مع دخول فصل الصيف هذا العام، باتت مصر تعاني من انقطاع شبه متواصل للكهرباء في كل أرجاء البلاد بسبب حاجة محطات إنتاج الكهرباء إلى الغاز، ولكن القاهرة كانت تعاني من نقص الغاز الطبيعي فاضطرت إلى الاستيراد من إسرائيل عبر خط غاز كان ينقل الطاقة من مصر إلى إسرائيل قبل سنوات.
في أواخر تسعينيات القرن الماضي وقٌعت اتفاقية الغاز المصرية-الإسرائيلية، والآن انقلبت هذه الاتفاقية رأساً على عقب.
إذ جرى الاتفاق عليها أول الأمر كوسيلةٍ لتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي عندما كانت تنقصها الإمدادات المحلية الكافية، لكن الكفة انقلبت اليوم في الاتجاه المعاكس، بحسب تقرير لصحيفة Jerusalem Post.
وفي الـ23 من أغسطس/آب، أعلنت إسرائيل أنها اتفقت على زيادة بنسبة 70% تقريباً
في صادرات غازها الطبيعي إلى مصر، التي تعاني من ارتفاع الطلب وضعف إنتاج حقولها الخاصة.
إسرائيل من استيراد الغاز إلى تصديره
يُذكر أن إسرائيل كانت مضطرةً لاستيراد كل احتياجاتها من الوقود الأحفوري في أواخر التسعينيات، فقررت حكومتها التشجيع على استخدام الغاز الطبيعي.
لهذا لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى مصر وأبرمت اتفاقيةً معها آنذاك. ونصّت الاتفاقية على إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعي في شكله المُسال أولاً، قبل أن تصلها الإمدادات عبر فرع تحت البحر من خط الغاز العربي المخطط له. وتحوّل ذلك الفرع من خط الأنابيب لاحقاً إلى خط العريش-عسقلان، الذي يمتد من مصر إلى إسرائيل مباشرةً.
وبدايةً من عام 2008 وحتى اندلاع الاضطرابات السياسية التي أعقبت الربيع العربي في مصر عام 2011، كان خط الأنابيب المذكور يزود إسرائيل بنصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي تقريباً. بينما سيطرت الاضطرابات السياسية على مصر خلال العامين التاليين، وتعرض خط الأنابيب المار عبر سيناء للتدمير مرةً تلو الأخرى.
وبعد تكرار وقائع التفجيرات أكثر من 14 مرة؛ تقرر إغلاق خط الأنابيب المذكور.
ومضت عدة سنوات لتجد مصر نفسها في خضم أزمة طاقة؛ إذ ارتفع الطلب وانخفض إنتاج الغاز والنفط في مصر، لتتحول بذلك من دولة مصدّرة إلى دولة مستوردة لكلا الموردين. وبدأت المصالح التجارية تستشعر فرصةً مربحة للغاية حينها. ثم جاءت اتفاقيات عام 2018 لتمهد الطريق أمام إعادة افتتاح خط العريش-عسقلان، ولكن بتدفق معكوس للغاز حتى تمد إسرائيل مصر بالغاز الطبيعي الذي تحتاجه الأخيرة بشدة. وبدأ نقل الغاز من حقلي ليفياثان وتمار، إلى مصر عبر خط العريش-عسقلان اعتباراً من عام 2020.
وربما خفّت حدة أزمة الكهرباء المصرية، لكنها لم تُحل بعد. وبحلول يونيو/حزيران من العام الجاري، عانت البلاد من أزمة انقطاعات حادة في التيار الكهربائي، وأثرت الأزمة على إنارة الشوارع وبعض الخدمات الحكومية في البداية.
لكن مع ارتفاع درجات الحرارة -وبلوغها 50 درجة في بعض الحالات-؛ بدأت الحكومة عمليات قطع التيار التي وصلت إلى نحو 6 ساعات في بعض المناطق.
وخرج رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ليزعم أن الشبكات ستعود للعمل بشكلٍ طبيعي قريباً، لكنه ذكر أن هناك خطوات لترشيد استهلاك الكهرباء في جميع الأحوال.
إسرائيل… مُصدِّرة الغاز الطبيعي المسال
وفي ظل زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المصري من سكان البلاد البالغ تعدادهم 105 ملايين نسمة؛ تراجع إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد بنسبة 9% على أساس سنوي بين شهري يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2023، وبنسبة 12% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2021.
سعت مصر على هذه الخلفية إلى زيادة مشترياتها من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وهذا هو ما أعلنته إسرائيل. ولا شك أن أحد العوامل التي ساهمت في تسهيل إبرام الصفقة هي الانتخابات الرئاسية المصرية، المُزمع عقدها قبل نهاية العام 2023، إذ من المؤكد أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يُفضل مواجهة الناخبين بعد إنهاء أزمة انقطاع الكهرباء بشكلٍ كلي.
في ما شرح وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس الاتفاقية الجديدة بين مصر وإسرائيل قائلاً إن صادرات الغاز إلى مصر تصل إلى 5 مليارات متر مكعب سنوياً. وأردف أن تلك الصادرات ستزيد بمقدار 3.5 مليار متر مكعب سنوياً على مدار 11 سنة. كما تنوي إسرائيل زيادة إنتاجها من حقل تمار بنسبة 60% اعتباراً من عام 2026.
وأوضح كاتس: "ستزيد هذه الخطوة من إيرادات الدولة وتقوي العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر". لكن هذا الترتيب لم يُعجب بعض الشخصيات العامة في إسرائيل. حيث خرجت بعض جماعات المناصرة العامة للتحذير من أن إسرائيل قد تعاني من نقص في الغاز مع ارتفاع الطلب المحلي. كما تحدثت تلك الجماعات عن فكرة وقوع ضرر بيئي نتيجة زيادة أنشطة التنقيب البحري.
أصوات إسرائيلية رافضة
وفي يونيو/حزيران، خرج مدير الموازنة الإسرائيلي يوغيف غاردوس ليقول إن هناك "حاجة عاجلة لفحص" سياسة التصدير للخارج. وذكر أنه يجب على إسرائيل إجراء مراجعة عاجلة لكم الغاز الطبيعي الذي يمكن أن تصدره البلاد، وذلك من أجل ضمان احتفاظها بما يكفي لنفسها. يُذكر أن عام 2013 شهد فرض إسرائيل لقيود على كمّ الغاز الطبيعي الذي يمكن تصديره للخارج في الواقع؛ حيث خصصت نحو 60% من احتياطياتها للاستخدام المحلي.
بينما من المتوقع أن تضاعف إسرائيل إنتاجها من الغاز على مدار السنوات المقبلة.
يُذكر أن الجولة الرابعة من عطاءات الحقول البحرية الإسرائيلية قد حققت نجاحاً باهراً بعد إطلاقها في ديسمبر/كانون الأول عام 2022. إذ تقدمت 4 مجموعات من الشركات بعروض للتنقيب عن المزيد من حقول الغاز الطبيعي البحرية في المياه الإسرائيلية، ليصل إجمالي الشركات إلى 9 -منها 5 شركات جديدة على السوق الإسرائيلي.
ويصل إجمالي احتياطيات الحقول الإسرائيلية الثلاثة الكبرى العاملة حالياً إلى 1,000 مليار متر مكعب، وهي تمار وليفياثان وكاريش. وقد جرى اكتشاف 4 حقول أخرى تنتظر استغلالها بالفعل هي زيوس وأثينا وهيرمس وكالان، ويصل إجمالي احتياطياتها معاً إلى نحو 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي بحسب التقديرات. ومع الاستعداد لجولة الاستكشاف المرتقبة، يبدو مستقبل إسرائيل مضموناً، سواءً من حيث تلبية احتياجاتها الخاصة أو كدولةٍ تتربح من تصدير الغاز.