قادت مجموعات هندوسية قومية هذا الصيف موكباً دينياً عبر منطقة ذات أغلبية مسلمة في ولاية هاريانا، الواقعة شمال الهند، مما أثار أعمال شغب طائفية. تمثل الموجة من العنف الطائفي استمراراً للهجمات المتواصلة ضد المسلمين الهنود في البلاد خلال السنوات الأخيرة، تماشياً مع استراتيجية "هندوتفا" التي تستهدف استقطاب الأصوات قبيل الانتخابات العامة الحاسمة في 2024.
كيف يغذي مودي أعمال الشغب المناهضة للمسلمين قبيل انتخابات 2024 في الهند؟
شهد العنف الطائفي في منطقة نوه بولاية هاريانا، استهداف الحشود للأعمال التجارية المملوكة للمسلمين، وإشعال النيران في المتاجر والسيارات وفي مسجدٍ محليٍّ. قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، وانتشرت التوترات في الوقت ذاته إلى مناطق محلية أخرى.
في غضون أيام قليلة من الاضطرابات، نزلت الجرافات بسرعة على المجتمع المسلم في نوه، وهُدمت مئات المنازل بحجة أنها مباني غير قانونية. وسُوّي بالأرض أكثر من 1200 مبنى، مملوكة بصفة أساسية للمسلمين، كما يقول هاريس زارغار، الباحث الهندي في المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية (ISS) التابع لجامعة إراسموس روتردام الهولندية في مقال له بموقع Middle East Eye البريطاني.
من جهته، قال وزير داخلية ولاية هاريانا، أنيل فيج، إن "الجرافات يمكن أيضاً أن تكون جزءاً من الإجراء العلاجي" ضد من شاركوا في العنف، لكن السلطات أكدت لاحقاً أن المباني كانت مُشيَّدة بصورة غير قانونية: وهو ادعاء يشكك فيه السكان المحليون، الذين قالوا إنهم لم يتلقوا أي إشعار سابق.
جرافات مودي تهدم المجتمع المسلم في الهند
يقول هاريس زارغار إن حملة الهدم تعكس نمطاً متكرراً في الولايات التي يحكمها الحزب الحاكم الهندوسي القومي، بهاراتيا جاناتا، حيث صارت الجرافات تحمل صورة رمزية للآلات المستخدمة في فرض القانون والنظام. وتعمل بوصفها أداة خارج نطاق القضاء لإزالة منازل المسلمين، وشركاتهم، وأماكن العبادة الخاصة بهم.
في 7 أغسطس/آب 2023، أوقفت المحكمة العليا في بنجاب وهاريانا أعمال الهدم، وقالت: "تثير هذه المشكلة أيضاً مسألة ما إذا كانت المباني المملوكة لمجتمعٍ محددٍ تُهدم تحت قناع القانون ومشكلة النظام، وهي ممارسة تطهير عرقي تنفذه الدولة".
تكشفت آثار العنف الطائفي في تسلسل مألوف: أُجبرت العائلات المسلمة على الفرار من المنازل، انخرطت هيئات إنفاذ القانون في حملة اعتقالات تعسفية ضد المسلمين الشباب ورموز المجتمع، وهدمت السلطات منازل المتهمين بإثارة العنف.
عنف طائفي بدعم ورعاية الدولة الهندية
الأحداث التي سبقت العنف المشهود في منطقة نوه، تتماشى أيضاً مع نمط متكرر، وهو نمطٌ تَأَكَّد في تقرير نُشر هذا العام عن طريق مبادرة Citizens & Lawyers Initiative، التي سلطت الضوء على "القواسم المشتركة" في تسليح المناسبات الدينية بوصفه ذريعة لارتكاب أعمال العنف ضد مجتمعات الأقلية.
وجد التقرير أن العنف الطائفي أدى دائماً إلى تحركات تدعمها الدولة، بما في ذلك الهدم غير القانوني للمنازل والمتاجر، واستهداف الأشخاص الذين يوصفون بالعناصر "المثيرة للشغب" أو "المعادية للمجتمع". أثار العنف الذي ترعاه الدولة "أزمة نزوح" تعاني منها الأسر المسلمة، التي تُركت بلا منازل أو أُجبرت على الفرار؛ خوفاً من التعرض لمزيد من المضايقات عن طريق الدولة.
يعجّ التاريخ السياسي للهند بالصراعات الدينية والعرقية والطائفية، التي حوّلتها الأحزاب اليمينية القومية الهندوسية إلى سلاح لحشد الناخبين الهنود قبيل الانتخابات الرئيسية. منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة في 2014، فقد تسبب تصاعد موجات التطرّف العنيف ضد الأقليات الدينية في تهديد التزام الهند بالعلمانية، مع تكرر الهجمات ضد الصحفيين والمجتمع المدني ومنتقدي مودي وحزبه الحاكم.
كان مودي طيلة حياته عضواً في منظمة التطوع الوطنية (RSS)، وهي منظمة عسكرية تعمل بوصفها مظلة لمجموعات هندوتفا المتنوعة. وليس سراً أن مودي وحزبه الحاكم استخدموا الجهاز التنظيمي لمنظمة RSS والجماعات المنضوية تحتها، لتنسيق الصراعات الطائفية؛ من أجل جني المكاسب السياسية قبيل الانتخابات المهمة.
تغذية العنف الطائفي تزيد نسب فوز حزب مودي في الانتخابات
من خلال تحليل آثار أعمال الشغب على حصة التصويت التي تحصل عليها الأحزاب الهندوسية القومية، وجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة ييل في عام 2014 أن "حزب بهاراتيا جانا سانغ/بهاراتيا جاناتا شهد زيادة بنسبة 0.8 نقطة مئوية في حصة التصويت التي حصل عليها في أعقاب أعمال شغب في العام السابق لأحد الانتخابات".
وجدت الدراسة، التي سلطت الضوء على الانتخابات بين عامي 1962 و2000، أن "انتخاب أحد أعضاء حزب الكونغرس الهندي في البرلمان الهندي بإحدى المناطق، صاحبه انخفاض بنسبة 32% في احتمالية اندلاع أعمال شغب في الانتخابات التالية"، وأضافت أن هناك احتمالية بوجود زيادة بنسبة 10% في وقوع مزيد من أعمال الشغب وخسائر في الأرواح تُقدَّر بالآلاف إذا خسر مرشحو حزب الكونغرس الهندي جميع الانتخابات المتقاربة.
"قوة مضاعفة"
يبدو هذا النموذج مستمراً في القرن الحادي والعشرين. بعد أعمال شغب ولاية كجرات عام 2002، بدأ مودي -الذي كان رئيس وزراء الولاية خلال المذبحة التي شهدت مقتل مئات المسلمين- في إحكام قبضته على مقاليد الحكم، وانطلق بوصفه زعيم هندوتفا القوي.
نتيجة للأحداث التي تكشفت في ولاية كجرات، عانى مودي من عزلة سياسية دولية، فحينها رفضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الأخرى إصدار تأشيرة له لدخول أراضيها لعدة سنوات بعدها. لكن الهندسة السياسية لحزب بهاراتيا جاناتا، القائمة على استقطاب الانتخابات، استمرت بلا هوادة.
بعد العنف المشهود هذا الصيف، وجدت لجنة تقصي حقائق مستقلة أن المجموعات المنضوية تحت لواء منظمة التطوع الوطنية (RSS)، نشرت "قوات عاصفة… لتتصرّف بوصفها قوة مضاعفة نحو تحقيق المنفعة السياسية".
ذكرت اللجنة، التي تألفت من صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان: "الدخول العدواني لجحافل هندوتفا الطائفية إلى المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في هاريانا ومنطقة العاصمة الوطنية، لم يكن إلا خطة لعب محسوبة لـ [تعزيز] فرص حزب بهاراتيا جاناتا في المعارك الانتخابية قبيل الانتخابات العامة 2024، وخلالها".
ترددت وجهة النظر هذه على لسان المحلل السياسي راجيش راماشاندران، الذي جادل بأن أعمال الشغب الطائفية في نوه كشفت عن موقفٍ استشعر فيه شاغلو المناصب، الذين يواجهون ضعفاً على صعيد الانتخابات، بالحاجة إلى الانغماس في الاستقطاب الطائفي. وفي هذا السياق، استُخدمت "قوات العاصفة" لهندوتفا، لتكون "قوة مضاعفة" لحزب بهاراتيا جاناتا.