العالم قد يكون مقبلاً على مرحلة في منتهى الخطورة وهي مرحلة الذكاء الاصطناعي الشامل بما تحمله من خطر خروج البرمجيات عن السيطرة، فهل اقترب موعد خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة؟
يرى بعض خبراء الذكاء الاصطناعي أن مسيرة تطوير الذكاء الاصطناعي لا تبعد كثيراً عن بلوغ لحظتها الفارقة التي لن يكون ما قبلها كما بعدها.
ومن ثم فإنَّ تجمُّع "القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي"، الذي من المقرر أن يُعقد في بلتشلي بارك بمقاطعة باكنغهامشاير الإنجليزية في نوفمبر/تشرين الثاني، يأتي في أنسب وقت للتعامل مع قضايا الذكاء الاصطناعي والبحث عن حلول لمشكلاته، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
كان إيان هوغارث، رئيس فريق العمل البريطاني المكلف بأبحاث الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الأمن القومي، قد أثار مخاوف قبل توليه منصبه هذا العام بشأن "الذكاء الاصطناعي الشامل"، أو القدرات "شبه الإلهية" للذكاء الاصطناعي. وتتفاوت تعريفات الذكاء الاصطناعي الشامل، ولكنها تتناول في العموم قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على أداء أعمال الإنسان ومهماته بقدرات بشرية أو فوق بشرية، وعلى نحوٍ يزعم بعض الخبراء أنه قد يجعل هذه الأنظمة قادرة على الخروج عن سيطرة الإنسان.
أما ماكس تيجمارك، الباحث الذي كان له بيان تصدَّر اهتمام وسائل الإعلام هذا العام بعد أن حثَّ فيه على وقف التجارب العملاقة للذكاء الاصطناعي، فقال لصحيفة The Guardian البريطانية، إن خبراء التكنولوجيا في كاليفورنيا يعتقدون أن وصولنا إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الشامل قد أصبح قريباً.
وقال تيجمارك: "كثير من الخبراء يذهبون إلى أننا سنصل إلى الذكاء الاصطناعي الشامل في غضون ثلاث سنوات، ويزعم بعضهم أن الأمر قد يستغرق عامين فحسب، ويرى آخرون أنه سيستغرق وقتاً أطول، وأننا لن نصل إلى ذلك قبل عام 2030″، وهو تاريخ لا يبعد عنا كثيراً.
ومع ذلك، فإن هناك خبراء مرموقين يرون أن الضجة المثارة بشأن الذكاء الاصطناعي الشامل مبالغٌ فيها. ويزعم بعضهم أن هذا التهويل من قدرات الذكاء الاصطناعي حيلة تستثير الناس لدفعهم إلى فرض إجراءات تنظيمية على سوق الذكاء الاصطناعي، وحصره بحدود معينة، وتعزيز حصة الشركات الكبرى، مثل شركة "أوبن إيه آي" (المطورة لتطبيق ChatGPT)، وجوجل، ومايكروسوفت.
وحذر "معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي الموزَّع" (DAIR) من أن التركيز على الأخطار الوجودية يصرف الناس عن الاهتمام بالتأثيرات المباشرة الناجمة عن انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل: استخدام أعمال الفنانين والمؤلفين دون إذن، من أجل بناء نماذج الذكاء الاصطناعي؛ واستخدام العاملين بأجور منخفضة لتنفيذ بعض مهام بناء النماذج اللغوية الكبيرة.
وقد أشاد تيمنيت جيبرو، المؤسس والمدير التنفيذي لمعهد أبحاث الذكاء الاصطناعي، الأسبوع الماضي، بأحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي؛ لإثارته المخاوف القائمة بشأن ظروف العمل للعاملين في بناء قواعد بيانات الذكاء الاصطناعي، بدلاً من التركيز على "هراء الأخطار الوجودية"، على حد تعبيره.
هل يفقد البشر السيطرة على الذكاء الاصطناعي قريباً؟
ويذهب رأي آخر إلى أن الزعم بأن البشر لن يستطيعوا السيطرة على الذكاء الاصطناعي الشامل في لحظة ما- وهمٌ لن يحدث. وقال ويليام دالي، كبير الباحثين بشركة إنفيديا لصناعة شرائح الذكاء الاصطناعي، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي: "إن خروج الذكاء الاصطناعي الشامل عن السيطرة إنما هو خيال علمي وليس حقيقة"، "فالبشر ستكون لديهم دائماً سلطة اتخاذ القرار في القدرات والمهارات التي يتنازلون عنها لنماذج الذكاء الاصطناعي".
ومع ذلك، فإن من يخالفون هذا الرأي يقولون إنه لا يمكن تجاهل الخطر الكامن في الذكاء الاصطناعي الشامل. ويزعمون أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تستطيع عند مرحلة ما، أن ترفض أو تتهرب من إيقاف تشغيلها، أو تتعاون مع أنظمة ذكاء اصطناعي أخرى، أو تستقل بتحسين قدراتها من دون تدخل بشري.
وقال كونور ليهي، الرئيس التنفيذي لشركة Conjecture لأبحاث سلامة الذكاء الاصطناعي، إن المشكلة أوضح من ذلك، "الجدير بالخشية حقاً في الذكاء الاصطناعي الشامل ليس أنه شرير أو أن له وجهاً خطيراً معيناً يجب علينا التخلص منه، وإنما هو كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي. فاحتمالُ العجز عن التحكم في نظام ذكاء اصطناعي يتمتع بالكفاءة وبقدرات تضاهي الإمكانات البشرية، هذا الاحتمال هو الخطر ذاته".
مخاوف من برامج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر
ومن المخاوف الأخرى التي أعرب عنها مسؤولون بريطانيون، أن التحديثات التالية لنماذج الذكاء الاصطناعي، وإن كانت أقل من مستوى الذكاء الاصطناعي الشامل، لن تحول دون استغلال الجهات المارقة لها في التسبب بأخطار كبرى، مثل استخدام الأسلحة البيولوجية. ونماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر إحدى أبرز الأدوات التي يمكن استغلالها في هذا السياق، لا سيما أنها تكنولوجيا متاحة لعموم الناس وقابلة للتعديل والتحسين.
ويقول موظفو الحكومة إنهم يعملون كذلك على مكافحة المخاطر القريبة للذكاء الاصطناعي، مثل المعلومات المضللة وانتهاكات حقوق الطبع والنشر. ولكن الحكومة البريطانية تنوي أن تغتنم حضور الزعماء الدوليين إلى "القمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي" في غضون أسابيع قليلة، لكي تلفت انتباه العالم إلى شيء يعتقد المسؤولون أنه لا يؤخذ على محمل الجد بالقدر الكافي في دوائر السياسة: وهو قدرة روبوتات الذكاء الاصطناعي على إلحاق أضرار جسيمة بالبشرية.