بعد أسابيع من الغموض والتكهنات بشأن مصير قائد القوات الجوية الروسية سيرغي سوروفيكين، المقرب من مجموعة فاغنر، أكد الإعلام الرسمي الروسي، الأربعاء 23 أغسطس/آب 2023، أن بوتين أقاله من منصبه، وذلك قبل ساعات من تحطم طائرة كانت تقل رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، وسط أنباء عن مقتله.
يعد سوروفيكين (56 عاماً) من القادة المخضرمين، وحضر الكثير من الحروب التي خاضتها موسكو، بدءاً من الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، مروراً بالتدخل العسكري في سوريا، وصولاً إلى العمليات في أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
عُرف سيرغي سوروفيكين بأساليبه الوحشية، واستراتيجيته العسكرية الصارمة في أوكرانيا، وقبلها في سوريا، لكن علاقته بمجموعة فاغنر المسلحة وزعيمها يفغيني بريغوجين أطاحت بالجنرال من قيادة القوات الجوية الروسية في خضم الحرب.
ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن مصدر لم تسمه قوله: "تم إعفاء القائد السابق للقوات الجوية الروسية سيرغي سوروفيكين من منصبه"، في إطار تغييرات في هيكلية الجيش.
موقفه من تمرد فاغنر
نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية، أن سوروفيكين كان على علم مسبق بمخططات بريغوجين بشأن محاولة التمرد التي بدأها بالفعل، وأنه قد يكون اعتُقل.
لكن الكرملين نفى المعلومات من دون أن يلغي ذلك الغموض الذي يلف مصيره.
ففي ليل 23-24 يونيو/حزيران، ظهر سوروفيكين بشكل مثير للريبة في شريط مصور، وحضَّ مقاتلي فاغنر على التراجع، بعدما دعاهم بريغوجين إلى التمرد.
ووضع الجنرال الحليق الرأس، المعروف بتعابير وجهه المتجهمة، بندقية على فخذه وقال: "أتوجه إلى مقاتلي مجموعة فاغنر وقائدها (…) دمنا واحد، نحن مقاتلون، أطلب منكم التوقف"، ووضع حد للتمرد المسلح "قبل فوات الأوان".
بعد أقل من 24 ساعة عادت قوات فاغنر التي كانت بدأت التوجه نحو موسكو أدراجها، منهيةً التمرد بعد اتفاق مع الكرملين من رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو.
منذ ذلك الحين غاب سوروفيكين عن الحيز العام، ما أثار تكهنات بشأن توقيفه أو إقالته.
وفي يوليو/تموز، قال رئيس لجنة الشؤون الدفاعية في الدوما، أندري كارتابولوف، إن سوروفيكين "يرتاح الآن، يتعذر الاتصال به في الوقت الحالي".
مسيرة سيرغي العسكرية
كان الجنرال الطويل القامة وذو البنية الجسدية الضخمة يعد أوثق حلفاء فاغنر في وزارة الدفاع، حتى حين كان بريغوجين يصعّد من انتقاداته العلنية للوزير سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، ويتهمهما بعدم الكفاءة في إدارة حرب أوكرانيا.
تم تعيينه في مايو/أيار وسيطاً رسمياً بين الجيش ومجموعة فاغنر، في أعقاب اتهام بريغوجين للقيادة العسكرية بالإخفاق في تزويد مقاتليه بالذخيرة التي يحتاجونها للقتال في أوكرانيا.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عُيّن سوروفيكين قائداً للقوات الروسية في أوكرانيا، في خطوة لاقت ترحيب بريغوجين.
لكن هذه المهمة لم تدُم سوى 3 أشهر، قبل أن يُعهد بقيادة هذه القوات إلى رئيس الأركان غيراسيموف.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتحت إمرة سوروفيكين، انسحبت القوات الروسية من مدينة خيرسون والضفة اليمنى لنهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا، في انتكاسة عسكرية ثقيلة لموسكو.
اختار سوروفيكين الجو مجالاً للرد على خسارة الميدان، فكان مهندس حملة من القصف الجوي والصاروخي خلال الخريف والشتاء، طالت بنى تحتية أوكرانية.
بقي الضابط الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام الغربية لقب "جنرال يوم القيامة"، حاضراً في رأس الهرم، حتى بعد إبعاده من منصبه رسمياً.
قائد "مجنون"
صرَّح خبير عسكري روسي لوكالة الأنباء الفرنسية، أن سوروفيكين "معروف جداً، الجيش يتحدث عنه كثيراً، وله سمعة بأنه قائد مجنون ومصاب بصدمات الحرب وقاس".
وأضاف الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "الرئيس فلاديمير بوتين يوقره، وفي سوريا طرد الضباط من هيئة الأركان العامة ليذهب هو ويقود الهجمات".
وأشار محللون إلى أن سوروفيكين قاد حتى الخريف الماضي القوات الروسية في جنوب أوكرانيا، التي حققت النجاحات الأبرز في الميدان منذ بدء الغزو.
ورجَّح المدون العسكري ريبار، الذي يتابعه أكثر من 1,2 مليون مشترك، أن يكون إعفاء سوروفيكين من مهامه تم عملياً "مباشرة في أعقاب" تمرد فاغنر، مشيراً إلى أن ذلك ليس بالضرورة "إدانة" له، بل قد يكون إجراء مؤقتاً.
اتكأ القائد المخضرم الذي بات من رموز الشراسة العسكرية الروسية، إلى تراكم تجاربه الميدانية: الغزو السوفييتي لأفغانستان، حرب الشيشان الثانية مطلع القرن الحادي والعشرين، والتدخل في سوريا اعتباراً من العام 2015 إلى جانب قوات نظام الرئيس بشار الأسد، ما أكسبه لقب "الجزار السوري".
قبل تعيينه قائداً للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، كان سوروفيكين، المولود في سيبيريا، أحد قادة القوات الروسية في سوريا.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 2020 إنه كان من بين الضباط الروس "الذين قد يتحملون مسؤولية" الانتهاكات هناك، بما في ذلك الهجمات على المدارس والمستشفيات.
وهو معروف أيضاً لدوره في الانقلاب الفاشل ضد ميخائيل غورباتشوف عام 1991، الذي أذن ببدء سقوط الاتحاد السوفييتي. وسُجن سوروفيكين بعدما قتلت مجموعة تأتمر به 3 متظاهرين مؤيدين للديمقراطية، لكن أطلق سراحه بعد بضعة أشهر.