كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الخميس 31 أغسطس/آب 2023، تفاصيل عن الاحتياطات التي كان يتبعها منذ فترة طويلة يفغيني بريغوجين، فقد كان قائد فاغنر شبه العسكرية دائم الشك في أنه معرض للاغتيال.
بحسب الصحيفة، فقد كانت طائرة "إمبراير ليغاسي 600″، التي سقطت وقتل فيها قائد فاغنر، مجهزة بمعدات للكشف عن المراقبة، ونوافذ ذكية ملونة إلكترونياً ومقاعد جلدية بيضاء.
وعلى متن الطائرة، سعى بريغوجين إلى التهرب من شبكة متزايدة من العقوبات وقوائم المطلوبين، وفقاً لضباط سابقين في القوات الجوية الروسية، ومنشقين عن فاغنر، ومسؤولين أفارقة وشرق أوسطيين وأشخاص آخرين مطلعين على روتين سفره.
كانت طائراته التي تنطلق في كثير من الأحيان من قاعدة تشكالوفسكي الجوية في موسكو أو المطارات المدنية القريبة لزيارة العملاء في سوريا أو ليبيا أو عبر الصحراء، تغلق بانتظامٍ أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، وتختفي من شاشات تتبع الطائرات.
كما كان أفراد الطاقم، المعروفون بحملهم جوازات سفر مزورة، يقومون بمراجعة قوائم الركاب قبل الإقلاع مباشرة، ثم يقومون بمراقبة الحركة الجوية في منتصف الرحلة، للإعلان عن تغيير مفاجئ للوجهة.
العيش "هارباً"
ومنذ أن كان شاباً في شوارع سانت بطرسبرغ الصعبة نفسها مثل فلاديمير بوتين، مروراً بفتراته في السجن ودوره كرجل أعمال الحرب الأكثر تأثيراً في روسيا، حتى أصبح أخيراً العضو الوحيد في الدائرة الداخلية لبوتين الذي يتحداه، قضى بريغوجين حياته كلها وهو يشحذ قدراته على العيش هارباً.
لكن لم يكن ذلك كافياً لإنقاذه، فقد سقطت طائرة رجل الأعمال العسكري البالغ من العمر 62 عاماً، في مرجٍ يبعد نحو 40 ميلاً من مقر إقامة بوتين على ضفاف البحيرة في 23 أغسطس/آب، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
وقدَّر المسؤولون الأمريكيون أن الطائرة تحطمت نتيجة لمؤامرة اغتيال. وقالت الحكومة الروسية إنها تحقق في سبب الحادث لكنها لم تقدم تفسيراً. وقامت بتجريف الموقع، رغم معايير السلامة الدولية التي تدعو إلى الحفاظ عليه.
في السنوات التي سبقت الحادث، وضع بريغوجين وطاقمه إجراءات متقنة لإخفاء خطط رحلته، واختبار حدود مدى سهولة الطيران الخفي عبر عشرات المطارات الأجنبية دون أن يُكتَشف.
ولتتبُّع تحركات بريغوجين، قامت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية بمراجعة سجلات الطيران التي قدمتها خدمة تتبع الطائرات فلايت رادار 24، من العام 2020 على الأقل.
وعرضت الولايات المتحدة، التي فرضت مع نحو 30 دولة أخرى عقوبات على أمير الحرب وشركاته في السنوات الأخيرة، مكافأةً قدرها 10 ملايين دولار مقابل القبض عليه، واعتمدت في ذلك على الشركاء الأفارقة وضمن ذلك النيجر، لمنع طائرته من الهبوط أو السماح لها بعبور الصحراء.
الدعامة الأساسية لأسطوله، وهي طائرة إمبراير ليغاسي 600 البالغة قيمتها نحو 10 ملايين دولار، غيَّرت تسجيلها واختصاصها القضائي عدة مرات منذ أن استحوذت عليها شركة مقرها سيشيل مرتبطة ببريغوجين في عام 2018 من شركة مسجلة في جزيرة آيل أوف مان البريطانية، وهي ملاذ ضريبي، وفقاً لوثائق راجعتها الصحيفة.
كان بريغوجين يتنقل أحياناً بين طائرتين أو ثلاث طائرات مختلفة في رحلة واحدة باتجاه واحد إلى البلدان الأفريقية، حيث أبرمت فاغنر عقوداً لحماية القادة والمجالس العسكرية الوطنية. وقبل الهبوط، كان يسأل طاقمه عن مدى قرب تفاعل الموظفين على الأرض مع الطائرة.
وكثيراً ما كان يعقد اجتماعات خفية أو على مدارج الطائرات في طائرته في حال تعرضه للتهديد بالاعتقال واضطر إلى الخروج بسرعة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، هبط بريغوجين في قاعدة جوية بشرق ليبيا للقاء خليفة حفتر، مرتدياً زياً عسكرياً ونظارات شمسية داكنة وكانت لديه لحية نامية زائفة.
عزَّز بريغوجين الإجراءات الأمنية بشكل أكبر بعد تمرده المجهض في يونيو/حزيران، والذي زحف فيه بجيش المرتزقة متجهاً إلى موسكو. وعندما كان يحلّق داخل روسيا، توقف عن الطيران من قاعدة موسكو الجوية أو مهابط الطائرات العسكرية الروسية الأخرى، وتوقف أيضاً عن استخدام الطائرات الحكومية التابعة لوزارة الدفاع المدني، وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع.
انطلق بريغوجين في جولته الأفريقية الأخيرة في أغسطس/آب، من مطار تجاري هادئ يقع على بعد 20 ميلاً جنوب شرقي العاصمة، وأضاف نفسه إلى قائمة الركاب قبل وقت قصير من إقلاعه.
وعقب عودته إلى روسيا بعد الرحلة الأخيرة إلى أفريقيا، أقلع مرةً أخرى على متن طائرة إمبراير ليغاسي 600 من موسكو متجهاً إلى سانت بطرسبرغ في 23 أغسطس/آب الجاري.