مازال قرار توسع بريكس بضم دول جديدة، من بينها ثلاث دول عربية هي مصر والسعودية والإمارات يحمل كثيراً من الغموض، وهناك تكهنات كثيرة حول منهج التوسع الذي اتبعه التكتل، وأسبابه وتأثيراته، ولكن يبدو أن الأمر له علاقة بسوق الطاقة بشكل كبير.
فاجأ أعضاء بريكس المصوّتون- البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- المراقبين بهذا التوسع الكبير لبريكس، والذي بدا أنه تجاوز بعض الدول الأقوى اقتصادياً واختار دولاً أفقر، ولكن الأعضاء يرونها مؤثرة، فلم يتم ضم إندونيسيا أو نيجيريا مثلاً، بينما تم ضم إثيوبيا الأفقر منهما والأقل سكاناً.
سوف يُسمح الآن لهذه البلاد بالحصول على عضوية التحالف التجاري، وهي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والإمارات وإيران. صحيح أن هذا يمثل خطوة استثنائية، تصاحبها تداعيات جيوسياسية محتملة هائلة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
ويلفت التقرير إلى ردة الفعل الصامتة بطريقة ما تجاه هذه الخطوة، من جانب الحكومات الغربية والصحافة الغربية.
ويعرض التقرير 8 آثار تتعلق بالطاقة سوف تترتب على توسع بريكس:
بعد توسع بريكس بات يسيطر على نسبة أكبر من الإنتاج العالمي للنفط
يستنتج تحليل حديث نُشر في موقع VisualCapitalist.com أن التوسع الجديد لتحالف بريكس سوف يمثل الآن مجتمِعاً 43% من الإنتاج العالمي للنفط.
ويشير تقديرٌ حديثٌ لشركة Statisa إلى أن منظمة أوبك تسيطر على 38% من الخام العالمي؛ ولذلك فإن الآثار السياسية لـ"توسع بريكس" تبدو واضحة.
السعودية أكبر مصدر للنفط، وتعتبر مركزاً للعالم الإسلامي بفضل احتضانها للبقاع المقدسة، وصادراتها غير النفطية تتجاوز 70 مليار دولار، كما أن إيران والإمارات لديهما احتياطات نفطية هائلة ومن كبار المنتجين للنفط في العالم، ولديها آفاق كبيرة لزيادة الانتاج.
إليك نسبة التكتل من الاقتصاد العالمي
مع أن بعض المراقبين ادعوا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي لتحالف بريكس تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول الصناعية السبعة (G7)، فإن إضافة هذه البلاد الستة، التي تتضمن السعودية، التي يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لها تريليون دولار، يبدد كل الشكوك.
ونفس التحليل المذكور سلفاً الذي أجراه موقع VisualCapitalist، استناداً إلى البيانات المتاحة للجمهور، يستنتج أن تحالف بريكس سوف يهيمن الآن على 29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وبكل وضوح تمثل الطاقة محركاً كبيراً لهذه الهيمنة الاقتصادية.
هل يؤدي التوسع لتعزيز التعاون بين السعودية وروسيا بشأن أسعار النفط؟
بوصفهما طرفين رئيسيين في مجموعة أوبك بلس، تصارعت السعودية وروسيا في كثير من الأحيان فيما بينهما، حول وضع السياسة الرسمية لتلك المجموعة.
كان هذا ملحوظاً للغاية في مارس/آذار 2020، عندما تسبب صراع كبير بين البلدين في شبه انفصال تام للتحالف لوقت مؤقت، وأدى إلى انهيار أسعار النفط بدرجة كبيرة لتصل في أحد الأيام إلى أقل من الصفر.
سوف يكون من المثير للاهتمام رصد ما إذا كان تزايد التعاون بين البلدين بعد توسع بريكس، سوف يعمل على تخفيف الصراعات الأخرى داخل عمليات أوبك بلس.
سيزداد سوق النفط تعقيداً
فضلاً عن أنه صار قوة رئيسية على صعيد إمدادات النفط الخام، كان تحالف بريكس بالفعل يضم أول وثالث أكبر مستوردي النفط في العالم، وهما الصين والهند على التوالي.
لفت خبراء الطاقة، مثل دانييل يرغن، نائب رئيس منصة "إس آند بي غلوبال"، خلال العام ونصف العام الماضيين، الانتباه إلى التشعب المتزايد على صعيد تجارة النفط العالمية التي نتجت في الأساس عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
بقدر ما يقوِّي هذا التوسع العلاقات الجديدة والمعززة على صعيد تجارة النفط بين شركاء تحالف بريكس، فإنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام الذي يطرأ على ما كان في السابق سوقاً عالمياً واحداً للسلعة الأكثر تداولاً على مستوى العالم.
ومن شأن انضمام السعودية وإيران والإمارات، لتجمع يضم روسيا، تنسيق السياسات بين هذه الدول التي تعد الأهم في مجال تصدير النفط، بدلاً من تنافسهما كما يريد الغرب.
كما أن التشعب الذي يتسم به سوق النفط بعد حرب أوكرانيا، مفيد للصين والهند، لأنه جنبهما جزءاً من ارتفاع أسعار النفط، لأنم يشترون النفط الروسي بأسعار أرخص من المعدلات العالمية.
هل يؤدي توسع البريكس لتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؟
أصر قادة السعودية على مواصلة مساعيهم للانضمام إلى تحالف بريكس، رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة والدول الغربية لإقناعهم بعدم المضي قدماً في هذه الخطوة.
لم تقتصر هذه الجهود على تواصل وزارة الخارجية، بل تضمنت أيضاً زيارة إلى الرياض في الصيف الماضي، من قِبل الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه.
لماذا ضم بريكس إثيوبيا؟
يتساءل البعض لماذا ضُمَّت إثيوبيا إلى التحالف التجاري بالنظر إلى مستواها المتواضع على الصعيد الاقتصادي. الدافع الأول الواضح هو أن إثيوبيا صارت مشاركاً مهماً في مبادرة الحزام والطريق الصينية. في يناير/كانون الثاني أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين غانغ الصحفيين بأن "الصين تدعم إثيوبيا على صعيد الاضطلاع بدور أكبر في الشؤون الإقليمية والدولية، وهي على استعداد للتواصل والتعاون مع إثيوبيا عن كثب، وأن يصير البلدان شريكين يشتركان في حماية النزاهة والعدالة الدولية".
فضلاً عن ذلك، تحتل إثيوبيا موقعاً جيوسياسياً استراتيجياً، إذ تقع عند مدخل البحر الأحمر، الذي يقود إلى قناة السويس، التي تعد طريقاً تجارياً رئيسياً لنفط الشرق الأوسط وغالبية السلع الأخرى.
ما علاقة انضمام مصر بالطاقة؟
مصر ورغم أنها لا تملك احتياطيات نفطية كبيرة مثل السعودية والإمارات، فإنها تحتل موقعاً استراتيجياً، خاصة امتلاكها قناة السويس التي تقع على طريق التجارة العالمية، وتضم كتلة سكانية تفوق 105 ملايين نسمة، وتحتضن جامعة الدول العربية، واقتصادها يعد الثاني بعد نيجيريا من حيث الناتج الداخلي الخام.
كما أنه بفضل الاكتشافات الكبيرة الأخيرة التي توصلت إليها في الـ20 عاماً الماضية تقريباً، تحتل مصر الآن المركز الـ13 في ترتيب أكبر منتجي الغاز الطبيعي.
يتجاوز هذا كمية الغاز الطبيعي التي تنتجها كبرى الدول المصدرة للنفط، مثل الإمارات والمكسيك والبرازيل، ولعل هذا الأمر هو ما أسهم في قرار ضمها، حسب المجلة الأمريكية.
ولماذا تم ضم الأرجنتين؟ فتِّش عن الطاقة أيضاً
صحيحٌ أن الأرجنتين ليست في الوقت الحالي من القوى النفطية، لكن حقول فاكا مويرتا للصخر الزيتي تحمل آفاقاً بأن تصير قوة كبيرة في أسواق الغاز الطبيعي العالمية، بمجرد استكمال مشروع أنابيب ضخم قيد التطوير في الوقت الراهن.
رغم التغطية المتواضعة نسبياً في الصحافة الغربية، فإن هذا التوسع الذي طرأ على تحالف بريكس يأتي مع مجموعة كبيرة من التداعيات الجيوسياسية المؤثرة المحتملة. وليس من قبيل المفاجأة أن عديداً من هذه الآثار تتعلق بتعاظم النفوذ الذي ستحظى به المجموعة في الأسواق العالمية والعلاقات التجارية المتعلقة بالنفط الخام، وأيضاً الغاز الطبيعي، ولكن بدرجة أقل.