نعم، جيرارد بيكيه أفضل بكثير من ليونيل ميسي، وهذا ليس رأياً شخصياً، بل هي وجهة نظر تبناها إقليم كتالونيا الإسباني في عام 2017، في نهايته إذا كُنا دقيقين.
كان الاستفتاء الرسمي على انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا كدولة، كانت الشرطة الإسبانية هناك تقتل وتضرب وتعتقل، وفي التظاهرات الكبيرة للشعب الكتالوني كانت الأصوات تُنادي بضرورة تدخل نجوم كتالونيين معروفين.
أثناء التظاهر قال أحد المتظاهرين إن ميسي لن يتحدث، وهُم يعلمون ذلك جيداً؛ لأنه ليس كتالونياً، هو أرجنتيني تربى هُنا، لكنه يُجيد كرة القدم دون التحدث، يجيد الأكل دون الدفاع عن حقوق الناس، ويُجيد كذلك النوم عن إزعاج السلطات الإسبانية.
هذا الرأي لم يكن مُجحفاً في حق ميسي، لكنه كان كما نسميه "العشم" من أبناء المقاطعة بحق نجم ناديهم وأسطورته، وهو أمر تبرأ ميسي منه تماماً، ولم يتحدث ولم يُصدر صوتاً، لا بموافقة ما يحدث للمتظاهرين، ولا حتى بالتنديد به.
في الجهة المقابلة كانت مباراة برشلونة أمام لاس بالماس قد تحدَّد موعدها، في منافسات الليغا الإسبانية في موسم 2017-2018، ولم يكن من الممكن تأجيلها، وإلا سيتم خصم نقاطها من برشلونة في نهاية الدوري.
مضطراً أو راغباً كان، وافق برشلونة على لعب المباراة الخاصة، وخلف أبواب مُغلقة حمت اللاعبين بقدر ما أباحت للشرطة الفتك بمن هم خارجها، وفي الوقت نفسه كان على لاعبي برشلونة الكثير من الضغط؛ لأن كل شيء من حولهم يجعلهم يستشعرون الوضع السياسي وإن لم يفهموا طبيعته.
الوحيد الذي تحدث كان الدولي الإسباني والكتالوني جيرارد بيكيه، الرجل الذي تحدث عقبة نهاية اللقاء وقال إنه لم يكُن موافقاً على أن تُلعب المباراة في ظروف كهذه، وإن اللوائح لا تحترم الأوضاع الإنسانية، والتي تتعامل بمنظور مادي بحت.
جيرارد بيكيه أثناء حديثه بكى، واستخدم لفظ "إخوتي" يُقتلون ويُعتقلون في الخارج، وربما لهذا السبب اكتسب تعاطفاً كتالونياً في ليلة كانت كتالونيا كلها تقف على قدم وساق، وتنتظر من ميسي هذه الكلمات، التي نجح في خطف الأضواء بسببها جيرارد بيكيه.
لاعب سابق برتبة وزير!
قد يكون اسمه قد مر عليك في ألعاب الفيديو القديمة، وبالتحديد التي كانت تستهدف جيل نادي ميلان الإيطالي التاريخي؛ هو اللاعب الجورجي كاخا كالادزه، أو كما تسميه الصحف كاكا كلادزي.
لاعتبارات جورجية فإن شعب جورجيا لا يقبل بسهولة انتقال نجومه الدوليين إلى بعض الدوريات في دول مثل: روسيا وأوكرانيا بالتحديد، وذلك لأن بعض الأراضي الجورجية بعضها ما زالت تحت الاحتلال الروسي إلى يومنا هذا.
لكن كاخا كان فريداً من نوعه، ووجوده في الدوري الجورجي كان سيُعطل كثيراً من فكرة تطوره ووصوله لكبرى الأندية الأوروبية الأخرى؛ لذا كان عليه أن يقبل الانتقادات التي ستُصاحب انتقاله لفريق دينامو كييف الأوكراني.
كاخا، بعد فترة جذب أنظار مسؤولي نادي ميلان الإيطالي، انتقل أخيراً للنادي الإيطالي، وبانتقاله أصبح أغلى لاعب جورجي في التاريخ.
كاخا لم يكن لاعباً عادياً، بل كان شخصاً يُعتمد عليه حقاً، وكان يد العون لشعبه، وجلب لهم الكثير من المساعدات المادية من إيطاليا وأوكرانيا، وكذلك كان يُنفق على الخدمات المجتمعية في جورجيا.
ورغم تقاعس الحكومة مع كاخا كالادزه أثناء بحثه عن أخيه المختطف، لم يرضخ لتمثيل منتخب غير بلاده، رغم أنه هدد الحكومة الجورجية بشكل واضح عندما صرح: "كل يوم أستيقظ فيه أفكر في أخي، وأدعو الله أن يعود إلينا سالماً، إذا لم تُقدموا لنا المساعدات الكافية للعثور عليه، صدقوني، سأقبل الجنسية الأوكرانية".
نعم، كالادزه كان يُمكنه في ذلك الوقت تمثيل منتخب أوكرانيا، لكن بعد أن صرح بهذا الحديث شعر بأنه قد خان الشعب الجورجي الذي يُحبه ويثق به، وقرر أن يعود عن هذه التصريحات الغاضبة.
رحل أخوه على يد الخاطفين، وفي عام 2012، حينما أعلن كاخا كلادزي اعتزاله بشكل نهائي، وتفرغ للعمل السياسي وتحسين أداء بلاده بشكل عام.
كاخا كالادزي، المدافع الذي حقق بطولة دوري أبطال أوروبا عام 2007 مع نادي ميلان الإيطالي، تفرع للعمل السياسي، وتم تعيينه نائباً لرئيس الوزراء الجورجي، ثم تم تعيينه نائباً في البرلمان الجورجي، وهو حالياً يمتلك مجموعة شركات، أشهرها شركتان: الأولى للأعمال الخيرية لمساعدة المحتاجين في جورجيا، والثانية في مجال الطاقة.
ومن أجل مجهوداته العبقرية في الإدارة السياسية عينته الحكومة الجورجية وزيراً للطاقة، وأيضاً شغل منصب عُمدة مدينة تيبليسي، العاصمة والمدينة الأكثر قوة في البلاد.
جيفارا كرة القدم، والطبيب الذي يُداوي جراح الشعب
حينما تسمع اسم سقراط سيأتي في ذهنك فوراً الفيلسوف اليوناني، لكن حديثنا هنا يختلف كثيراً، فنحن بصدد الحديث عن الفيلسوف البرازيلي سقراط.
لم يكن اسمه سقراط بالفعل، بل كان هذا الاسم كناية عن الأدوار العظيمة التي قدمها متوسط ميدان منتخب البرازيل للشعب البرازيلي، اللاعب الذي استطاع أن يُحول الديمقراطية إلى واجب على المقهورين في بلده.
سقراط كان صغيراً حينما حكى هذا المشهد، حينما دخل المنزل ووجد والده يحرق أفضل مقتنياته ويحرق مكتبته.
كان حرق المكتبة غريباً على طفل لا يفهم لماذا يحرق هذا الرجل الكُتب التي يُحبها؟ والإجابة لم تكن واضحة إلا حينما كبُر، كان والده يحرق الكُتب التي تتحدث عن الديمقراطية؛ لأن الديكتاتورية قد استولت على الحكم في البرازيل بشكل فعلي، وأصبحت الكُتب مجرد ورق يُحفظ، لا كلاماً يُنفذ.
عايش وتعايش مع الأوضاع الديكتاتورية في البرازيل، حاله حال أي مواطن آخر، لكن ما ميز سقراط عن البقية أنه حاول تغيير هذا الوضع، واستغل ثقافته وعلمه في مسعاه.
سقراط كان طبيباً، تخرج في كلية الطب، وكان نجاحه في مجال كرة القدم يُشبه إلى حد كبير نجاحه العلمي والثقافي، وكان هذا النجاح تمهيداً للنجاح الأكبر، والذي يفتخر به سقراط نفسه؛ النجاح السياسي.
فبالرغم من الشهرة الكبيرة التي اكتسبها سقراط، فإنه لم يتخلَّ أبداً عن دوره الاجتماعي وتفاعله مع الواقع المحيط به، فقد كان النجم البرازيلي يمارس مهنة الطب في الأحياء الفقيرة، وهذا العمل الإنساني أسهم بشكل كبير في تسليط الضوء على واقع البرازيل البائس من خلال وسائل الإعلام التي كانت تتابعه.
يظهر هنا تشابه بين سقراط و الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا، حيث كان الأخير يسعى إلى مواجهة الإمبريالية العالمية من خلال تأسيس مجموعات مسلحة، فيما كان هدف اللاعب البرازيلي هو محاربة الديكتاتورية في بلاده بالتعاون مع مجموعة من الزملاء اللاعبين.
انضم سقراط لنادي كورينتيانز البرازيلي، في ذلك الوقت، وبدء مشروعه الديمقراطي من غرفة ملابس النادي هناك، إذ لم يكن سقراط راضياً عن تدخل الإدارة الشنيع في كل شيء، فمع وجود مسؤول جديد في النادي، وهو العالِم الاجتماعي آديلسون مونتيرو آلفس، اقترح طريقة ديمقراطية لتسيير الفريق، تمثل هذه التجربة نموذجاً مختلفاً، حيث يصبح اللاعبون شركاء فعّالين في صنع القرارات وإدارة أمور النادي بشكل عام، بداية من الخطة حتى توزيع المداخيل في النادي، وهذه التجربة عُرفت لاحقاً بـاسم "الديمقراطية الكورينثيانية".
كان يُحاول سقراط تغيير محيطه، لذا بدأ يُحفز رجال كورنتيانز بأن يُغيروا، بأصواتهم، حالة الجمود التي تعيشها البرازيل. ما يُمكننا قوله هو أن سقراط قد أحدث ثورة في عالم كرة القدم، ثورة بالمعنى الحقيقي والمجازي للكلمة، ثورة غيرت من عقول لاعبي الدوري البرازيلي بالكامل، وثورة جعلت الديكتاتورية ترضخ لزحف الشعب البرازيلي نحو الديمقراطية.
وأسس فكرة دعوية جديدة لهذه الثورة، تمثلت في إعلانات يطبعها كل نادٍ في الدوري البرازيلي على ظهر ووجه القميص الخاص به، وهي إعلانات تُندد بالحكم الديكتاتوري للبلاد.
وسط كل هذه الحالة الغريبة من الجرأة كانت إدارة نادي كورينتيانز تخشى عواقب هذه الأفعال، وبالتالي كانت تُحاول منعها وإيقاف سقراط، لكن دون جدوى.
ولم تكن إدارة كورينتيانز تستعصي على سقراط، وغلبهم في نهاية الأمر، وكان له خطاب شهير يُلقيه أمام أكثر من مليوني مواطن برازيلي يتحدث فيه عن حتمية الديمقراطية، والتي حدثت بالفعل فيما بعد، وأصبح سقراط هو اللاعب و الطبيب الذي يُعالج جروح الشعب، ويشفيه من داء الديكتاتورية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.