شهد ملف المعتقلين في تونس تحركاً جديداً من السلطات بالتمديد للموقوفين بتهم "التآمر على أمن الدولة" لأربعة أشهر إضافية، في حين أكد محامون عنهم لـ"عربي بوست"، أن ما يجري بحق المعتقلين المعارضين لـ"اعتبارات سياسية، وليست قضائية".
جاء القرار من قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بالتمديد للمعتقلين بأربعة أشهر إضافية، بعد انتهاء فترة الاحتفاظ الأولى بستة أشهر.
وقال المحامي سمير ديلو إن التمديد شمل السياسي عبد الحميد الجلاصي، وخيام التركي، وغازي الشواشي، ورضا بالحاج، وعصام الشابي، وجوهر بن مبارك.
وأكد المحامي سمير ديلو لـ"عربي بوست" أن "الدفاع قام فور إعلام منوبيه بالتمديد، باستئناف القرار"، موضحاً أن الآجال القانونية للنظر فيه تكون في حدود 8 أيام.
وستنظر دائرة الاتهام (جهة قضائية متخصصة)، الخميس 31 أغسطس/آب 2023، أيضاً في مطالب الإفراج عنهم.
وسبق أن تقدمت هيئة الدفاع عن المعتقلين في تونس مرات عدة بطلبات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكن تم الرفض، باستثناء طلب لعضو جبهة "الخلاص"، شيماء عيسى، والمحامي الأزهر العكرمي، بعد أن قضيا 5 أشهر بالسجن.
وتم إيقاف جميع هؤلاء منذ شهر فبراير/شباط 2023، فيما يعرف بملف "التآمر على أمن الدولة"، وتوسعت الإيقافات في هذا الملف.
وفق المحامين، فإن هناك أكثر من 3 ملفات في قضية التآمر، وشمل التحقيق أسماء مقربة من النظام.
عشرات الموقوفين، والقرار "سياسي"
عن إمكانية قبول طلب إطلاق سراح المعتقلين في تونس، قال المحامي سمير بن عمر لـ"عربي بوست": "كل شيء وارد، فالأمر يخضع لاعتبارات سياسية، وليست قضائية".
وأكد المحامي، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، أن "ملف المعتقلين في تونس سياسي، على خلفية معارضتهم للنظام القائم".
واعتبر عضو هيئة الدفاع أن "إطلاق سراح المعتقلين رهن إرادة السلطة الحالية بذلك أم لا، فالأمر يعود للتطورات السياسية والضغوطات على المستوى الوطني والخارجي"، على حد تعبيره.
وتختلف ملفات الموقوفين في تونس من "التآمر على أمن الدولة"، و"التسفير إلى بؤر التوتر والإرهاب"، وقضية "إنستالينغو" المتعلقة بالتآمر ضد أمن الدولة والتجسس، وغيرها.
بحسب هيئة الدفاع في حديثها لـ"عربي بوست"، فإن عدد المعتقلين في تونس سياسياً يتجاوز 40 موقوفاً.
قضية الغنوشي
من بين الذين سيتم النظر في ملفاتهم في 24 أغسطس/آب 2023، رئيس البرلمان المنحل، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الصادرة بحقه 3 بطاقات إيداع، على خلفية تصريح في مسامرة رمضانية وبطاقة عن محكمة سوسة في ملف "إنستالينغو".
ومن بين الموقوفين أيضاً الصادرة بحقهم بطاقة إيداع في اليوم ذاته، مدير مكتب الغنوشي، أحمد المشرقي، والقيادي بمجلس الشورى يوسف النوري.
وصدرت بطاقات إيداع بحق الوزير السابق محمد بن سالم، والوزير السابق نور الدين البحيري، والقيادي الحبيب اللوز، المشمول أيضاً بالبحث مع القاضي الموقوف البشير العكرمي في الملف ذاته، وفق المحامي سمير بن عمر.
وأوضح المحامي أن "القاضي العكرمي له عدة ملفات مفتوحة"، واصفاً الملف الذي صدرت على خلفيته بطاقة إيداع بحقه بـ"المضحك"، مشيراً إلى أنه تمت دعوته منذ يومين للتحقيق، ورفض المثول أمام القاضي، "لأنه يعلم غياب شروط المحاكمة العادلة، وأن القضاء يعمل تحت ضغوطات"، وفق تعبيره.
وقال محامي الدفاع العياشي الهمامي: "نحن كدفاع لا نتوقع صراحة اتخاذ قرار بالإفراج عن المعتقلين في تونس، بل سيتم التمديد لهم، على الرغم من أن جميع الشروط متوفرة لإطلاق سراحهم".
وأضاف الهمامي، في تصريح خاص لـ"عربي بوست": "نحن على يقين أن شروط التمديد غير متوفرة، ولا يوجد أي جديد فيها، بل المفروض ألا يتم الإيقاف أصلاً".
واتهم الهمامي القضاء بأنه "غير مستقل، وأن الرئيس سعيد هو من يتحكم بالقضاة، ومصيرهم بات بمجرد مرسوم، وهنا نتذكر جيداً حادثة عزل 57 قاضياً، لذلك فإن القضاة يشعرون بالخوف".
ومنذ يونيو/حزيران 2022، عزل 57 قاضياً بمرسوم رئاسي. وعلى الرغم من صدور حكم قضائي ببطلان إجراءات العزل بحق 49 منهم، فلم يتم تطبيق قرار إرجاعهم لعملهم.
ولفت الهمامي إلى أنه "من المفروض أن يكون للسلطة وعي بأن ما يحصل ظلم وقهر. هي تتصور أنها تخيف من يفكر بالمعارضة، ولكن نحن نقول إن هذه شهادة يومية حية على ما تقوم به هذه السلطة من تعسف".
وقال: "هناك عشرات الموقوفين، والنقطة الجامعة بين ملفاتهم أن إيداعهم السجن قرار سياسي، خاصة أنه لا تتوفر لهم شروط المحاكمة العادلة، ولو كان القضاة يعملون دون خوف، فنحن على قناعة تامة بأن أغلب الملفات قد تم إغلاقها، ولا وجود لعشرات الموقوفين".
ولفت كل من المحامي بن عمر والهمامي إلى ملف رئيس الحكومة ووزير الداخلية السابق علي العريض الموقوف منذ قرابة السنة، موضحين أنه جرى إيداعه على خلفية التحقيقات في ملف "التسفير"، وقد تم التمديد له، وفي سبتمبر/أيلول 2023، سيتم إنهاء التحقيق معه.
وضعيات صحية سيئة
وقالت هيئة الدفاع عن المعتقلين في تونس إن ظروفهم داخل السجن "قاسية وصعبة جداً".
وأعلنت الهيئة بعد صدور قرار التمديد أنه تم نقل المعتقلين السياسيين في "سيارة التعذيب"، ما تسبب في أضرار بليغة لعصام الشابي، أمين عام "الحزب الجمهوري"، بعد سقوطه في السيارة، ما استوجب نقله للمستشفى للعلاج.
وأضافت الهيئة أن السياسي خيام التركي وغازي الشواشي تعرضا أيضاً لأضرار بدنية.
وسبق أن أكدت هيئة الدفاع في أكثر من مرة، أن مندوبيهم يعانون من أزمات صحية، "وهو ما بات يهدد حياتهم، خاصة أن أغلبهم تجاوز سن 60 سنة"، وفق بيانات عدة لها.
وأفادت هيئة الدفاع عن السياسي القيادي السابق في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، بأنه تعرض لأزمات حادة على مستوى الكلى، ما استوجب نقله على وجه السرعة للمستشفى في أكثر من مرة، وتم إخضاعه لعملية جراحية منذ يومين، وتم إعلامه بقرار التمديد وهو في المستشفى.
وقالت منية إبراهيم، زوجة عبد الحميد الجلاصي، إن وضعه "متدهور، ويعاني من آلام حادة، والتقيته الإثنين 14 أغسطس/آب 2023، وشاهدت حالته الصحية متدهورة".
وحذرت إبراهيم في تصريح لـ"عربي بوست" من أن "حياته في خطر"، وقالت: "أشعر بالخوف الشديد عليه، لأن علامات الأزمات في الكلى مقلقة جداً، بالنظر لأن زوجي مصاب بالسرطان أيضاً".
والجلاصي سجين سياسي سابق قضى 16 عاماً في سجون نظام بن علي، وتم إيقافه في فبراير/شباط 2023، في ملف "التآمر على أمن الدولة".
وقال المحامي العياشي الهمامي إن "الحالة الإنسانية لعبد الحميد الجلاصي موجعة جداً".
في حين وصف المحامي سمير بن عمر أوضاع السجناء، بأن "عدداً منهم وضعيتهم هشة جداً، وهم مهددون في حياتهم وسلامتهم الجسدية".
وأفاد بن عمر بأن "رئيس البرلمان راشد الغنوشي، والوزير السابق محمد بن سالم، والشيخ الحبيب اللوز، والصحبي عتيق، والجلاصي، وغيرهم، يعانون أمراضاً مزمنة، وتجاوزت أعمارهم سن الـ60 عاماً، وحياتهم مهددة".
جدير بالذكر أن النائب السابق الصحبي عتيق، نفّذ إضراباً عن الطعام لمدة أكثر من شهرين، وهو ما أثر على وضعه الصحي وفق الدفاع عنه.
وقال الدفاع عن النّائب السّابق أحمد العماري، إنه "في ظروف قاسية جداً في السجن، وإنه يقبع في غرفة ضيّقة مكتظّة، لا يتوافر فيها الماء الصّالح للشّراب ولا للاستعمال اليومي".
وقال المحامي سمير ديلو إن النائب العماري يعاني "من المماطلة في تمكينه من العلاج، حيث كان من المفروض أن يجري عمليّة جراحيّة على عينيه منذ شهر مايو الماضي، حيث تضاءلت الرّؤية إلى 0% في إحدى عينيه وإلى 30% في العين الأخرى".
وبتاريخ 21 آب/أغسطس الجاري تتجاوز مدة سجن المعتقلين 6 أشهر، وعليه سينظر القضاء في جميع الملفات؛ إما بالتمديد أشهراً إضافية أو الإبقاء عليهم بحالة سراح.