قالت صحيفة واشنطن بوست في تقرير نشرته الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2023، إن السلطات المصرية نفذت موجة من الاعتقالات استهدفت المعارضين، وذلك قبل القرار الأمريكي المحوري بشأن المساعدات العسكرية والذي يُنظر إليه على أنه مؤشر رئيسي لكيفية موازنة إدارة بايدن بين المصالح الأمنية والسياسية ومخاوف حقوق الإنسان في سياستها الخارجية.
وأدت حملة القمع، التي تقول جماعات حقوق الإنسان إنها ترمز إلى تفاقم القمع في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى زيادة المخاطر المحيطة بالمداولات الجارية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، والتي يجب أن تقرر بحلول 14 سبتمبر/أيلول، ما إذا كانت ستحجب جزءاً من مبلغ 1.3 مليار دولار تقريباً من المساعدات العسكرية السنوية لمصر.
انقسام بسبب المعونة الأمريكية لمصر
أدى الموعد النهائي الوشيك إلى انقسام المشرعين الأمريكيين. ويضغط البعض على الإدارة لحرمان القاهرة من حصة المساعدات السنوية الكاملة البالغة 320 مليون دولار والتي تخضع لمتطلبات حقوق الإنسان، فيما يعارض آخرون الضغط بملف حقوق الإنسان في مصر، نظراً إلى نفوذها الإقليمي وموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين أفريقيا والشرق الأوسط.
قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بموجب القواعد الأساسية التي وضعتها الوزارة، إن المسؤولين يشجعون مصر على تمكين المجتمع المدني، وحماية حقوق الإنسان والحريات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين. وقال: "إن التقدم في مجال حقوق الإنسان سيمكن من إقامة أقوى علاقة ممكنة بين الولايات المتحدة ومصر".
أصدر السيسي، وهو جنرال سابق يعاني من اقتصاد متصاعد وسخط متزايد بينما يستعد للترشح لإعادة انتخابه، عفواً عن عدد من السجناء السياسيين البارزين هذا الصيف، وضمن ذلك الباحث في مجال حقوق الإنسان باتريك جورج زكي والمحامي محمد الباقر. أشاد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالإفراج عن ناشط الربيع العربي أحمد دومة بعد ما يقرب من عقد من الزمن خلف القضبان.
لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين البارزين قد صرف الانتباه عن حملة قمع أوسع نطاقاً على حرية التعبير والنشاط السياسي، والتي تخضع بالفعل لقيود شديدة في مصر.
في الأسابيع الأخيرة، اعتقلت السلطات شخصية معارضة بارزة، واعتقلت والد صحفي منفي، وأعادت اعتقال محمود حسين، الذي أصبح يعرف باسم "معتقل القمصان" بعد اعتقاله في عام 2014 لارتدائه قميصاً كُتب عليه "أمة دون تعذيب".
لا تحسن في حقوق الإنسان بمصر
قال عمرو مجدي، كبير الباحثين بمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الربحية ومقرها نيويورك: "لا أرى أي دليل أو مؤشر على التقدم في مجال حقوق الإنسان في مصر، لا هذا العام ولا العام الماضي".
ومصر، التي كانت على مدى عقود من أكبر الدول المتلقية للمساعدات العسكرية الأمريكية، يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها حليف استراتيجي في منطقة مضطربة. وتلعب القاهرة دوراً رئيسياً في التوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تقود تحولاً إقليمياً في دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
وفي قاعدة عسكرية بشمال مصر هذا الشهر، تقود القوات الأمريكية والمصرية بشكل مشتركٍ مناورة ضخمة تشارك فيها قوات من أكثر من 30 دولة.
مصر الأقل حرية في العالم
لكن في عهد السيسي، الذي تولى السلطة بعد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي في عام 2013، أصبحت مصر واحدة من الدول الأقل حرية في العالم، وفقاً لمؤسسة فريدوم هاوس.
قال سيث بيندر من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "إن أزمة حقوق الإنسان في مصر هي المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في البلاد، وبالتالي يجب أن تكون أولوية للأمن القومي الأمريكي".
وقبل عام، حجب المسؤولون الأمريكيون 130 مليون دولار من المساعدات السنوية التي تزيد قيمتها على مليار دولار، لكنهم قرروا أن مصر استوفت شروط الحصول على شريحة منفصلة بقيمة 75 مليون دولار. وفي وقت لاحق، قام عضو ديمقراطي في مجلس الشيوخ بمنع المبلغ الأصغر، ويعني التدقيق المتزايد من جانب الكونغرس أن حصة أكبر من حزمة المساعدات أصبحت الآن مرتبطة بشروط.
منذ أن تولى بايدن منصبه، اتخذ السيسي خطوات حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق لتحسين صورة مصر، بدءاً بالكشف عن استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في عام 2021. وفي العام الماضي، دعا إلى حوار وطني يسمح لشخصيات المعارضة والمجتمع المدني بمناقشة التحديات التي تواجه مصر.
لقد خلق الحوار مساحة نادرة للخطاب النقدي، لكن بعض المواضيع – وضمن ذلك أي شيء يتم تعريفه على نطاق واسع على أنه مسألة "الأمن القومي"- محظورة بشكل واضح. ويمنع الإسلاميون من المشاركة.
العفو عن بعض السجناء
منحت لجنة العفو الرئاسية المشكّلة حديثاً عفواً عن بعض السجناء السياسيين. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدرت هيئة الحقوق الرسمية التابعة للحكومة تقريراً، استناداً إلى ثلاث سنوات من العمل، أوصى بحدود الحبس الاحتياطي وتعزيز الإجراءات القانونية الواجبة.
قالت مشيرة خطاب، رئيسة المجلس، في مؤتمر صحفي، إن المجلس "يضغط بشدة" على المسؤولين لإنهاء الاعتقالات المرتبطة بالتعبير. وأضافت أن الهيئة تأخذ على محمل الجد جميع الشكاوى التي تلقتها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، والتي يبلغ عددها نحو 10 آلاف شكوى.
خطوات اتخذتها مصر في مجال حقوق الإنسان
هناك خطوات حاسمة اتخذتها الدولة وأضافت مستدركة: "لكن ثقافة حقوق الإنسان لا تزال ضعيفة". "نحن بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد." وحتى في الوقت الذي يسعى فيه السيسي إلى تحسين صورته، فإن الملاحقات الجنائية لمنتقديه والقيود الجديدة المفروضة على المنظمات غير الحكومية أدت إلى تفريغ المجتمع المدني.
لا يزال عشرات الآلاف من السجناء "المحتجزين ظلماً" خلف القضبان، بحسب عمرو مجدي، حيث تنتشر أنباء التعذيب على نطاق واسع. وأضافت أنه عندما يخرج المعتقلون، فإن كثيراً منهم يكافحون من أجل الاحتفاظ بوظائفهم أو إعادة الاندماج في المجتمع.
ومن بين مبلغ الـ320 مليون دولار المرتبط بالتقدم في مجال الحقوق، فإن 85 مليون دولار مشروط بإحراز مصر "تقدماً واضحاً ومتسقاً في إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين، ومنع تخويف ومضايقة المواطنين الأمريكيين".
إطلاق سراح العشرات في مصر
لا تنشر مصر إحصائيات عن نزلاء السجون، ولم تستجب وزارتا العدل والداخلية لطلبات التعليق. وتقدر المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي مجموعة حقوقية مقرها القاهرة، أنه تم إطلاق سراح نحو 1800 سجين سياسي منذ يناير/كانون الثاني 2022، في حين تم اعتقال أكثر من 4000 منذ أبريل/نيسان 2023 من العام الماضي.
من جانبه قال محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات: "في العام ونصف العام الماضيين، مقابل كل إطلاق سراح، تم القبض على ثلاثة أشخاص جدد، نحن نسير إلى الوراء". كما وثقت منظمته 821 حالة اختفاء قسري خلال العام الماضي، عندما يختفي الأشخاص ببساطة لعدة أشهر أو سنوات في المرة الواحدة.
ولا يزال بعض أشهر السجناء السياسيين بمصر في السجن، وضمن ذلك مبرمج الكمبيوتر والناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، الذي أصبحت قضيته نقطة مضيئة خلال قمة المناخ COP27 التي عقدت العام الماضي في شرم الشيخ.
الحكم بحبس محمد عادل
في الأيام القليلة الماضية، حُكم على محمد عادل، المتحدث السابق باسم حركة الشباب 6 أبريل، المؤيدة للديمقراطية النشطة في ثورة مصر عام 2011، بالسجن لمدة أربع سنوات بتهم تتعلق بالتعبير. وكان قد أمضى بالفعل خمس سنوات في الحبس الاحتياطي.
كذلك وفي أغسطس/آب 2023، اعتُقل هشام قاسم، وهو زعيم ائتلاف معارض تم تشكيله حديثاً والناشر السابق لإحدى الصحف المصرية الرائدة، بتهم التشهير بوزير سابق والاعتداء اللفظي على ضباط أمن. وتصف جماعات حقوق الإنسان هذه الاتهامات بأنها سخيفة.
وفي الوقت نفسه، قال محمد سلطان، المدافع عن حقوق الإنسان، إنه يخشى على حياة والده صلاح سلطان، الأكاديمي السابق المقيم في الولايات المتحدة والمسجون في مصر منذ عام 2013. وقال سلطان: "نخشى ألا يتمكن من الوصول إلى العام المقبل"، زاعماً أن المشاكل الصحية التي يعاني منها والده قد أهملت من قبل السلطات. وألقى باللوم على إدارة بايدن في إثارة قضية والده ثم الفشل في الضغط بما يكفي من أجل إطلاق سراحه. وقال: "الآن، سيتطلب الأمر قيادة هائلة وشجاعة من الآخرين لإنقاذ حياة والدي".
هذا الصيف، ناشدت مجموعة من 11 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، بلينكن حجب كامل المبلغ البالغ 320 مليون دولار.
وقال مورفي لصحيفة The Washington Post: "إذا كانت الإدارة مهتمة بحماية حقوق الإنسان وتعزيز المصالح الأمريكية طويلة المدى في مصر، فيجب عليها حجب كامل المساعدات العسكرية".
ويأتي القرار بشأن المساعدات الأمريكية في منعطف حرج بالنسبة للسيسي، الذي من المتوقع أن يترشح لإعادة انتخابه مطلع العام المقبل. ويواجه المصريون تضخماً قياسياً وتزايد الفقر ونقص العملة الصعبة.
وتُعلَّق على قرار المساعدة أولويات أمريكية أوسع في الشرق الأوسط، من ضمنها تعزيز التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ومواجهة التقدم الإقليمي لبكين وموسكو.