أُقيم مهرجان "فلسطين تكتب للأدب" في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، الجمعة 22 سبتمبر/أيلول 2023، بمشاركة أكثر من 1500 شخص للاحتفاء بالأعمال الأدبية للفلسطينيين القديمة والمعاصرة، وذلك على الرغم من وابل الهجمات التي شنتها الجماعات المؤيدة لإسرائيل والصهيونية حتى اللحظات الأخيرة على المهرجان، بحسب ما أفاد موقع Middle East Eye البريطاني.
وطغى التوتر على المناخ العام للمهرجان، مع انطلاقه في جامعة بنسلفانيا؛ فبينما كان يجهز المنظمون أكشاك التسجيل وصل العديد من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل إلى الخارج حاملين ملصقات تطلب من السيارات التي تمر بجوارها "التزمير من أجل إسرائيل"، كما تجولت شاحنة حول مقر إقامة الحدث رافعة لوحة إعلانات رقمية تعرض صور بعض المتحدثين في المهرجان، وتصفهم بأنهم معادون للسامية.
الأول من نوعه
وهذا المهرجان هو أول حدث شخصي من نوعه يقام في أمريكا الشمالية، بعد أن كان المنظمون قد خططوا في البداية لعقد مؤتمر في عام 2020 في مدينة نيويورك، لكن في النهاية اضطروا لعقده عبر الإنترنت بسبب جائحة "كوفيد-19".
لكن بعد ثلاث سنوات، تحقق حلم جمع الأدباء الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم في الجامعة من الجمعة 22 سبتمبر/أيلول إلى الأحد 24 من الشهر نفسه.
وشهد المهرجان حضوراً متنوعاً من شعراء، ومؤلفين، وفنانين تشكيليين، وأكاديميين، وتفاعلاً على جميع الأصعدة بدءاً من المحادثات الكتابية الفردية مع المؤلفين إلى محادثة تضع إطاراً حول كيفية تنفيذ حق العودة لجميع الفلسطينيين إلى المنازل التي هربوا منها وخسروها خلال النكبة.
بدورها، قالت المدير التنفيذي للمهرجان، سوزان أبو الهوى، لموقع "ميدل إيست آي" في مقابلة بعد اليوم الثاني الكامل من المهرجان: "لقد تجاوز المهرجان بالفعل توقعاتي فيما يتعلق بما يعنيه بالنسبة للفلسطينيين".
أضافت: "أحد الأشياء التي أردنا تحقيقها من خلال هذا المهرجان هو جمع الفلسطينيين في مكان واحد. المثقفون والكتاب الفلسطينيون من جميع أنحاء فلسطين، وجميع شرائح مجتمعنا، وليس فقط من فلسطين نفسها، بل من الشتات أيضاً".
وتابعت أبو الهوى أنَّ الهدف كان بسيطاً؛ وهو خلق مساحة للكتاب الفلسطينيين للتواجد معاً. وأشارت: "قد يبدو هذا أمراً طبيعياً، لكنه لم يحدث لنا من قبل، وهذا ما يعطي أهمية عميقة للمهرجان".
أسابيع من الهجمات
بالنسبة لمنظمي المهرجان، كانت الأسابيع الثلاثة الماضية مليئة بالأحداث. وبعد قضاء أشهر في العمل على الأمور اللوجستية اللازمة لتنظيم هذا المهرجان، بدأوا في مواجهة هجمات من عدد من الجماعات المؤيدة لإسرائيل في غضون أسابيع من يوم الافتتاح.
وجاء الهجوم الأول من رابطة مكافحة التشهير والاتحاد اليهودي لفيلادلفيا الكبرى، إذ أرسل أعضاؤها رسالة في 28 أغسطس/آب الماضي، يحثون فيها الجامعة على النأي بأنفسهم بعيداً عن العديد من المتحدثين في المهرجان الذين اتهموهم بمعاداة السامية.
وركزت الرسالة على العديد من المتحدثين الرئيسيين، بما في ذلك عازف القيثارة في فريق بينك فلويد الغنائي روجر ووترز، وهو مؤيد صريح للحقوق الفلسطينية ومدافع عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي يقودها الفلسطينيون.
وفي عدة مناسبات هذا العام، اتُّهِم ووترز بمعاداة السامية، بما في ذلك في يونيو/حزيران من وزارة الخارجية الأمريكية. لكنه وصف هذه الهجمات بأنها "مخادعة وذات دوافع سياسية".
في نهاية الأمر سمحت الجامعة بعقد الحدث، لكنها عملت على النأي بنفسها عن الحدث ومنظميه، فقد أصدرت بياناً في 12 سبتمبر/أيلول قالت فيه إنَّ الحدث سينعقد، لكن دون التعبير عن رفضها لمزاعم معاداة السامية، وبدلاً من ذلك اختارت أن تعلن "ندين معاداة السامية إدانة واضحة وقاطعة باعتبارها تتعارض مع قيمنا المؤسسية".
وبعد ذلك، تدخل الكونغرس، حيث أرسل النائب جوش غوتهايمر خطاباً إلى جامعة بنسلفانيا يدعو فيه إلى استبعاد اثنين من المتحدثين -هما ووترز والمعلق السياسي والمؤلف مارك لامونت هيل – من قائمة المهرجان.
وبعد التداول حول ما يجب فعله وسط كل هذه الهجمات، والمخاوف من إلغاء المهرجان، رد المنظمون برسالة مفتوحة إلى الجامعة.
وجاء في الرسالة التي كتبتها أبو الهوى: "نرفض رفضاً قاطعاً هذا الخلط المثير للسخرية والشرير والمفتقر للأسانيد التاريخية بين التعصب والرفض الأخلاقي لإجرام دولة أجنبية، خاصة أنَّ معظمنا ضحايا لتلك الدولة"، فيما وصفت الرسالة أيضاً الاتهامات بمعاداة السامية بأنها "إهانة لذكاء مجتمعك الجامعي".
"تهمة معاداة السامية لأ تهدف إلا لإسكاتنا"
ولم تتوقف التهديدات يوم الجمعة، موعد انطلاق المهرجان، أيضاً، ففي يوم السبت 23 سبتمبر/أيلول، اصطفت سيارات الشرطة في الشارع 34 خارج مبنى قاعة إيرفين بجامعة بنسلفانيا.
وقال أحد الحاضرين لـ "ميدل إيست آي" إنه رأى شاحنة شرطة تابعة لوحدة مكافحة الإرهاب التابعة لقسم شرطة فيلادلفيا متوقفة خارج المكان، ولم يتضح سبب وجود الشرطة، وفق الموقع ذاته.
من جانبها، قالت سوزان معادي دراج، مديرة النشر في مؤسسة "فلسطين تكتب": "أعتقد أنَّ تهمة معاداة السامية لأ تهدف إلا لإسكاتنا".
ووسط الحشود الهائلة، انتهى الأمر ببعض الحاضرين الذين كانوا يتجولون بالتعرف على أشخاص لم يتفاعلوا معهم إلا عبر الإنترنت، وكانوا سعداء بلقاء بعضهم البعض للمرة الأولى.
وقالت دراج: "ما نحاول فعله في هذا المهرجان هو القول إنه لا يوجد صوت فلسطيني واحد، بل هناك تنوع في مجتمعنا".
وأردفت: "ما نسعى إليه ببساطة هو إنشاء شيء غير مسبوق، وهي مساحة آمنة وشاملة لجميع الفلسطينيين من جميع أنحاء الشتات للالتقاء والتحدث عن تنوع قصتنا وروايتنا ودراستها والاحتفال بها".
فيما قال مصعب أبو توهة، الشاعر والكاتب الفلسطيني من قطاع غزة: "الأدب، وتحديداً الأدب الفلسطيني، هي وسيلة للحفاظ على هويتنا وسرد قصصنا. يُقتَل العديد من الفلسطينيين يومياً، والعالم ينسى هذه القصص باستمرار".