مع تزايد الإحباط لدى الشارع المصري بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية (10 ديسمبر/كانون الأول 2023)، حيث أعلن عبد الفتاح السيسي ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، لمع اسم رجل طامح إلى الرئاسة من بين قواعد المعارضة التي دمرتها سياسات السيسي المستمرة منذ عقد من الزمن.
إذ يحاول الصحفي والبرلماني السابق أحمد الطنطاوي، حشد الدعم الشعبي خلال الحملة الانتخابية. حيث سيحتاج المرشح البالغ من العمر 44 عاماً، إلى جمع 25 ألف توكيل من المصريين عبر 15 محافظة على الأقل بحلول 14 أكتوبر/تشرين الثاني ليكون مؤهلاً لخوض هذا السباق.
لكن السؤال هنا: لماذا يعد الحراك الذي أحدثه الطنطاوي أشبه برمي حجر في المياه الراكدة؟
من هو أحمد الطنطاوي أبرز المرشحين المحتملين لمنافسة السيسي؟
يعتبر البرلماني السابق الذي برز بدور المعارض، أحمد محمد رمضان الطنطاوي (44 عاماً)، يساري التوجه بسبب انتمائه إلى التيار الناصري، وهو عضو مؤسس بحزب الكرامة منذ عام 2005، وأصبح أمين الحزب في قلين جنوب محافظة كفر الشيخ عام 2009.
وأصبح الطنطاوي عضو المكتب السياسي لحزب الكرامة عام 2012، حتى استقالته من الحزب في مارس/آذار 2014، وكان أحد الشباب المؤسسين للتيار الشعبي المصري، الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي.
وبحسب مواقع محلية، فإن نشأة الطنطاوي أثرت على تشكيل وعيه وفكره وتوجهاته السياسية بشكل كبير، خاصةً أن والده محمد رمضان الطنطاوي كان أحد أبرز وجوه الحركة الطلابية المصرية، وناشطاً سياسياً خلال فترة التسعينيات، في حراك كان يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية في المجتمع المصري.
وتعد الصحافة هي الوظيفة الأساسية للطنطاوي، إذ عمل صحفياً بجريدة الكرامة الصادرة عن "حزب الكرامة"، وهو عضو في نقابة الصحفيين. وبرز انحيازه إلى قضايا الصحفيين ودفاعه عنهم بمجرد دخوله أروقة البرلمان، حيث طالب السيسي بإصدار عفو رئاسي عن جميع الصحفيين المحبوسين ومن صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية في قضايا لها علاقة بالأحداث السياسية ولم يتورطوا في دماء أو يرتكبوا أعمال عنف أو استولوا على أموال المواطنين، بحسب موقع "برلماني".
بروز اسم الطنطاوي في مجلس الشعب
في الفترة ما بين 2015 و2020، شغل أحمد الطنطاوي عضوية مجلس الشعب، إذ كان أحد أعضاء "تكتل 25/30" البرلماني. وبدأ يتردد اسمه في الأوساط السياسية بالتزامن مع نقاشاته مع رئيس مجلس النواب المصري، حول قضايا عدة، مثل إسقاط عضوية البرلمان عن النائب السابق توفيق عكاشة، بتهمة التطبيع لاستقباله السفير الإسرائيلي في منزله.
وكذلك معارضته لقانون الضريبة المضافة الذي حاول إيقاف إقراره، واتهم الحكومة بالتسليم بقرارات صندوق النقد الدولي وهاجم وزير المالية أكثر من مرة. وتسببت معارضة الطنطاوي الشديدة لموافقة البرلمان على قانون الثروة المعدنية وتشكيكه في عملية التصويت بطرده من الجلسة في 2016. وأكد الطنطاوي وقتها أن عدداً ممن رفعوا أيديهم بالموافقة خلال جلسة المناقشة ليسوا أعضاء باللجنة، وهم في الأساس من ممثلي الحكومة في الجلسة، حسب تعبيره.
في الوقت نفسه، دافع الطنطاوي عن ثورة 25 يناير في البرلمان المصري عدة مرات، وأكد أنه سيتقدم بطلب لمجلس النواب، يطالب فيه كل نائب بإعلان موقفه من ثورتي 25 يناير وحركة 30 يونيو، خاصةً أن الجميع سيقسم على احترام الدستور والقانون، والدستور ينص على أن "25 يناير-30 يونيو" ثورتان، مشدداً على أن أي نائب سيتورط في الإساءة إلى ما أقسم عليه سيتقدم بطلب لأمانة المجلس باستدعائه في لجنة استماع وسماع مقولته، خاصةً أن من بين النواب من يصف ثورة 25 يناير بـ"المؤامرة".
كما برز اسم الطنطاوي خلال مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، في 2017، والتي قضت بتنازل القاهرة عن جزيرتي تيران وصنافير للرياض. وتمت إحالة الطنطاوي إلى لجنة القيم في البرلمان وقتها بسبب إلقائه الميكروفون على الأرض خلال مناقشة الاتفاقية، وهو القرار الذي علق عليه النائب قائلاً في تصريحات صحفية، إنه جاء "بسبب موقفي من تيران وصنافير وليس بسبب أي أمر آخر". حيث عارض طنطاوي الاتفاقية واتهم الحكومة بعدم احترام الدستور في إقرار الاتفاقية، كما اتهم النواب بـ"خيانة ناخبيهم بالتنازل عن أرض مصرية".
وعارض الطنطاوي ترشح الرئيس السيسي لرئاسة الجمهورية، وعلق على انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2018 قائلاً: "مشهد انتخابي بائس، لا يترتب عليه إحساس بأن الناس راضية عن السنوات الأربع الماضية".
في النهاية، خسر الطنطاوي مقعده بمجلس النواب في انتخابات الإعادة بمحافظة كفر الشيخ عن دائرة قلين عام 2020، وذلك رغم حصوله على أعلى الأصوات في الدائرة خلال الجولة الأولى للانتخابات. حيث تداول نشطاء حينها مستندات قالوا إنها تثبت فوز الطنطاوي في اللجان الفرعية، وذلك عكس النتيجة النهائية التي أعلنتها اللجنة العامة بفوز مرشح حزب مستقبل وطن المدعوم من النظام الحالي.
"السيسي أكبر عقبة في مستقبل مصر"
في يناير/كانون الأول الماضي وبالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لثورة 25 يناير، هاجم الطنطاوي في فيديو نشره على حسابه بـ"فيسبوك" السيسي، واصفاً إياه بـ"العقبة الرئيسية الكبرى في طريق مستقبل الدولة المصرية"، وأنه "قدم أسوأ أداء لأي سلطة سياسية في آخر 200 سنة، وأنه غير مستعد لمراجعة نفسه أو الاعتراف بأخطائه".
وأشار الطنطاوي إلى أن "المصريين الآن يُحكمون من خلال ثورة مضادة أوصلتهم إلى حالة الترحم على ما فات ويصيبهم الجزع مما هو آت". وقبل أيام من موعد عودته لمصر، في مايو/أيار الماضي، وبعد إعلان اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ألقت السلطات المصرية القبض على عم وخال الطنطاوي إلى جانب عدد من أصدقائه بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية وحيازة منشورات، حسبما تداولت مواقع محلية.
وخرج الطنطاوي في مقطع فيديو للتعقيب على الاعتقالات، قائلاً إنه يعرف المئات الذين تم القبض عليهم بتهمة مناصرته وتأييده، وهاجم التعامل الأمني مع المعارضين للنظام. وأكد الطنطاوي عزمه على الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ من أجل تقديم "بديل ديمقراطي"، وبدأ حملته بجولات في المحافظات.
ومنذ إعلانه نيته الترشح، تحدث الطنطاوي، في فيديوهات نشرها على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، عن تعرضه لضغوط عديدة، منها مضايقته في الحصول على توكيلات الترشح والقبض على أنصاره، إذ وصل عدد من تم اعتقالهم من حملته إلى 73 متطوعاً على الأقل، بينهم 4 محامين، وفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ما القادم الذي يخشاه السيسي؟
بعد إعلان السيسي ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نقلت وسائل الإعلام المصرية- التي يديرها النظام بشكل كامل- مشاهد لمواطنين في الشوارع يحتفلون بقرار السيسي الذي ناشد "كل المصريين حتى لو مش هيختاروني إنهم ينزلوا الانتخابات ويُظهروا للعالم إن إرادة الناس هي اللي بتجيب الحاكم".
سبق هذا الإعلان، قرار من السيسي بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية، حيث ستقام في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2023، بدلاً من أبريل/نيسان 2024. ويرى محللون أن قرار السيسي قد يفسر على أنه محاولة منه للتعامل بشكل أسرع مع الأزمة الاقتصادية المرعبة، حيث تواجه مصر التزامات مالية كبيرة، منها ضرورة سداد جزء من الديون الخارجية حتى 2026.
وإلى جانب نحو 26 مليار دولار ديون قصيرة الأجل يجب أن تسدد خلال عامين، فإن هناك ديوناً متوسطة وطويلة الأجل على مصر، تتعدى 72 مليار دولار كانت مستحقة من النصف الثاني لعام 2022 وحتى نهاية 2025.
وخلال ترشحه للانتخابات، حاول السيسي الربط بين الحفاظ على الدولة المصرية واستكمال مسيرة البناء، فخلال جلسة اليوم الأول لمؤتمر "حكاية وطن"، الذي عقد في العاصمة الإدارية الجديدة، أدلى السيسي بما عده البعض أحد "أخطر تصريحاته" منذ أن وصل إلى الحكم، إذ قال إنه من الممكن هدم مصر من خلال دفع المال والمخدرات لعدد كبير من الأشخاص ليقوموا بأعمال عنف خلال عشرة أسابيع، وأكد أنه وقت أن كان مديراً للمخابرات الحربية كان يرى المخطط بوضوح.
هذه الرسالة الخطيرة التي صدرت من السيسي، أثارت جدلاً كبيراً على منصات التواصل، وقرأها المصريون بعدة أشكال مختلفة، منها أنها تمهيد لما يمكن أن يحدث إذا وقعت اضطرابات بسبب الوضع الاقتصادي السيئ.
ورأى البعض أيضاً أن تلميح السيسي يشبه تحذير الرئيس الراحل مبارك، الذي خيَّر المصريين أثناء مظاهرات يناير/كانون الثاني 2011 بين استمرار حكمه، والسقوط في الفوضى. فيما رأى غيرهم أن كلام السيسي تمهيد للتعامل بقسوة شديدة من جانب قوات الأمن تجاه من قد يتظاهرون ضد حكمه، باعتبارهم مجرمين ومتعاطي مخدرات.
حجر في المياه الراكدة
هذا الخطاب المثير للجدل، يكشف عن حالة من "التوتر" لدى النظام المصري قبيل الانتخابات كما تصفها مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية؛ مما يدفعه إلى تقديم موعد الانتخابات، وإطلاق تهديدات مبطنة، والتضييق على حملة المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، رغم تشكيك كثيرين في جدوى الانتخابات على اعتبار أنها محسومة مسبقاً لصالح السيسي.
ويزداد هذا التوتر، في وقت يعاني فيه النظام المصري من أزمات عديدة، منها أزمة الطائرة المصرية الخاصة التي احتجزتها السلطات الزامبية، وأيضاً توجيه الادعاء الأمريكي الاتهام إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز وزوجته بتلقي رشى بمئات آلاف الدولارات من رجل أعمال أمريكي من أصول مصرية، مقابل تسهيل مينينديز استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر والتي تواجه احتمال احتجازها وربطها بتحسن وضع حقوق الإنسان.
ويواجه النظام المصري ضغطاً دولياً بسبب ملف حقوق الإنسان، حيث تقدر منظمات حقوقية دولية أعداد المحتجزين على خلفية اتهامات سياسية بنحو 60 ألف شخص، إضافة إلى اتهامات بتحول التعذيب في مراكز الاحتجاز إلى وضع ممنهج، وفق ما نشرته منظمة "ريدرس" البريطانية، التي قالت في تقرير حديث، إن "التعذيب في مصر منتشر وممنهج لدرجة أنه يشكل جريمة ضد الإنسانية".
لكن السلطات المصرية تنفي باستمرارٍ وقوع انتهاكات بحق الأشخاص، وأن الأمر تجاوزات فردية، وأن القانون يحمي حقوق الإنسان. وفي مطلع هذا العام ردّ السيسي على الانتقادات الداخلية والخارجية بشأن هذا الملف، مؤكداً أن "الواقع في مصر ليس كذلك".
من جانبه، لا يزال الطنطاوي، المرشح المحتمل الأبرز للانتخابات الرئاسية، يتهم النظام باحتجاز أنصاره ومضايقتهم، ومنعهم من تقديم الترشيحات والتنصت على هاتفه. وقد وصف طنطاوي نفسه بأنه مرشح "سيادة القانون"، حيث نشرت حملته مقاطع فيديو له وهو يرافق أنصاره إلى مكاتب التسجيل.
وقال محمد أبو الديار، منسق حملة الطنطاوي، لـ"رويترز"، إن كثيراً ممن حضروا إلى مكاتب الشهر العقاري لعمل توكيلات تم إبلاغهم أن النظام لا يعمل، أو أُمروا بالعودة لاحقاً أو عمل التوكيل في مكان آخر. وأضاف أن البعض واجهوا مضايقات أو اعتداءات أو سوء معاملة.
فيما قالت الحركة المدنية الديمقراطية، التي تضم بعض أحزاب المعارضة الصغيرة، في بيان، يوم الأحد، إن هناك انتهاكات متعددة ضد المواطنين الذين يحاولون تسمية مرشحين غير السيسي. لكن الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر تقول إنها تحقق في هذه الشكاوى، واصفةً هذه الادعاءات بأنها "لا أساس لها من الصحة".
وفي مقطع فيديو نشرته حملة الطنطاوي يوم الإثنين 3 أكتوبر/تشرين الأول، هتف العشرات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وهو الشعار الشعبي لثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك من الحكم. وهو الهتاف الذي كاد أن ينساه المصريون في عهد السيسي، قائد الجيش السابق الذي أشرف على حملة قمع سجنت عشرات الآلاف من المعارضين بعدما أطاح بالرئيس المدني محمد مرسي، وحظر الاحتجاجات بالكامل بقوة الحديد والنار.