حذر باحثون من أن الأنظمة البيئية والحيوية التي تعتمد عليها الحياة على كوكب الأرض قد تضررت بشدة، لدرجة أن الكوكب صار "خارج نطاق التشغيل الآمن للبشرية"، مشيرين إلى أن التدابير الأساسية المطلوبة لمواجهة هذه الأضرار تشمل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والتخلي عن سبل الزراعة المدمرة للأراضي.
وخلص تقييم للباحثين إلى أن 6 من أصل 9 "حدود كوكبية" قد انتُهكت بفعل التلوث الذي يسببه الإنسان والتدمير الذي تعرضت له الطبيعة، حيث تتعلق هذه الحدود بحالة النظم الأساسية للحياة على الأرض -مثل المناخ والمياه وتنوع الحياة البرية- والتي إذا تجاوز الضرر الواقع عليها حدوداً معينة، فإنها قد تعجز عن التخلص من ملوثاتها وتفشل في الصمود أمام التغيرات المُعيقة لاستمرار الحياة على هذا الكوكب.
الحدود الكوكبية
وتشمل الحدود الكوكبية وفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، الاحتباس الحراري، والتنوع البيولوجي، والبيولوجية الكيميائية، وتحمض المحيطات، واستخدام الأراضي، والأمن المائي، ونضوب الأوزون، وتركيز الهباء الجوي، والتلوث الكيميائي.
وقال الباحثون إن هذا أول تقييم من نوعه لحالة الحدود الكوكبية التسعة، و"أول فحص علمي لسلامة الكوكب بأكمله".
وانتهى الباحثون إلى أن 6 من هذه الحدود قد انتُهكت، وهناك اثنان منها على وشك الانهيار، هما: تلوث الهواء وحمضية المحيطات. أما الحد الوحيد غير المعرض للخطر، فهي حالة طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، إذ أدت التدابير التي اتخذتها الدول في العقود الماضية إلى التخلص التدريجي من المواد الكيميائية المضرة، وتقليص ثقب الأوزون.
"إثارة للقلق"
ومن أكثر النتائج "إثارة للقلق" في تقرير الباحثين أن الحدود البيولوجية الأربعة المعنية بالأنظمة الحيوية، قد تبيَّن أنها عند مستوى الخطر، أو تجاوزته. وتعد الأنظمة الحيوية أكثر أهمية من غيرها لكوكب الأرض؛ لأنها توفر له أسباب الاستدامة بتعويض بعض التغيرات الفيزيائية، مثل امتصاص الأشجار للتلوث بثاني أكسيد الكربون.
ومع ذلك، قال العلماء إن اختراق الحدود الكوكبية لا يعني تحولات لا رجعة فيها، ولا آثاراً مفضية إلى تدهور مباغت وفادح العواقب، بل هي سيرورة تشتد بعدها مخاطر حدوث تغييرات جوهرية في أنظمة دعم الحياة الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية للأرض. وقد صاغ العلماء الحدود الكوكبية لأول مرة في عام 2009، وجرى تحديثها في عام 2015.
تراجع صمود الكوكب
في السياق، قال البروفيسور يوهان روكستروم، المدير السابق لمركز ستوكهولم للمرونة وقائد الفريق الذي ابتكر الحدود الكوكبية: "العلماء والعالم بأسره في خوف شديد من الأحداث المناخية المتطرفة التي تضرب المجتمعات في جميع أنحاء الكوكب. ولكن أشد ما نخشاه هو العلامات المتزايدة على تراجع صمود الكوكب في مواجهة الأضرار اللاحقة بأنظمته البيئية والحيوية".
وأضاف روكستروم: "إن كنا نرغب في تحقيق الأمن والازدهار والمساواة للبشرية على الأرض، فإن علينا العودة إلى نظام التعامل الآمن مع الحدود الكوكبية، وهذا أمر لا نرى أن العالم مقبل عليه حالياً".
فيما أوضحت كاثرين ريتشاردسون، البروفيسور بجامعة كوبنهاغن والمشرفة على الدراسة: "نحن نعلم أن البشرية يمكن أن تنجو في ظل الظروف التي كانت موجودة منذ 10 آلاف عام، لكننا لا نعرف ما إذا كانت تستطيع النجاة في ظل هذه التغيرات الكبيرة والمؤثرة"، فالأرض صارت مثل مريض يعاني الإصابة بالارتفاع الشديد في ضغط الدم، فهو وإن لم يكن مصاباً بنوبة قلبية في هذه اللحظة، فإنه معرض للإصابة بها في أي وقت.
نُشر التقييم في دورية Science Advances واستند إلى ألفي دراسة علمية، وخلص في نتائجه إلى أن كثيراً من الحدود الكوكبية قد انتُهكت منذ مدة طويلة.
انتهاك البشر
إلى ذلك، قال الباحثون إن حدَّ التنوع البيولوجي، الذي يقيس أداء النظم البيئية، قد اختُرق في أواخر القرن التاسع عشر، إذ أدى تدمير الطبيعة إلى تدمير الحياة البرية. كذلك فإن إزالة الغابات أدت إلى انتهاك البشر لحدِّ استخدام الأراضي في القرن الماضي.
وتابع الباحثون: "ينتهي هذا التقرير إلى أن ستة من الحدود الكوكبية التسعة قد انتُهكت، ما يعني أن صارت الآن خارج نطاق الاعتماد الآمن للبشرية عليها".
ويرى الباحثون أن التدابير الأساسية المطلوبة لمواجهة هذه الأضرار تشمل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والتخلي عن سبل الزراعة المدمرة للأراضي.
من جهته، قال البروفيسور سايمون لويس، من جامعة كوليدج لندن: "هذا تقرير مفزع عن واقع مثير للقلق بالفعل. فالكوكب يتدهور إلى حالة جديدة أقل استقراراً بكثير، وليس ثمة تحذير أوضح من هذا بأن الحاجة صارت ملحَّة إلى تغييرات هيكلية عميقة في كيفية تعاملنا مع البيئة".