قدم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بطاقات هوية الجمهورية التركية إلى أفراد أتراك الأهسكا الذين استقبلهم في البيت التركي بولاية نيويورك الأمريكية، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول التركية، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2023.
الوكالة أوضحت أن أردوغان منح بطاقات هوية الجمهورية التركية إلى أكبر اثنين من أتراك الأهسكا اللذين حصلا على الجنسية التركية، مهرالي ماميت أوغلو البالغ من العمر 86 عاماً ويونس مرادوف البالغ من العمر 83 عاماً.
في كلمة الشكر، قال ماميت أوغلو: "كان عمري 8 سنوات عندما تعرضنا للنفي، وأتمنى ألّا يتعرض أحد للمعاناة التي تعرضت لها". وبعد أن سرد معاناته في المنفى، شكر ماميت أوغلو تركيا والرئيس أردوغان على منحه الجنسية التركية والمساعدات التي قُدّمت لأتراك الأهسكا.
من جانبه قال مرادوف إن جميع المسلمين يدعمون الرئيس أردوغان ويقفون بجانبه ويساندونه. وخاطب أردوغان قائلاً: "هذا الرجل هو أب لجميع الأتراك في العالم. أنتم جميعاً تعرفون الأيام التي شهدناها. لن ينسى الناس ماضيهم أبداً. سيدي الرئيس، أشكرك. بارك الله فيكم. إذا كنتم إلى جانبنا دائماً، فلن نخسر أبداً".
اهتمام أنقرة بأتراك الأهسكا؟
بدأ اهتمام تركيا بأتراك الأهسكا أو "أتراك المسخيت" في عهد الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، حين سنت سلسلة من القوانين لتسهيل وصولهم إلى تركيا، مثل إعفائهم من الرسوم الجمركية المترتبة على تجارة السلع والبضائع بين تركيا وكازاخستان، وفق ما ذكره موقع "نون بوست".
فقد استقبلت مدينة إغدير التركية عام 1992 قرابة 350 عائلة منهم، ومُنح نحو 5 آلاف منهم الجنسية التركية حتى عام 2002، بينما ازداد العدد بشكل كبير بعد ذلك، فقد بلغ مجموع المجنسين من أتراك الأهسكا نحو 100 ألف، حسب تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو نهاية 2021.
وفقاً لبيانات وزارة الداخلية التركية، يحمل نحو 19 ألف من أتراك الأهسكا تصاريح إقامة طويلة الأمد، كما لديهم بطاقات إقامة خاصة تعفيهم من دفع الرسوم، إضافة إلى ذلك صرح وزير الخارجية عام 2019 أن تركيا ستمنح الجنسية المزدوجة للمسخيت الذين يحملون الجنسية الأمريكية.
كما أنه مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا استقبلت تركيا المزيد من قوافل أتراك الأهسكا المقيمين في أوكرانيا، حيث نقلت اللاجئين الجدد إلى أماكن إقامة مؤقتة مخصصة لهم في ولاية إيلازيغ، حيث بلغ مجموع الأهسكا على وجه الخصوص أكثر من ألف ومئتي شخص خلال شهر مايو/أيار الماضي، وتمت عمليات الإجلاء المتسارعة في الفترة الأخيرة بتنسيق من إدارة الكوارث التركية AFAD مع دائرة الهجرة.
فيما شهد عام 2014 وصول أولى دفعات مهاجري الأهسكا من أوكرانيا إلى تركيا بتعليمات من الرئيس التركي أردوغان، وذلك بعد تحول المظاهرات في شرق أوكرانيا إلى صراع، وتعرض أماكن إقامتهم للنيران، وحينها تمت استضافتهم في ولايتي أرزنجان وبيتليس.
من هم أتراك الأهسكا؟
هم السكان الأصليون الذين عاشوا في منطقة المسخيت منذ مئات السنين كما تشير المصادر التاريخية، إلا أنه يُروج أحياناً بأنهم عبارة عن مهاجرين وافدين قدموا مع الغزو العثماني للمنطقة، ما يحرمهم من حقهم في موطنهم التاريخي.
إذ لم يرد ذكرهم في دراسات التاريخ والإثنوغرافيا التي نُشرت في جورجيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتحدث إلا عن شعب المسخيت الجورجيين الذين قيل إنهم أُجبروا على الاندماج في الثقافة التركية واعتناق الإسلام.
تقع منطقة الأهسكا شمال شرق تركيا على حدود محافظة أرداهان، داخل الأراضي الجورجية، وخضعت المنطقة للسيطرة العثمانية عام 1578 واعتنقت معظم القبائل التركية فيها الإسلام.
اشتهرت المنطقة بجمال طبيعتها وغناها، وكانت منازلها كالقلاع، حتى إنها كانت من أهم المدن في الشرق التركي بعد طرابزون وأرضروم، إلى أن جاءت الحرب التركية الروسية واضطرت الإمبراطورية العثمانية عام 1829 للتخلي عنهم للقيصرية الروسية عند توقيع اتفاقية أدرنة، كنوع من تعويضات الحرب.
معاناة أتراك المسخيت
عانى أتراك المسخيت من الاضطهاد تحت حكم زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك جوزيف ستالين، حيث رفض الاعتراف بهم كقومية مستقلة، وأجبرهم على تسجيل أنفسهم كأذربيجانيين، ومنعهم من تعلم اللغة التركية في المدارس ضمن محاولات محو وتغيير هويتهم الوطنية.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية أُرسل نحو 40 ألفاً من رجال وشباب الأهسكا للقتال على الجبهة في صفوف الجيش الروسي، وعندما عاد من بقي منهم على قيد الحياة إلى قراهم، وجدوها خاوية على عروشها، فلحقوا بعائلاتهم إلى آسيا الوسطى، فيما فقد الكثير منهم أحبتهم إلى الأبد.
أما العجائز والنساء فقد جرى تشغيلهم في بناء خط سكة الحديد Ahıska – Borcom الذي سيكون خط تهجيرهم ونفيهم بعيداً عن وطنهم قريباً.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1944 وقبل 6 أشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، أصدر ستالين قراراً بنفي أتراك الأهسكا وبعض المناطق القريبة منها مثل آسبينزا وآهيلكلك وباغدانوفكا، إضافة إلى سكان 220 قرية أخرى، إلى قيرغيزيا وكازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان وأوكرانيا بعيداً عن موطنهم الأصلي.
في غضون ساعات قليلة، هُجِّر نحو 100 ألف شخص من الأتراك والمسلمين خارج ديارهم، وفقد ما يقارب 17 ألف شخص حياتهم بسبب المرض والجوع والبرد خلال الرحلة التي استمرت نحو شهر، كما توفي 30 ألفاً آخرين في البلاد التي وصلوا إليها نتيجة الأوبئة والجوع والظروف القاسية التي عانوا منها.
كما فُرضت الأحكام العرفية على الأهسكا على مدار 12 عاماً، ومنعوا من الإقامة في المدن، وأجبروا على البقاء في الأماكن التي نقلوا إليها، وعُوقب الأشخاص الذين أخلوا بهذه القوانين بالنفي مع أقاربهم إلى سيبيريا مدة 25 عاماً.
بررت إدارة ستالين نفي أتراك الأهسكا بخيانتهم للسوفييت وتعاونهم مع النازيين في الحرب، لكن فيما بعد ومع تفكك الاتحاد السوفييتي كشفت الوثائق أن الهدف الرئيسي من نفي سكان القرم وأتراك الأهسكا هو تطهير منطقة البحر الأسود من الأتراك، وتوطين الأرمن في ديارهم.