قد يكون المغرب وليبيا بلدين قريبين جغرافياً من بعضهما (المسافة بينهما 2000 كيلومتر فقط عبر الجزائر)، لكن الاختلاف بينهما كبير جداً، وكان لهذا الاختلاف تأثير كبير على استجابتيهما للكارثتين اللتين حلتا بهما؛ الزلزال والفيضانات.
المغرب وليبيا.. استجابتان مختلفتان جداً للكارثة
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن مراسلها بيتر بومونت يقضي هذا الأسبوع في جبال الأطلس، وزار ليبيا في مهمات صحفية أكثر من مرة. ويقول: "ليبيا دولة فاشلة- أو شبه فاشلة- وعالقة في حرب أهلية منذ عام 2011، وهذه الحرب كان لها تأثير واضح وكبير على البنية التحتية للبلاد والتماسك الاجتماعي".
وأضاف: "أما المغرب فدولة حديثة ناجحة، مراكش وطنجة والرباط كلها مدن حديثة، الناس العاديون احتشدوا لمساعدة المتضررين، ويسود شعور قوي جداً بالانتماء"، حسب وصفه.
ووصل بومونت إلى المغرب يوم الأحد، 10 سبتمبر/أيلول 2023، وتمكن من القيادة مباشرة فوق مركز الزلزال بالقرب من أداسيل. وقال: "في ظرف ساعة كنت في قرية ضربها الزلزال، وأتحدث مع المتضررين ومع من يقدمون المساعدة".
الانقسام السياسي حوَّل ليبيا إلى دولة فاشلة
يقول مراسل الغارديان إن الأمر كان سيختلف تماماً لو كلفته الصحيفة بتغطية فيضان ليبيا. وقال: "أحد التحديات التي تواجه تغطية الكوارث التي يتزامن حدوثها مع الحروب هو اختلاف مناطق السيطرة، فالأمر لا يقتصر على السفر إلى طرابلس والحصول على سيارة، فقد عملت في ليبيا، والعمل فيها صعب جداً".
فأولاً، ستحتاج إلى تأشيرة، ولكن لن تعرف إن كنت ستحصل عليها أم لا، أو المدة التي سيستغرقها إصدارها. وإذا مُنحت التأشيرة فستكون للمناطق الغربية التي تسيطر عليها الحكومة في طرابلس، لكن الفيضانات حدثت في درنة، في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها الجنرال خليفة حفتر، الذي تدعمه مصر والإمارات ويساعده مرتزقة روس من مجموعة فاغنر.
يقول بومونت: "العمل الصحفي من ليبيا كان من أخطر المهمات التي أديتها في حياتي". وهذه المخاوف المتعلقة بالسلامة والبنية التحتية المتداعية منذ موت القذافي جعلت من الصعب على وكالات الإغاثة الدولية أو المراسلين الوقوف على حقيقة الدمار الفعلي في درنة.
وقال بومونت: "مثلما هو الحال في الدول الاستبدادية، كانت ليبيا تحت حكم القذافي ناجحة، ولديها أموال طائلة من النفط، كانت بلا حقوق أو حريات، لكن بنيتها التحتية كانت قوية، لكنها لم تعد كذلك الآن".
ضعف الاستجابة وتجاهل التحذيرات في كارثة درنة
تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه كان من الممكن تجنب هذا العدد الضخم من القتلى لو كان لدى ليبيا، الدولة المتعثرة منذ أكثر من عقد، هيئة أرصاد جوية. وقال بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة: "كانوا سيتمكنون من إصدار تحذيرات، وكانت سلطات إدارة الطوارئ ستتمكن من إجلاء الناس، وكان بإمكاننا تجنب جزء كبير من الخسائر البشرية".
وتكشف المصادر الميدانية والتصريحات العامة للسلطات الليبية التي تحكم شرق البلاد، وغير معترف بها دولياً، عن استجابة مرتبكة وضعيفة في التعامل مع الخطر الوشيك، سواء في الساعات التي سبقت الكارثة أو في الليلة الحزينة التي هطلت فيها الأمطار على شرق ليبيا.
وتشير تقارير إلى أن عمدة درنة أكرم عبد العزيز، طلب الإذن بإخلاء المدينة مع اقتراب الإعصار أو العاصفة المطرية، وهو ما رفضته سلطات الشرق الليبي.
وكان الناطق باسم المركز الوطني للأرصاد الجوية بليبيا قد قال إن المركز الوطني نبّه إلى خطر سقوط الأمطار، وأنه سيحدث جريان للمياه في الوادي قبل 4 أو 5 أيام من الكارثة، وتم إبلاغ وزارات الدولة، والجهات الخدمية، ووسائل الإعلام.
وطلب كبار الساسة من النائب العام الليبي فتح تحقيق عاجل لمحاسبة كل من ارتكب خطأً أو إهمالاً أدى إلى انهيار سدود المدينة.
يقول مراسل الغارديان بومونت: "ما زلنا لا نعرف حجم الكارثة الفعلي، هل هو 20 ألف قتيل كما يقول عمدة درنة؟ قد يكون أكثر من ذلك".
ماذا عن المساعدات الخارجية؟
لم تبدأ المساعدات الدولية في الوصول إلى درنة إلا ظهيرة يوم الأربعاء، 13 سبتمبر/أيلول، أي بعد يومين من وقوع الكارثة. وربما قد فات أوان إنقاذ الأرواح. وقال عمدة درنة عبد المنعم الغيثي: "نحن في الواقع بحاجة إلى فرق متخصصة في انتشال الجثث".
وقال مدير فريق البحث عن المفقودين لطفي المصراتي للجزيرة: "أخشى أن تصاب المدينة بوباء، بسبب كثرة الجثث تحت الأنقاض وفي المياه. نحتاج إلى أكياس للجثث".
وقال مسؤول آخر إن عدد القتلى قد يرتفع بشكل كبير؛ لأن "البحر يلقي عشرات الجثث باستمرار".
أما في المغرب، فرغم أنه أسهل بكثير استقبال المساعدات الدولية في المغرب، فإن الحكومة قد تعرضت لانتقادات لعدم قبولها المساعدات المقدمة من بعض الدول. وحتى الآن لم يُسمح إلا لفرق البحث والإنقاذ من المملكة المتحدة وقطر وإسبانيا والإمارات بالدخول، ولم تقبل عروض المساعدة المقدمة من الولايات المتحدة وتونس وتركيا وتايوان، وفرنسا الاستعمارية سابقاً.
ورفض ملك المغرب محمد السادس الدعم المقدم من باريس، التي احتلت المغرب بين عامي 1912 و1956، بعد سنوات من العلاقات المتوترة. ودفع ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نشر مقطع فيديو يقول فيه: "هناك إمكانية لتقديم المساعدات الإنسانية بشكل مباشر، ومن الواضح أن الأمر متروك لجلالة الملك والحكومة المغربية، بطريقة تليق تماماً بسيادتهما، لتنظيم المساعدة الدولية".
ورغم كراهية الملك الظاهرةِ للحكومة الفرنسية، فإنه يقضي معظم أيام السنة في قصر مكون من 10 غرف نوم بقيمة 80 مليون يورو بالقرب من برج إيفل، وهو مزود بحمام سباحة ومنتجع صحي وصالون لتصفيف الشعر. ويمتلك أيضاً قلعة بيتز، التي تعود إلى القرن الثامن عشر، وتقع على بعد حوالي 48 كم شمال شرق باريس، كما تقول الصحيفة البريطانية.
كيف تعاملت المدن المغربية مع الزلزال؟
يقول بومونت إن الضجة المثارة حول رفض المغرب للمساعدات ربما يكون مبالغاً فيها، ولا يُعرف على وجه اليقين إن كانت الرباط بحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي. ويقول إن معظم المنازل مبنية من الطوب اللبن وليس الخرسانة، ولذا فالناس "إما ماتوا أو نجوا".
وأعاد المغاربة فتح الجزء الأكبر من الطريق الوطني رقم 10، وهو الطريق الرئيسي الذي يمر عبر جبال الأطلس الكبير، إلى تلات نيعقوب، على بعد حوالي 20 كم من مكان وقوع الزلزال. ويقول: "هذا إنجاز لا يصدق أن يعاد فتح طريق كانت أجزاء كبيرة منه قد أغلقت بسبب تساقط الصخور قبل أيام قليلة".
وبينما كان بومونت عائداً على الطريق رقم 10، كان الآلاف من المواطنين المغاربة ينقلون المساعدات إلى أعلى الجبل. ومن بينهم التقى بمجموعة من 16 شاباً في ثلاث شاحنات، وجميعهم من مشجعي نادي الرجاء الرياضي.
قال له زيكو، سائق إحدى الشاحنات: "احتجنا لأن نقود طوال اليوم لنصل إلى تلات نيعقوب، لدينا طعام وملابس وأموال جمعناها لضحايا الزلزال، شعرنا بأن من واجبنا أن نفعل ذلك".
وفي تبادل للأدوار، أوقفت صحفية محلية بومونت وطلبت إجراء مقابلة معه. يقول بومونت: "ما أرادت أن تسأله فعلياً كان: "ألست منبهراً مما تمكنَّا من فعله؟".
وأضاف: "وقد كنت. كان مبهراً حقاً أن نرى مغاربة عاديين يفعلون ذلك، هكذا ينبغي أن تكون الإنسانية، وليس السياسة، بل مجتمع يساعد مجتمعاً. أعتقد أنه في ظرف عامين حين يسألني الناس عما أتذكره عن زلزال المغرب، فلن يقتصر حديثي عن الأحزان والدمار فحسب، بل سيكون أيضاً عن استجابة الناس العاديين التي كانت إيجابية جداً".