منذ أن دخل قانون حق الحصول على المعلومة حيز التنفيذ في المغرب، انضافت مهمة جديدة لمهام خديجة، موظفة بجماعة ترابية مغربية. تم تعيينها كمكلفة رسمية بمعالجة طلبات حق الحصول على المعلومة بالجماعة. تعيين جاء بعد تلقيها تدريباً قانونياً "سطحياً" حسب وصفها، مع غياب كلي لأي تدريب في الجانب التقني.
تستهل خديجة عملها كل صباح في تمام الثامنة والنصف بالتحقق مما إذا تم التوصل بطلب جديد، وتحرص على إعادة هذه العملية قبل انتهاء دوامها، وفي حالة تلقيها لطلب، يتوجب عليها إرسال إشعار بالتوصل والإجابة عليه قبل انصرام الآجال القانونية. "عبء جديد انضاف إلى مهامي التي أشغلها بالجماعة"، هكذا تصف خديجة الوضع، فهي المكلفة بمصلحة الشؤون القانونية والممتلكات إضافة إلى التكلف بموقع الشكايات. لم يكن تعيينها عن طريق الترشح، بل فرض عليها التعيين بشكل مباشر، دون تقديم أي تحفيز مادي أو امتيازات، بحسرة تضيف خديجة "يبدو أن المواطنين اعتادوا على رمي اللوم مباشرة على الموظف، دون أن يتسنى لهم فهم مدى التحديات والضغوط التي نواجهها". وبصوت حازم تقول: "كيف يمكنني الاستجابة للطلبات في الوقت المحدد، وأنا لا أملك أرشيفاً منظماً مرقمناً؟ كيف يمكنني الإجابة على طلبات الحصول على المعلومات بدقة وسرعة دون أن أقصر في مهامي اليومية العديدة؟".
واقع حق الحصول على المعلومة
تعزيزاً لمبدأ الشفافية والحكامة الجيدة والتزاماً بمواثيق حقوق الإنسان، وبمقتضيات المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة، انضم المغرب رسمياً، من خلال إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات (31.13) الصادر عام 2018 والذي دخل حيز التنفيذ بعد سنتين، إلى الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة.
يقوم هذا القانون على تيسير حصول المواطنين على المعلومات ونشرها استباقياً، ما يعزز من شفافية الأنشطة الحكومية ويمكِن المواطنين من مراقبة أداء الجهات الحكومية، واتخاذ قرارات أفضل بالاستناد إلى معلومات دقيقة. ويرتكز هذا القانون على آليات استقبال وتجاوب فعّالة من الجهات المعنية، حيث يجب على هذه الأخيرة الرد على طلبات الحصول على المعلومات في مدة لا تتجاوز 20 يوماً، مع إمكانية التمديد في بعض الحالات الخاصة. كما يمكن رفضها في الحالات الاستثنائية، كطلب معلومات متعلقة بالدفاع الوطني أو بأمن الدولة الداخلي والخارجي.
20 يوماً من الانتظار للحصول على معلومة واحدة، ويمكن أن تُمَدَّد فترة الانتظار هذه لتصل لأكثر من 120 يوماً في حالة التظلم والشكاية، والتي من المحتمل أن تقابل ببساطة بعدم التجاوب. وهذا ما أشارت إليه جمعية "سمسم – مشاركة مواطنة" المغربية في تقريرها، من خلال نتائج دراسة أعدّتها مؤخراً حول واقع تطبيق قانون الحق في الحصول على المعلومة من طرف الإدارات العمومية المغربية، حيث قدم فریق عمل الجمعية 80 طلباً موجّهاً لـ35 مؤسسة وإدارة عمومية موجودة على المنصة الإلكترونية www.chafafiya.ma. والتي خلصت إلى أن نسبة الرد لم تتجاوز 26%، في حين أن تجاوب هذه المؤسسات مع شكايات عدم التوصل بالمعلومة قد حقق نسبة منعدمة.
تحديات تبرز مدى الحاجة إلى تسريع الإجراءات وتحسين كفاءة تلبية طلبات الحصول على المعلومات، تحقيقاً لمبدأ الشفافية واحتراماً لحقوق المواطنين.
أرشيفات ضخمة غير مرقمنة
إن افتقار معظم المؤسسات لنظامٍ مرقمن لأرشيفها، يضطر المسؤولين المكلفين بالإجابة على الطلبات لاستنزاف الجهد والوقت من أجل إيجاد وثيقة ضمن ملفات ورقية عملاقة في مصلحة الأرشيف. والإشكال لا يتوقف هنا، بل إن تدخل العنصر البشري في عملية الموافقة من عدمها على تقديم وثيقة ما أو التقاعس عن الالتزام بالواجب، يعرقل حق المواطنين في الحصول على المعلومة.
الأمر الذي تؤكده خديجة قائلة: "بسبب حسابات شخصية مع المكلف، يمكن أن تعرقل جهة ما مسار الإجابة على الطلب، فيجد الموظف نفسه متورطاً في مشاكل هو في غنى عنها، لذا في بعض الأحيان، نتجنب الإجابة على الطلب من الأساس". وهنا تبرز الفجوة الواضحة بين نصوص القوانين وسياق تطبيقها الفعلي.
في سياق هذه التحديات، ترى خديجة أن اعتماد برامج الذكاء الاصطناعي، ربما يتمكن من معالجة الطلبات بدقة وسرعة فائقة، دون تأخير أو تدخل بشري. مما سيخفف العبء الذي يترتب على العمليات التقليدية لهذا الإجراء ويحسّن الخدمة بشكل عام ويعزز مبدأ الشفافية. فكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز حق الحصول على المعلومة؟
إدماج الذكاء الاصطناعي للحكومات: الحل السحري؟
يُعرف الذكاء الاصطناعي على أنه مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى محاكاة قدرات العقل البشري وأنماط تفكيره، ويستند إلى معالجة كميات ضخمة من البيانات مع القدرة على التحليل والتنبؤ والتعلم في وقت قياسي. لذا فإن إدماجه في المواقع الرسمية لدولة ربما يمثل حلاً ثورياً لتحسين أداء الإدارات الحكومية بشكل عام. وذلك من خلال معالجة وإدارة البيانات الضخمة، مما سيمكن المواطنين من الوصول إلى المعلومات بسهولة وشفافية تامة. وهذا ما تؤكده زينب بوزار، ناشطة مدنية ومترافعة عن حق الحصول على المعلومة، قائلة: "إن تصميم حلول تكنولوجية مبنية على الذكاء الاصطناعي سيحسن من جانب تدبير الحكومة للبيانات الضخمة والأرشيفات ويسهل بذلك إنتاج المعلومة ومعاينتها وتنظيمها، ومن جانب آخر، سيعزز حق المواطن في الحصول عليها بدقة وسرعة".
بإمكان المواطن تقبل طول مدة معالجة طلبه في الحصول على معلومة "عادية"، وإن كان القانون لا يأخد بعين الاعتبار مدى حاجة الباحثين والصحفيين الاستقصائيين بالخصوص للحصول على معلومات موثوقة بدقة وخاصة في وقت وجيز. إلا أنه من الممكن تقبل هذا التماطل على "مضض" حسب وصف خديجة، غير أن المسألة تصبح أكثر حساسية وتعقيداً في الحالات الاستعجالية، حيث يتعين حماية حقوق الأفراد وضمان سلامتهم. ففي الحالات الاستعجالية يتوجب الرد في غضون 3 أيام فقط، مع إمكانية التمديد في بعض الحالات الخاصة. 3 أيام يمكن أن تضع حرية وسلامة مواطن على المحك، مما يضع ضغوطاً إضافية على الموظفين ويضع طالب المعلومة في وضع حرج.
على ضوء هذا التحدي الذي يمس بحقوق المواطن وحريته، يظهر بشكل جلي مدى ضرورة إدماج برامج الذكاء الاصطناعي لتعزيز حق المواطن في الحصول على المعلومة، مما سيسهم في تعزيز مبادئ الأمن وحقوق الإنسان. فهل المغرب مستعد اليوم لإدماج الذكاء الاصطناعي في إداراته ومؤسساته العمومية؟
تحول رقمي بطيء
إن التحدث عن فاعلية دمج التكنولوجيا الذكية والذكاء الاصطناعي للحكومة، يضطرنا أولاً لطرح سؤال جوهري: هل يتوفر على قاعدة بيانات مُرقمة ومُنظّمة بما يكفي لدعم هذه الجهود؟
لقد شكلت جائحة كوفيد-19 منعطفًا تاريخياً أجبرنا على تسليط الضوء على مدى ضرورة رقمنة القطاعات الرسمية، خاصة فيما يتعلق بتحويل برامج وخدمات الحكومة إلى واجهات إلكترونية متطورة وشاملة لتلبية الاحتياجات المتزايدة. ومع ذلك، حقق المغرب تقدماً بطيئاً في مسيرته نحو التحول الرقمي، حيث تتجلى الرقمنة الكاملة في الإدارة فقط وبشكل جزئي، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك وفقاً للبحث الميداني الذي أجراه القطاع الحكومي المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية سنة 2022، والذي خلص إلى أن أقل من ربع الخدمات المقدمة (23 %) فقط هي من نزع عنها الطابع المادي.
في هذا السياق يؤكد إبراهيم أوشن، موظف بجماعة القليعة التابعة لعمالة إنزكان أيت ملول، أن تحقيق فاعلية الذكاء الاصطناعي يعتمد أساساً على تحقيق الرقمنة الكاملة والمنظمة لقواعد البيانات التي تنتجها الجماعات والقطاعات الحكومية المختلفة. ويضيف معبرا ًعن تفاؤله قائلاً: "لا يمكن إنكار جهود المغرب الحثيثة نحو التحول الرقمي، إلا أنه وفي ظل غياب مشاركة فعالة ومسؤولة لجميع الجهات والجماعات في عملية الرقمنة، فإنه من المبكر التحدث عن إدماج فعال للذكاء الاصطناعي".
يميل محمد كريم بوخصاص، صحفي مغربي عن جريدة الأيام، إلى الاعتماد على ذكاء الإنسان وذكاء الآلة معاً وفي نفس المرتبة، ويضيف قائلاً: "لا شك أن اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي في كل مراحل عملية الحصول على المعلومة يمكن أن يكون بديلاً، لكن ذلك لا ينبغي أن يلغي حضور الصحفي كحارس للبوابة في بعض مراحل إنتاج الخبر، لأن هامش ارتكاب تقنية الأخبار الذكية للخطأ قد يكون كبيراً، خاصة في الشق المتعلق باحترام الأخلاقيات والممارسات الفضلى".
المغرب ليس جاهزاً بعد!
لقد وضع المغرب بالفعل لبنة الأساس التي يمكن الاعتماد عليها في رحلة التحول الرقمي لكنها غير كافية وفقاً لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2021، والذي أقر بجهود المغرب لتبني حلول مبتكرة، كاستراتيجية "المغرب الرقمي 2013" و"المغرب الرقمي 2020″، وإنشاء هيئات مثل وكالة التنمية الرقمية، إلا أن هنالك بعض التحديات التي لا تزال قائمة أمام إدماج كامل وجدي لبرامج الذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق، يوضح عبد الغني أشهود، خبير في مجال التكنولوجيا، أن الإرادة الحقة لإدماج برامج الذكاء الاصطناعي تستلزم تكثيف الجهود في مجالات موازية، أهمها تطوير البنية التحتية الرقمية بالمغرب، وإنشاء مراكز بيانات وطنية (Data Centers)، وكذلك توسيع تغطية الجيل الرابع للاتصالات والألياف الضوئية. فهل الحكومة المغربية جاهزة لتبني برامج ذكية؟
سؤال أجاب عنه تقرير Oxford Insights بعنوان "مؤشر الجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي لسنة 2022"، والذي خلص إلى أن المغرب يحتل المرتبة 87 عالميًا والمرتبة 13 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) من أصل 181 دولة. ويستند المؤشر على عدة محاور أهمها وجود استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وقوانين حماية البيانات والخصوصية، وتطور البنية التحتية للاتصالات. تطور متعثر يعرفه المغرب خاصة فيما يتعلق بصبيب الإنترنت؛ إذ إنه يحتل الرتبة 112 من أصل 177 بلداً فيما يتعلق بمتوسط الصبيب الثابت للإنترنت، كما أن متوسط نصيب الهاتف المحمول أقل من المتوسط العالمي بحسب التصنيف المتعلق بمؤشر سرعة الإنترنت العالمي.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي محمد كريم: "أنا مقتنع أن هذه الخطوة بعيدة المنال، فالمواقع الرسمية لم تنجح في الانتقال إلى الرقمنة فما بالك باستخدامها برامج الذكاء الاصطناعي؟!".
الخصوصية والبيانات الشخصية في خطر!
يتطلب تجاوز العقبات والتحديات التي تعترض طريق إدماج الذكاء الاصطناعي في المواقع الرسمية للحكومة إرادة جدية من جميع الأطراف والجهات المعنية. ولعل من أبرز هذه التحديات نجد القلق المتزايد حول قضايا الخصوصية والأمان. إذ تعتمد أنظمة التكنولوجيا الذكية على جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات، ما يفتح الباب أمام مخاوف مشروعة بشأن حماية البيانات الشخصية للمستخدمين.
ويوصي شحاتة السيد، صحفي استقصائي مصري، والرئيس التنفيذي لمجموعة "أوش" للتكنولوجيا وصناعات الذكاء الاصطناعي، بضرورة وضع تشريعات تضمن حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم الشخصية عند استخدام الذكاء الاصطناعي. ويضيف قائلاً: "في هذا السياق، أوصي بضرورة تدريب مطوري ومشغلي تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مبادئ الأخلاقيات".
لم يغفل المغرب عن إيلاء اهتمام خاص لهذه المسألة بالذات. ففي إطار تعزيز الأمن السيبراني وحماية المعطيات الشخصية، اعتمد المغرب ترسانة مهمة من القوانين أهمها القانون رقم 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني، وإحداث مجموعة من المؤسسات على رأسها المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة لإدارة الدفاع الوطني واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية. وأوصى المجلس الوطني لحقوق الانسان بالمغرب حسب تقريره لسنة 2021، باعتماد المواثيق الدولية والمعايير الناشئة، ومنها التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لمنظمة اليونيسكو المعتمدة سنة 2021، وإعداد وتحيين القوانين والسياسات العمومية ذات الصلة، إضافة إلى اعتماد استراتيجية رقمية وطنية ترتكز على احترام معايير حقوق الإنسان وتعزز الولوج المتكافئ والميسر لهذه الوسائل الجديدة دون تمييز، كما دعا إلى تشجيع البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي عموماً، وفي علاقته باحترام حقوق الإنسان بصفة خاصة.
التحول الرقمي للحكومات حول العالم ضرورة
لم يعد التحول الرقمي للحكومات حول العالم ترفاً، بل أضحى ضرورة ملحة وفرصة ذهبية أمام البلدان للمساهمة في تحقيق نهضتها الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات وترسيخ فضاء يتسم بمبادئ الشفافية والنزاهة. ولعل المغرب لم يتخلف عن الركب، فقد شرع في السنوات الأخيرة في تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتعزيز الحكومة الذكية وتحقيق التحول الرقمي.
غير أن هنالك فجوة كبيرة بين التشريعات القانونية المثالية على الورق من جهة وكيفية تنزيلها وتطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى. فقبل الحديث عن جاهزية المغرب لتبني برامج الذكاء الاصطناعي لتعزيز حق الحصول على المعلومة، وجب تحيين النص القانوني من جهة ومساءلة العقليات والثقافة السائدة بين الجهات المسؤولة وبين المواطن من جهة أخرى. إذ إن الأصل في المعلومة هو النشر الاستباقي، أما السرية فتعتبر استثناء. غير أن المعادلة معكوسة في الواقع، لتظل العديد من المعلومات أسيرة لأرشيفات غير قابلة للنشر أو الطلب، بسبب النص القانوني أو الجهات المعنية على حد سواء. كما يجب التنويه إلى ضرورة رفع وعي المواطن بحقه في طلب المعلومة والترافع من أجل تطبيقه فيما يتلائم مع التغيرات التكنولوجية الحالية.
قبل انتهاء دوامها، تحرص خديجة على إلقاء نظرة على البوابة الإلكترونية داعية ألا يصلها أي طلب مركب، يجعلها تتخبط مجدداً بين مكاتب المصالح المختلفة وتتوه بين الملفات الضخمة في مصلحة الأرشيف من أجل معلومة واحدة، آملة أن يتخذ المغرب خطوات فعالة وواقعية لتعزيز حق الحصول على المعلومة بكفاءة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.