في ذكرى إعدامه.. لماذا “يتطرف” الناس في موقفهم تجاه سيد قطب؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/29 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/29 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
سيد قطب/ الشبكات الاجتماعية

تمر اليوم الذكرى السابعة والخمسين لإعدام سيد قطب، هذا الرجل الذي اختلف حوله الكثيرون، وما زال اسمه مثاراً للجدل والنقاش رغم كل هذه السنين التي مرت على رحيله، فمن هو سيد قطب كما أراه..

سيد قطب في سطور

ما زال سيد قطب إبراهيم (09 أكتوبر 1906 – 29 أغسطس 1966) مفكر وأديب مصري له إنتاج كبير في قضايا الفن والأدب والسياسة والفكر. تتميز كتاباته بالقوة والأصالة والعمق والتحليل. ومن أكبر أعماله تفسيره (في ظلال القرآن)، الذي ألفه وهو في السجن. حُكم عليه بالإعدام لمواقفه السياسية ضد نظام جمال عبد الناصر (1918 – 1970).

الموقف المتطرف من سيد قطب

وإذا كان "الظلم من شِيَم النفوس"، كما يقول أبو الطيب المتنبي، فقد كان حظ سيد قطب من هذا الظلم موفوراً إذْ ظُلِم مرتَين اثنتَين حين ظلمه صنفان من الناس: صِنفٌ أحبه حباً كبيراً فأخرجه هذا الحب عن حدود الاعتدال والمعقولية والاتزان. وآخر كرهه كرهاً كبيراً فنسب إليه كل المصائب والمثالب وأنواع العنف والغلو والإرهاب.

إن هذا الموقف المتطرف من سيد قطب موقف "طبيعي"؛ لأن الحب كالكُره، كلاهما يُعْمي ويُصِم، وقد يقود صاحبَه إلى مواقف ومآلات تحتاج إلى استدراك وتصحيح. وهذا الموقف، أيضاً، ليس بسلوك غريب؛ لأننا نحن العربَ مَفتونين بالأضداد، ومَهْووسين بالتطرف والمغالاة في العواطف والمواقف، ويَغيب عن وَعْينا، دائماً أو غالباً، إيجادُ الميزان الصحيح في المواقف المختلفة وتحقيق توازن الميول في الآراء المتباينة والمصالح المتداخلة. ولا نجد النَشْوة كلها والعظمة جُلَها إلا في احتضان المغالاة واتخاذها وسيلة وغاية، بل منهجاً وتَديُّناً أحياناً! 

تقدير الشخصيات الإنسانية وليس تقديسها 

إن سيد قطب، رحمه الله، من الشخصيات الكبيرة المتميزة ذات الإبداع الأصيل والعطاء الممتد،  وذات السياحات الكبرى في العوالم والأكوان. وإن التعامل مع مثل هذه الشخصيات والموقف منها وابتلاء تُراثها لا يكون إلا بقيام أمرَين اثنَين أراهما أساسيَّين: أول الأمرَين هو تحقيق الاقتراب منها بشكل من الأشكال بأنْ تعيش معاناتها، أو أنْ يُصيبك شيء من هذه المعاناة؛ لأن سيد قطب فكر ثاقب وروح مُشتعل. وهذا الروح المُشتعل لا يَقترب من فَهمه ولا يَدنُو من عالمه، ولا يفوز بتذوق معانيه واستيعاب أفكاره والدوران في فَلَكه إلا من أُوتيَ رُوحاً شقيقاً، أو أُوتيَ رُوحاً أصابه شَيءٌ من هذا الاشتعال، أو كان قريباً منه أو يكاد، وإلا فسيكون كالمُصاب بعَمَى الألوان، لا يَهتدي ولا يَستَبين.

الأمر الثاني: المطلوب حين التعامل مع هذه الشخصيات والموقف منها يقتضي تحكيم مبدأ واحد لا شريك له، وإقامة ميزان واحد لا غَير، وهو: التقدير لا التقديس، أيْ تقدير الشخصيات الإنسانية لا تقديسها. والتقدير يقتضي أنْ نتعامل مع الشخصية الإنسانية التي هي محل الدراسة والبحث والنقد أو الموازنة والعَرْض على أنها شخصية إنسانية خالصة، في المقام الأول، لها ما لها وعليها ما عليها، ذاكرين ضعفها وقوتها، ومُبْرزين تدفقها ونُضَوبها واقفين عند إضافاتها النوعية وإخفاقاتها البَيِّنة؛ لأنه ليس أحدٌ من الناس إلا يُؤخَذ من قوله ويُتْرَك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم…أما التقديس فهو خروج بهذه الشخصية الإنسانية عن وَضعها الإنساني الأول الذي يقتضي الضعف والنقص والقصور. وإن سيد قطب، رحمه الله، شخصية إنسانية يَسْري عليها ما يَسْري على جُموع الأناسي من أوصاف النقص والقصور، ويُصيبها ما يُصيب الآدميِين من الخطأ والنسيان والغفلة والسَهو والعجز والافتقار. 

الاستئناس بمبادئ علم الجَرح والتعديل في النقد والحكم

وإذا عُدْنا إلى الكُتاب والمُبدعين الكبار وأساطين العلم والمعرفة، في الحضارة الإسلامية، لا نجدهم يخرجون عن تحكيم هذا الميزان في إثبات المواقف والعواطف وإصدار الأحكام. وهذا الميزان الذي يتناول الشخصية الإنسانية بكُلِّيتها: بفَضْلها ونَقْصها وقوتها وضعفها وإضافاتها النوعية وإخفاقاتها البيِنة، ولا يأخذ الأمور عِضِين ولا يتناول هذه الشخصيات الإنسانية أجزاء وتفاريق هو الذي نجد له أصداء كبرى وأسماء لامعة في علم كبير في الحضارة الإسلامية لا وجود له في أي حضارة أخرى، وهو فرع من علم الحديث، هو علم الجَرْح والتعديل الذي يدل بمَبناه ومعناه على أهميته وعظمته وتميزه وسَبْقه.

هذا هو الميزان القِسط الذي كان سائداً في البيئات العلمية المختلفة إبان قوة الحضارة الإسلامية وإشعاعها. ولكن الذين جاءوا من بَعدُ تنكَبوا قليلاً أو كثيراً عن هذا الميزان، فاختلطت عليهم الأمور كما تختلط الألوان على المُصاب بعَمَى الألوان.

الموقف المتَّزن والرأي الصواب

بعد هذه التقدمة التي لا مَندوحة عنها نصل إلى إثبات موقف، أظنُه صواباً، خلاصتُه أن سيد قطب مَعْلَم من معالم الثقافة العربية والإسلامية الحديثة وعَلَمٌ من أعْلامها الكبار. وقد أَغْنَى المكتبة العربية بسَيل كبير من الإنتاج ذي القوة والعمق والأصالة والسَبق. وإبداعه الغزير في مواضيع الفن وقضايا النقد والأدب ودراساته الإسلامية المختلفة ونظريته في "التصوير الفني في القرآن" و"ظِلالُه" و"عدالتُه" و"خَصائصُه" و"معالمُه" وإنتاجه الكبير في السياسة والفكر وإضافاتُه النوعية في نقد الفلسفات والإيديولوجيات وتحليلها وتفكيكها… كل أولئك هو إبداعٌ، نَسِيجُ وَحْدِه، وهو جدير بالنشر والقراءة والاهتمام وهو حَقيق، أيضاً، بالنقد والتصويب أو التصحيح والاستدراك.

مقتطفات من كتاب "أفراح الروح" 

كتاب "أفراح الروح"  هو، في الأصل، مجموعة خواطر بعثها سيد قطب إلى أخته أمينة. وقد نشرتها لأول مرة مجلة "الفكر" التونسية في مارس 1959.    

– "حين نعتزل الناس لأننا نُحس أننا أَطْهر منهم روحاً أو أَطْيَب منهم قلباً أو أَرْحَب منهم نفساً أو أَذكَى منهم عقلاً لا نكون قد صَنعنا شيئاً كبيراً…لقد اخْتَرنا لأنفسنا أَيْسر السُبل وأقلَها مؤونة. إن العَظَمة الحقيقية أنْ نُخالط هؤلاء الناس مُشبَّعين بروح السماحة والعَطف على ضُعفهم ونَقصهم وخَطَئهم، ورُوح الرَّغبة الحقيقية في تَثقيفهم وتطهيرهم ورَفعهم إلى مُستوانا بقَدر ما نستطيع. وليس معنى هذا أنْ نتخلَى عن آفاقنا العُليا ومُثُلنا السامية أو أنْ نتملَّق هؤلاء الناس ونُثْني على رذائلهم أو أنْ نُشْعرَهم أننا أَعْلى منهم أفُقاً. إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسَعَة الصدر لِما يتطلبه هذا التوفيق من جُهد هو العظمة الحقيقية".

– "عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة: تبدأ من حيث بَدأنا نَعِي وتنتهي بانتهاء عُمرنا المحدود. أما عندما نعيش لغيرنا، أيْ عندما نعيش لفكرة فإن الحياة تبدو طويلة عميقة: تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض. إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة: نربحها حقيقة لا وَهْماً. فتصوُّر الحياة على هذا النَّحو يُضاعف شعورَنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا… وليست الحياة بِعَدّ السنين ولكنها بعِداد المشاعر… لأن الحياة ليست شيئاً آخرَ غَير شُعور الإنسان بالحياة. جَرِّدْ أيَ إنسانٍ مِنَ الشعور بحياته تُجَرِّدْه من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي. ومَتَى أحسَ الإنسان شُعوراً مضاعَفاً بحياته فَقَد عاش حياة مضاعفةً فعلاً".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دلاوي نصر الدّين
أستاذ جزائري
أستاذ جزائري
تحميل المزيد