تابعتُ بكثير من التقزز بعضَ التصريحات والتلميحات التي أدلى بها بعض رجال السياسة في وطني الجزائر، حول قضية اللاجئين الأفارقة، وكنت كلما أسمع تصريحاً لأحد المسؤولين أشعر بألم وخزي، وهذا الإحساس قلَّ ما ينتابني، هذا طبعاً قبل تصفّحي لعشرات المواقع التي تتحدث عن الكارثة الأخلاقية التي حلَّت بنا نحن المسلمين، عجباً، من أين أتت كل هذه الكراهية والقسوة والكلمات الجارحة للاجئين لا تختلف أوضاعهم كثيراً عن أوضاع اللاجئين السوريين أو اللاجئين الليبيين أو غيرهم في شيء، فضلاً عن فقرهم الأشد ولون بشرتهم الداكن.
تذكرت قضية التعاطف مع الكوارث الإنسانية من منظور عربي إسلامي، وهنا لا أخص الحكومات بشيء، بل المواطن العربي المسلم البسيط، فوجدت أننا نتعاطف لا شعورياً مع المسلم العربي أولاً، ثم المسلم الأوروبي، ثم المسلم الآسيوي، ثم المسلم الإفريقي، لنصل أخيراً إلى المسيحي واليهودي والبوذي والسيخي والملحد، رغم أن الحاجة هي نفسها، والفقر هو نفسه، قليلاً جداً ما نسمع عن تدخل المؤسسات الخيرية الإسلامية لمساعدة ضحايا فيضانات الهند مثلاً أو نازحين أفارقة، نعم تكفينا مأساتنا ووضع إخوتنا السوريين، لكن قد يصدمكم الخبر الذي يقول: إن نحو 16 مليون شخص نزحوا أو أُجبروا على الفرار في مناطق عدة في إفريقيا إلى مناطق مجاورة سنة 2015، فقط أغلبهم من (الصومال، وبوروندي، وجنوب السودان ونيجيريا)، فهل منا مَن يعلم ذلك؟
نتعاطف مع اللاجئ العربي، لكننا لن نستطيع أن نتعاطف مع الإفريقي الجائع والمحروم في جنوب السودان، نغطي معارك الرقة ودير الزور وبنغازي في القنوات والجرائد والنشرات، لكن أغلبنا لا يعرف شيئاً عن مدينة "بانيتو" الواقعة جنوب السودان، والدمار الذي حلَّ بها بسبب التصفيات العرقية بين قبيلتي "الدينكا" و"النوير".. أغلبنا قد يذرف دمعة عندما يشاهد بورمياً مقتولاً أو مسحولاً، وقد نسارع إلى التبرع بقروش معدودة إلى الجمعيات الخيرية؛ لنساهم في إطعام صبي صومالي، أو آخر من أقلية الروهينغا، لكن لا أحد منا سيهتم بإيجاد حلول لمعاناتهم، أو أن تضغط الحكومات العربية على المنظمات الأممية، وتدعم تلك الأقلية بالمال والنفوذ؛ لإخراج شعب يقتل باسم الهوية والدين، الذي يساوينا معهم في المسؤولية أمام الله، كما نفعل بأضعف الإيمان مع بعض القضايا العربية، وإن كان على استحياء، في النهاية هؤلاء البورميون ليسوا من لُحمتنا العربية؛ لهذا سيبقى سعينا محصوراً في الشجب والندب.
يومياً نرى أخباراً مفصلة عن تحركات داعش والقاعدة، وتنهال المعلومات علينا؛ لنجد أنفسنا محاصَرين بتحليلات فلاسفة العصر على القنوات، بعد كل خبر عاجل يأتينا عن آخر تطورات تحرير الموصل أو الرقة، أو عن جثة البغدادي ومصيرها، لكن هل حاولنا يوماً فهم ما يحصل مع النيجيريين مع جماعات بوكو حرام، التي لا تقل إجراماً وبطشاً عن تنظيم الدولة؟ أم أن أمرهم لا يعنينا، فهم في النهاية ليسوا من بني جلدتنا.
أتذكر جيداً كيف تعاطَفَ العرب مع إخوانهم في البوسنة والهرسك، عندما دمروا الصرب وقتلوا الآلاف من البوسنيين في مجزرة سربرنيتشا في أوائل التسعينات، وكيف فُتحت الأبواب لاستقبال البوسنيين أصحاب العيون الزرقاء والبشرة الوردية في كل دولة عربية؛ لكنني أذكر جيداً كيف تغافلت وسائل الإعلام العربية على قلّتها في ذلك الوقت، ولم تهتم كثيراً لحرب رواندا التي استمرَّت مائة يوم قتل فيها ما يقارب 800 ألف رواندي نحراً، وقد حدث ذلك في وقت واحد، هل رأيتم أننا ورغم مآسينا وحزننا على قضايانا (فلسطين) استطعنا التعاطف في ذلك الوقت مع البوسنيين، ولم نكترث للروانديين.
نعم، نحن عنصريون ولا نختلف كثيراً عن بقية الأمم، وعنصريتنا مغروسة في أعماقنا دون أن نحس، فهناك عنصرية للقبيلة، وعنصرية للوطن، وعنصرية للون، وعنصرية للأصل، وعنصرية للمذهب، وعنصرية للدين، وكلها شكل من أشكال التحقير للغير، والتعالي عليه بأسماء مختلفة، فالمصري يرى نفسه أفضل من السوداني، والسوداني يجد نفسه متفوقاً على الصومالي، وهي النظرة نفسها بين الجزائري والتونسي والمغربي، كذلك بين السوري واللبناني والفلسطيني والأردني… والقائمة أطول، أليست هذه حقيقة؟ ثم نشتاط غضباً إذا أهاننا ترمب أو ماريان لوبان بألفاظ عنصرية.
الإنسانية لا تتجزأ، والإحساس بالجوع والألم والخوف من الموت ورعب الحروب والمجازر لا اختلاف فيها بين إنسان وآخر، كلنا وُجدنا على هذه الأرض لرحلة قصيرة اسمها الحياة، فإما أن نعيش فيها بشراً، أو ألا نعيش.
كم أتمنى أن أصفع الإنسانية النائمة في قلوبنا حتى نستفيق من غيبوبة أماتت كل ما هو جميل فينا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.