاعب مصري في تاريخ الاحتراف تقريباً، وهي مرحلة شبيهة برحلة أحمد حسام ميدو الذي ندم بشكل كبير على قرار التفريط في موهبة كان لها أن تضع نفسها في قمة الهرم الكروي الأوروبي!
كيف كان عمرو؟ وأين أصبح؟ أصبح بلا مسيرة تليق بهذا الجسد المهول من الكتلة العضلية، ومن البراعة في تسجيل الأهداف، أصبح ضيفاً خفيفاً على القنوات الرياضية المصرية كما جرت العادة، وبات من الصعب أن تثق في آرائه نظراً لأنه لا يتمتع بالشعبية ولا العقلية الكروية التي كان من الممكن أن يجنيها.
إنها رحلة إلى اللارحلة، إنه نجاح كُتب عليه الفشل، إنه عمرو؛ عمرو زكي، الذي لم يكن ذكيًا ليصبح ما كنا نحلم به جميعًا.
عصر ما بعد محمد صلاح
في واقعة سابقة، منذ قرابة العامين، كان حساب مصطفى محمد على منصة الفيس بوك يبدو أنه لفتى لا يستدرك العالم بشكله الطبيعي.
سخر الناس منه، ومن منشوراته هناك، ومن طريقة مُزاح الأصدقاء معه ووصفه بأوصاف لا يمكن تصديق أنها ستمنح هذا الإنسان دافعاً كبيراً للتألق في قارة أوروبا بعد مدة!
خرج مصطفى محمد من الدوري المصري، وتحديداً فريق الزمالك، قاصداً تجربة احترافية تشابهت مع تجارب كثيرة قبلها، وظن الناس بأنها أشهر وسيعود مصطفى محمد أدراجه كما جرت العادة في التجارب السابقة.
لم يكن مصطفى محمد هو النموذج الذي تنطبق عليه كل هذه التوقعات؛ لقد استطاع مصطفى محمد أن يخرج لصفوف نادي غالطة سراي التركي على سبيل الإعارة، وما هي إلا مدة وجيزة وطلب غالطة سراي التعاقد معه بشكل نهائي.
في غالطة سراي أثبت براعة كبيرة للغاية، ثم خرج من غالطة سراي إلى نادي نانت الفرنسي على سبيل الإعارة، وما هي إلا مدة وجيزة وأصبح مصطفى محمد مطلوباً في نانت بصفة دائمة، وكأنه في كل مكان يُثبت نفسه بطريقة تجعل كل من فيه يحترمه.
ميزة مصطفى محمد، أنه لم يكن ابناً للاعب سابق، ولم يمتلك واسطة تمنحه بطاقة عبور سريعة في الكرة المصرية، لم يكن مصطفى محمد يمتلك من اللغة ما يؤهله إلى الاحتراف هكذا بسرعة شديدة.
لم يكن مصطفى محمد يمتلك فرصة مثالية للاحتراف حتى في أندية القمة في مصر، بل على العكس خرج أكثر من مرة للإعارة من الزمالك، ثم أثبت نفسه وأصبح المهاجم الرئيسي للفريق.
نجاح مصطفى محمد لم يكن مصنوعاً، لم يكن مُزيفاً؛ وإنما كان نجاحاً حقيقياً لإنسان يُشبهنا في صعوبة الرحلة، وكذلك في مشقة الوصول إلى ما يحلم به.
من كان يُصدق أن الإنسان البسيط الذي كان الناس يسخرون منه منذ مدة، أصبح في الوقت الراهن يُنافس النجم الدولي الفرنسي كيليان مبابي على جائزة هداف بطولة الدوري الفرنسي هذا العام!
من كان يُصدق أن مصطفى محمد سيبدأ في التحول إلى وحش كاسر، لا يمكن إيقافه في واحد من أقوى 5 دوريات في العالم، وأصبح في الوقت الراهن من نجوم بطولة الدوري الفرنسي ومن أفضل لاعبيها، تقييماً وتأثيراً.
الانفعال الذي حدث منه مؤخراً في وجه الحكم، لا بد من أن يُعالج في القريب العاجل، لكي لا يواجه نفس مصير عمرو زكي، فيلقى ثناء ستيف بروس ثم ذمه، لكي لا يكون مُتباكياً على مسيرته مثل أحمد حسام ميدو، لكي لا يكون حاد الطباع مثل حسام غالي حينما رمى قميص توتنهام أرضاً؛ فكان عليه أن يخرج من النادي كما دخل منه.
مصطفى محمد حالياً، يعرف بأن كل ما وصل إليه، احتاج الكثير من السير، ولو عاد الدولي المصري من حيث أتى، فإن هذه الرحلة ستُمحى من ذاكرة كل من شاهدها وصدق بأنها كانت استثنائية، وما زالت هناك احتماليات كبيرة لزيادة استثنائيتها.
مصطفى محمد حالياً أصبح مُخيراً، بين أن يسير على نفس نهج محمد صلاح فيرسم لنفسه طريقاً يجعله من بين أفضل من خرجوا من مصر، أو يتشابه مع من سبقوه وعادوا إلى مصري خاليي الوفاض ليحكوا لنا ما شاهدوه في الخارج ليس إلا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.