على الواجهة البحرية لمنطقة كونيالتي في مدينة أنطاليا جنوبي تركيا، تقع منطقة "ليمان" بإطلالة نادرة في المدينة الساحلية التي يزورها سنوياً ما يقرب من 15 مليون سائح من مختلف أنحاء العالم.
حي ليمان في أنطاليا
منطقة ليمان يُعرف عنها روعة جمالها، لكنها تتميز أيضاً بخاصية أخرى لا توجد في أي منطقة تركية حتى الآن، حيث يعيش فيها ما يقرب من 4 آلاف أجنبي من 36 جنسية مختلفة، في سلام دون أي مشكلات، رغم اختلاف اللغات وثقافات ساكني المنطقة.
نتيجة لنظام تسجيل السكان على أساس التوزيع الجغرافي (ADNKS) الذي طبقته تركيا اعتباراً من نهاية 31 ديسمبر/كانون الأول 2022، وبحسب معهد الإحصاء التركي (TUIK)، ارتفع عدد السكان الجدد في أنطاليا بمقدار 68 ألفاً و172 ليصل سكان الولاية إلى مليونين و688 ألفاً.
بذلك، ارتفع عدد السكان الأجانب في المدينة بمقدار 35 ألفاً و541 ليصل إلى 172 ألفاً و487. وشهد عدد السكان الأجانب المقيمين في أنطاليا ارتفاعاً كبيراً بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
تصدرت مناطق مراد باشا وكونيالتي بالمدينة الوجهة الرئيسية للسكان الراغبين في الانتقال للسكن في المدينة الساحلية، حتى تجاوز سكان منطقة ليمان في منطقة كونيالتي الأحياء الأخرى، حيث يبلغ عدد سكانها الأجانب أكثر من 4 آلاف ساكن.
رئيس حي ليمان لا يتجول دون مترجم
ماهر بولوك رئيس حي ليمان (المختار)، يقول إنه في بعض الأوقات قد لا يستطيع الخروج للشوارع والطرقات بدون مترجم؛ لتسهيل التعامل مع سكان الحي وقاطنيه.
يضيف بولوك لوسائل الإعلام المحلية، أن أكثر الأجانب المقيمين في الحي هم من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان والعراق وفلسطين وإنجلترا.
وافتتحت بلدية كونيالتي عام 2014، حديقة في الحيّ ووضعت فيها الدمى الروسية التقليدية ماتريوشكا؛ من أجل السكان الروس في الحي.
يقول ماهر بولوك، الذي يشغل رئاسة الحي منذ 6 فترات: "مسافة حيّنا إلى وسط المدينة هي 10 كيلومترات، ومستوى التعليم فيها مرتفع، والمستوى الاقتصادي لساكنيه جيد".
ويتابع أن "الناس الذين يعيشون في حيّنا لا يتأثرون بذلك، ولدينا مركز صحي وحديقة ومنطقة سوق، والتنقل من وإلى الحي يسير جدا بلا مشاكل".
ويكشف عن أنه "كان لديّ 1680 ناخباً فيما مضى، أما اليوم فلدينا أكثر من 10 آلاف ناخب".
ويؤكد بولوك أن الناس من 36 جنسية يعيشون في الحي، ويضيف: "بينما يتجه الأجانب الذين يأتون إلى حينا لتعلم اللغة التركية، أطلب أنا المساعدة من أصدقائي المترجمين في الحي الذي أسكن فيه؛ للمساعدة في الحديث مع السكان، فأنا لا أستطيع تعلم 36 لغة".
ويتابع بولوك: "الكل هنا يختلط ببعضه البعض؛ ولذلك تعد منطقة ليمان هي أقل الأحياء التي تقع فيها حوادث النظام العام والجريمة مقارنة بأنطاليا كلها؛ رغم وجود 36 جنسية"، مضيفاً: "هذا حي آمن للغاية مقارنة ببقية أحياء أنطاليا".
من جانبها تقول ألينا سيفيم: "لقد غادرت أوكرانيا منذ 15 عاماً، وأنا سعيدة للغاية بالعيش هنا في هذا الحي، وأعلم أن هناك 36 جنسية أخرى تعيش في حينا"؛ مضيفة أنها ترى الناس من جنسيات مختلفة في الشارع، لكنها توقن أن "الجميع يحب العيش هنا".
فيما تضيف نيشي هيفيش التي تعيش في الحي منذ 3 سنوات، وتعمل مترجمة لـ9 لغات: "أنا من قارص، لكننا انتقلنا إلى كازاخستان منذ سنوات، ومن هناك جئنا إلى هنا، وأنا سعيدة لوجودي في هذا الحي؛ إنه حي لطيف للغاية، وهو أجمل مكان في أنطاليا".
تأتي قصة هذا الحي في الوقت الذي تتصاعد فيه لهجة العنصرية في البلاد، في حين هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مَن وصفهم بـ"أصحاب العقلية الفاشية"، مهدداً باللجوء إلى القضاء، بعد موجة عنصرية تعرَّض لها اللاجئون أو بعض فئات المجتمع، بسبب "توجهاتهم المحافظة".
وأرجع أردوغان أسباب تصاعد خطاب العنصرية إلى أن بعض المسؤولين من المعارضة يتبنونه، مشدداً على أن ""كل شخص في تركيا، سواء أكان مواطناً يحمل الجنسية، أو أجنبياً، يحق له العيش بسلام والتعبير عن رأيه".
وكان الرئيس التركي صرح كذلك في تصريح آخر: "لا يمكننا أن نسمح للعنصرية وكراهية الأجانب، التي ليس لها مكان في تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا، بالانتشار في مجتمعنا".
ووصف من يقومون بذلك بأنهم "عدد قليل من الجهلاء، يحاولون أن يلطخوا السجل النظيف لبلدنا الذي كان ملجأً للمضطهدين والمظلومين لقرون عدة".
يذكر أن تركيا تشهد ارتفاعاً في حدة الخطاب العنصري ضد السوريين والأجانب، تقوده أحزاب معارِضة، على رأسها حزب "النصر"، الذي يقوده اليميني المتطرف أوميت أوزداغ.
وتقول السلطات التركية إنها تشنّ حملة أمنية ضد الهجرة غير الشرعية، مستهدفة الذين دخلوا أراضيها بطريقة غير رسمية، واصفة وقوع أجانب موجودون على أراضيها بطريقة شرعية ضحية لهذه الحملة بأنها ناجمة عن "أخطاء فردية وقع بها عناصر أمن"، متعهدة بحل هذه المشكلة.