إلى جانب وجود أطعمة تساعد على الهضم، كثيرةٌ هي الطرق الطبيعية التي يُمكنها أن تساعدنا في تحسين عملية الهضم، وهذه ليست مبالغة. كل ما علينا فعله هو امتلاك الإرادة أولاً، إلى جانب اتباع نظامٍ صحي، غذائي وحياتي.
ثبت علمياً أن هناك أطعمة تساعد على الهضم، كما أثبتت الدراسات أن لنمط حياتنا تاثيراً كبيراً على تحسين عملية الهضم، أو العكس. وهي علاقة متبادلة، بمعنى أن نمط حياتنا يمكنه أن يشهد اضطراباً كبيراً حين يصبح عسر الهضم أكثر تواتراً.
فأعراض عسر الهضم متنوعة، وتأتي على شكل غازات، وانتفاخ البطن، والإسهال، أو الإمساك، إضافةً إلى حرق المعدة؛ وجميعها عوامل تؤثر بشكلٍ مباشر على نمط حياتنا، وعلى مزاجنا أيضاً.
1- ابتعدوا عن الأطعمة المصنَّعة
ارتبطت الأطعمة المصنعة بزيادة خطر الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي، لاحتوائها العالي على الكربوهيدرات المكررة، والدهون المشبعة، إلى جانب المضافات الغذائية -من ضمنها الجلوكوز والملح- التي تساهم في زيادة خطر الإصابة بالتهاب الأمعاء.
ففي دراسة نُشرت عام 2022، تبيّن أن التهاب الأمعاء من شأنه أن يُضعف وظيفة الحاجز المعوي، ما قد يؤدي إلى زيادة نفاذية الأمعاء، التي يمكنها أن تسبب مجموعة من المشكلات الصحية.
تحتوي بعض الأطعمة المصنعة على دهون متحوّلة ضارة، تأتي غالباً من الزيوت المهدرجة جزئياً، وتشتهر بآثارها السلبية على صحة القلب والأمعاء.
ورغم أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) حظرت استخدام هذه الزيوت جزئياً في الصناعات الغذائية عام 2018، لا يزال من الممكن العثور على بعضٍ منه في الأطعمة المصنعة.
كما أن الأطعمة المصنعة -مثل الآيس كريم والمشروبات منخفضة السعرات الحرارية- غالباً ما تحتوي على بدائل سكر منخفضة أو خالية من السعرات الحرارية، ما قد يسبب حدوث اضطرابات هضمية، مثل الانتفاخ والإسهال.
وقد كشفت دراسات مختلفة عن تأثير المُحلّيات الصناعية على زيادة البكتيريا الضارة في الأمعاء، كما ربطت دراسات أخرى بين اختلال توازن بكتيريا الأمعاء ومتلازمة القولون المتهيج (أو العصبي)، والتهاب القولون التقرحي مع داء كرون.
لذلك، فإن استبدال الأطعمة المصنَّعة بالأطعمة الكاملة هو الحلّ الأمثل لتحسين عملية الهضم.
2- الألياف ضرورية لتحسين عملية الهضم
تمتص الألياف القابلة للذوبان كمية كبيرة من الماء، وتساعد على تليين البراز، أما الألياف غير القابلة للذوبان، فهي تشبه فرشاة أسنان عملاقة من شأنها تعزيز حركة المواد الغذائية عبر الجهاز الهضمي.
توجد الألياف القابلة للذوبان في الشوفان، والشعير، والبقوليات؛ كما تُعدّ الحبوب الكاملة، والمكسرات، والبذور، مصادر جيدة للألياف غير القابلة للذوبان.
من جهتها، قد تحتوي الفواكه والخضراوات على النوعين. لذا، فإن تناول مجموعة متنوعة من تلك الأطعمة سيضمن حصولك على كمية كافية من كل نوع، ما يساعد لتحسين عملية الهضم بشكلٍ عام.
تبلغ الكمية اليومية الموصى بها من الألياف نحو 25 غراماً للإناث، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 19 إلى 50 عاماً، وبين 30 و38 غراماً بالنسبة للذكور في الفئة العمرية نفسها، وقد ارتبط النظام الغذائي الغني بالألياف بتحسين عملية الهضم، وانخفاض الإصابة بالإمساك، وأمراض الأمعاء الالتهابية، وسرطان القولون والمستقيم.
3- الدهون الصحية ضرورية
عملية الهضم الجيدة تتطلب تناول كمية كافية من الدهون، التي تساعد على الشعور بالشبع بعد تناول الوجبة الغذائية، وهي ضرورية لامتصاص بعض العناصر الغذائية، مثل: فيتامينات A، وD، وE.
لذلك، فإن بذور الكتان والشيا مع المكسرات، إضافةً إلى الأسماك الدهنية -مثل السلمون والتونة والسردين- جميعها أطعمة تساعد على الهضم. فقد أشارت دراسة نشرها موقع جامعة Cambridge عام 2012، إلى أن أحماض الأوميغا 3 الدهنية تساعد في التقليل من خطر الإصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية.
4- لا تستخفوا بتأثير التوتر والإجهاد
لا يساعد التوتر على تحسين عملية الهضم، بل على العكس تماماً. فقد أثبتت الدراسات أنه ارتبط بالإسهال، والإمساك، إضافةً إلى القولون العصبي وقرحة المعدة.
وفي الواقع، هناك ارتباط بين أمعائنا ودماغنا. فما يؤثر في الدماغ قد يُلقي بظلاله أيضاً على ما يحدث في الأمعاء. أثبتت دراسة نُشرت عام 2017 أن إدارة التوتر والإجهاد في حياتنا تساعد على تخفيف حدة أعراض القولون العصبي.
تؤثر هرمونات التوتر بشكلٍ مباشر على عملية الهضم، حين يقرر جسمك تنفيذ استجابة "المواجهة أو الهروب" عندما تتعرض لضغطٍ شديد، إذا يعتقد أنك لا تملك وقتاً للراحة ولعملية الهضم؛ فيقرر تحويل الدم والطاقة بعيداً عن جهازك الهضمي.
5- أطعمة تساعد على الهضم
ثبُت أن هناك أطعمة تساعد على الهضم، وهي متنوعة. وفي أسوأ الأحوال، إذا لم تساعدك في تحسين عملية الهضم، فإنها بالتأكيد لن تضرّك.
لكن الزنجبيل مثلاً يساعد في تخفيف الغثيان، ويحفز انتقال الأطعمة من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة، ويجنب أيضاً حرقة المعدة. كما يقلل من غازات الأمعاء وانتفاخ البطن، وله تأثيرات مضادة للالتهابات.
الكيوي أيضاً مفيد لتحسين عملية الهضم، بسبب احتوائه على كمية عالية من الفيتامين C، كما أنه يُعتبر مضاداً قوياً للأكسدة. وقد تبيّن أن إدخاله في نظامنا الغذائي يُسهم في هضم البروتين والتخلص من الإمساك.
هناك أيضاً فاكهة البابايا، والزبادي، ونخالة القمح؛ جميعها أطعمة تساعد على الهضم. فنخالة القمح يُعدّ من بين أكثر الأطعمة الغنية بالألياف غير القابلة للذوبان، والتي تعزز انتقال الطعام إلى الجهاز الهضمي وتسهم في التخفيف من الإمساك.
6- استراتيجية الأكل الواعي
الأكل الواعي هو ممارسة تهدف إلى الانتباه لكل ما نتناوله، ولكمية ما نتناوله. عندما لا ننتبه إلى إشارات الجوع والامتلاء، فمن السهل أن نفرط في تناول الطعام، ونجد أنفسنا مصابين بالانتفاخ وعسر الهضم.
ثمة اعتقاد شائع أن دماغنا يحتاج إلى 20 دقيقة حتى تصله إشارة امتلاء المعدة، ورغم عدم وجود أدلة علمية قاطعة لدعم هذا الادعاء، تستغرق الهرمونات التي تطلقها معدتنا وقتاً حتى ترسل إشارة الشعور بالامتلاء إلى الدماغ.
كما أظهرت دراسة نُشرت عام 2014 أن اليقظة الذهنية أثناء الأكل قد تقلل من الأعراض الهضمية، لدى الأشخاص المصابين بالتهاب القولون التقرحي، والقولون العصبي.
ومن المهم الإشارة إلى أن عملية الهضم تبدأ من داخل فمك. تتولّى أسنانك تفتيت الطعام إلى قطعٍ صغيرة، حتى تستطيع الإنزيمات الموجودة في قناتك الهضمية تفكيكها بسهولة أكبر.
لذلك، فإن بلع الطعام من دون مضغه جيداً يؤدي إلى سوء امتصاص الجسم للعناصر الغذائية. وبالمقابل، عندما تمضغ طعامك جيداً، فإن معدتك تبذل جهداً أقل لتحويل الطعام الصلب إلى خليط سائل يدخل إلى الأمعاء الدقيقة.
يضمن مضغ الطعام جيداً إفراز الكثير من اللعاب اللازم لعملية الهضم، وهو ما قد يساعد في تحسين عملية الهضم وتجنّب ظهور مشكلات، مثل الانتفاخ وحرقة المعدة.
وهذه بعض الطرق لتنفيذ استراتيجية الأكل الواعي:
– ترك هواتفكم بعيداً عن متناول أيديكم، وإغلاق التلفاز، فهذه عوامل إلهاء.
– التركيز في كلّ ما تأكله، عبر مراقبة كمية الطعام ونوعه، ودرجة حرارته.
– الأكل ببطء، من خلال مضغ الطعام جيداً قبل بلعه.
7- نمط الحياة الصحي ضروري
التدخين، والكحول، إضافةً إلى عدم ممارسة الرياضة، وتناول الطعام في وقتٍ متأخر من الليل؛ جميعها عوامل تؤثر سلباً على صحتنا العامة، كما أنها مسؤولة عن إصابتنا ببعض أمراض الجهاز الهضمي الشائعة.
يزيد التدخين من خطر الإصابة بقرحة المعدة وداء الارتداد المعدي المريئي، المعروف أيضاً باسم مرض ارتجاع المريء. أظهرت دراسة من ضمن مجموعة دراسات كثيرة أخرى، أن الإقلاع عن التدخين يُحسّن أعراض هذا الارتجاع الحمضي.
إذا كنت تدخن السجائر وتعاني من مشكلات في الجهاز الهضمي، فضع في اعتبارك أن قرار الإقلاع عن التدخين قد يساعد في تحسين عملية الهضم.
من جهته، يزيد الكحول من إنتاج حمض المعدة، وهو ما قد يؤدي إلى حرقة المعدة والارتجاع الحمضي وقرحة المعدة. كما ارتبط الاستهلاك المفرط للكحوليات بإمكانية حدوث نزيف في القناة الهضمية.
بدوره، فإن تناول الطعام في وقت متأخر من الليل -والاستلقاء بعد ذلك- قد يؤدي إلى حرقة المعدة وعسر الهضم. يحتاج جسمك إلى وقت لإتمام عملية الهضم، بالإضافة إلى أن محتويات معدتك قد ترتد إلى المريء عند الاستلقاء، وتُسبّب لك حرقة.
حاول الانتظار لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات بعد تناول الطعام، قبل أن تذهب إلى النوم، حتى تعطي للطعام وقتاً كافياً لينتقل من معدتك إلى أمعائك الدقيقة.
كذلك، فإن ممارسة الرياضة بانتظام هي واحدة من أفضل الطرق لتحسين عملية الهضم. فالنشاط البدني يساعد على انتقال الطعام بسلاسة عبر الجهاز الهضمي، والمشي بعد تناول الوجبة يعزز حركة المواد الغذائية.
8- الحفاظ على رطوبة الجسم
نقص السوائل في الجسم أحد الأسباب الشائعة للإصابة بالإمساك. لا بدّ أنك تدرك جيداً أن كمية السوائل الموجودة في جسمك تأتي من شرب الماء العادي، إضافةً إلى المشروبات الأخرى، وما تتناوله من أطعمة.
ولا بدّ أنك تعرف أن الخبراء يوصون بشرب الكثير من الماء يومياً، للتأكد من حصول جسمك على كمية السوائل اللازمة، التي لا تحتوي على السكر والسعرات الحرارية. وأنك قد تحتاج إلى شرب الماء بكمية أكثر من المعتاد إذا كنت في مناخ حار أو تمارس الرياضية.
تستطيع أيضاً تلبية حاجة جسمك من السوائل، عبر تناول شاي الأعشاب مثلاً، والمشروبات الأخرى الخالية من الكافيين، مثل الماء الفوار.
كما يمكن لتناول الفواكه والخضراوات أن تساعدك في تلبية احتياجاتك من السوائل، مثل الخيار والبروكلي والفراولة والتفاح والبرتقال؛ جميعها تحتوي على نسبة عالية من الماء، وتساعد في تحسين عملية الهضم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.