قدّمت بيانات أقمار صناعية للعلماء مؤشرات إحصائية "بالغة الأهمية" بشأن زلزال المغرب الذي ضرب البلاد مساء الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2023، حيث رصدت المناطق التي تضررت جراء الكارثة من ارتفاع نحو 692 كم فوق الأرض، وفق صحيفة The New York Times الأمريكية.
من المتوقع أن تساعد تلك البيانات في الكشف عن الآليات الكامنة وراء الزلزال، وضمن ذلك تحديد الصدع الذي تمزق بالضبط.
وجاءت البيانات المهمة من القمر الصناعي Sentinel-1a، وهو قمر ضمن مجموعة من الأقمار الصناعية التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية تدور حول الأرض كل 12 يوماً لرسم خرائط لسطح الأرض.
تقييم الحركة ثلاثية الأبعاد للأرض
في السياق، قال تيم رايت، عالم الجيوفيزياء (أو فيزياء الأرض) بجامعة ليدز البريطانية، إنَّ القمر الصناعي يعتمد تقنية الرادار لقياس التغيُّرات الصغيرة في الأرض.
وتُعرَف التقنية باسم "رادار الفتحة التركيبية التداخلي" (InSAR)، وهي تسمح للعلماء بمقارنة البيانات التي تُجمَع قبل وبعد وقوع الزلزال لتقييم الحركة ثلاثية الأبعاد للأرض حول صدع ما بدقة ملليمتر واحد تقريباً.
ويشير تحليل البيانات في المغرب إلى نوعين من الحركة، إذ تحركت الأرض على أحد الجانبين أفقياً بالنسبة للجانب الآخر، أو ما يُعرَف بـ"الانزلاق الجانبي"، وتحركت كذلك صعوداً بالنسبة إلى الجانب الآخر، أو ما يُعرَف بـ"الصدع المعكوس".
وقد وجد خبيرا الجيولوجيا بجامعة كورنيل الأمريكية جوديث هبارد، وكايل برادلي، عند مقارنة الحركة المرصودة بالنماذج، إشارات إلى أنَّ الصدع المسؤول ربما يكون صدعاً قديماً مائلاً في اتجاه الشمال يُعرَف باسم "صدع تيزي نتاست".
صدع من ملايين السنين!
وقالت د. هبارد، إنَّ تاريخ الصدع يعود لملايين السنين و"كان نشطاً في فترات مختلفة بالماضي السحيق"، وأضافت أنَّ الأراضي على طول الصدع تحركت حين تكوَّنت القارة العملاقة "بانجيا" قبل 300 مليون عام تقريباً، ثُمَّ تحركت مجدداً عند انقسامها لاحقاً.
كما أضافت أنَّ الصدع كان نشطاً في بعض الأحيان أيضاً مع تشكُّل جبال الأطلس الكبير فيما باتت الآن يُعرَف بالمغرب، لكنَّه لم يكن نشطاً في التاريخ الحديث.
لكنَّ ويندي بوهون، خبيرة الجيولوجيا والزلازل، قالت إنَّ الصدوع القديمة تُوجِد نقاط ضعف في الأرض، لذا، في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن يتمزق الصدع مجدداً، وهي ظاهرة تُسمَّى إعادة التنشيط، ويبدو أنَّ هذا هو ما حدث مساء الجمعة في المغرب.
وتظهر بيانات رادار الفتحة التركيبية التداخلي في شكل نطاقات ملونة لسطح كامل المغرب، وكلما اقتربت نطاقات الألوان، زاد مستوى تحرك الأرض، فيما تتكتَّل الألوان في كثير من الأحيان، مُكوِّنةً أثراً مميزاً بطول المكان الذي يتسبب فيه الزلزال بتصدُّع وصولاً إلى سطح الأرض.
وقالت د. ويندي إنَّ هذا العنصر كان غائباً بوضوح في الرسوم البيانية الخاصة بالمغرب، ويشير هذا الغياب إلى أنَّ زلزال المغرب الذي وقع على عمق 11 ميلاً (17.7 كم) تقريباً لم يُحدِث صدعاً وصولاً إلى سطح الأرض.
الزلازل العمياء
وتُعَد دراسة هذه الأنواع من الزلازل، المعروفة باسم الزلازل العمياء، أمراً بالغ الصعوبة، حيث قالت د. بوهون: "تكون معرفة ما يجري بالضبط في صدع ما أكثر تعقيداً بكثير حين لا يكون هنالك شيء يمكننا أن نراه ونلمسه فعلاً".
وتمثل هذه التحليلات الأولية خطوة كبيرة نحو فهم الأحداث الأليمة التي وقعت في المغرب، ويمكن أن تساعد العلماء في فهم المخاطر المستقبلية بصورة أفضل. لكنَّ المزيد من التحليل وجمع البيانات سيساعد العلماء في تحديد مزيد من التفاصيل بشأن الزلزال.
ووفقاً للدكتور بوهون، ربما يكون المزيد من المساعدة في دراسة تعقيد الزلازل في الطريق، ففي أوائل العام المقبل 2024، ستضيف مهمة مشتركة بين وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية، تُدعى "NISAR" (نيسار)، قمراً صناعياً آخر في السماء يمكنه دراسة الأحداث التكتونية على الأرض.
وفي هذا السياق، قال د. رايت: "كلما زاد عدد الأقمار الصناعية لدينا، كان بإمكاننا أن نتجاوب أسرع مع حدث ما".