فيما تتواصل الأزمة الإسرائيلية الداخلية فقد ظهرت دعوات مفاجئة من الائتلاف والمعارضة، بضرورة تشكيل حكومة وحدة لحلّ هذه الأزمة، يترأسها رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو، زعيم حزب "الليكود".
وبموجبها يتم إقصاء الأحزاب المتطرفة، أمثال "الصهيونية الدينية" برئاسة بيتسلئيل سموتريتش، و"العصبة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، مقابل جلب بيني غانتس رئيس "المعسكر الوطني"، ويائير لابيد زعيم حزب "هناك مستقبل".
وعديدة هي فوائد هذه الحكومة، كما يروج لذلك الداعون لها، أبرزها التوافق على التعديلات القضائية، وترميم العلاقة مع الإدارة الأمريكية، والدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية، أما سلبياتها فيزعم معارضوها أن من شأنها زعزعة الائتلاف اليميني، وإمكانية الدعوة لانتخابات مبكرة.
مع العلم أن أصحاب هذه الدعوات يعتبرون شخصيات مركزية في الائتلاف والمعارضة، ويمثلون تأثيراً على نتنياهو ولابيد، بل إن هناك أحاديث إسرائيلية بأن تكون هذه الدعوات مدفوعة بتوجيه من واشنطن، التي ما زالت تقاطع الحكومة الحالية.
مداولات الكواليس
مع استمرار الأزمة الإسرائيلية الداخلية المستحكمة، ظهرت دعوات جديدة من الوزراء وأعضاء الكنيست من صفوف الائتلاف والمعارضة لتشكيل حكومة وحدة، وسط تفسيرات عديدة لموقف كلّ منهما.
وقد زادت هذه الدعوات بعد ساعات قليلة من مصادقة الكنيست على قانون إلغاء سبب المعقولية، أواخر يوليو/تموز 2023، شهدت الساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية نقاشات مكثفة بشـأن إمكانية تشكيل حكومة موسعة.
ويسمي البعض هذه الحكومة بـ"الوحدة وطنية"، والبعض الآخر وصفها بـ"حكومة طوارئ"، باعتبارها ذات أهمية سياسية وضرورة أمنية، والأهم من ذلك أنها خطوة أساسية لتهدئة العاصفة الداخلية التي أدخلت الدولة في أخطر أزمة عرفتها.
بقليل من التفصيل، ففي مثل هذه الحكومة التي بدأ بعض الإسرائيليين يذكرون تفاصيل تشكيلها، فإن ياريف ليفين لن يكون وزير القضاء، لأنه "مفجّر" الانقلاب القانوني، ولن يكون سيمحا روثمان رئيساً للجنة الدستورية، أما الفاشي إيتمار بن غفير فلن يكون وزيراً للأمن القومي، وكل ذلك كفيل بإسقاط مستوى الخوف السائد في معسكر الاحتجاج الرافض للانقلاب القانوني.
مع العلم أن حاجة الإسرائيليين لمثل هذه الحكومة ظهرت منذ بداية الأزمة أوائل العام، ومع مرور الوقت أصبحت ضرورية منذ اللحظة التي وصل فيها الاحتجاج مستويات غير مسبوقة، بإعلان الجيش عن تنامي ظاهرة "التمرد" في صفوف الاحتياط، فضلاً عن شيوع تصريحات تحضّ على كراهية الإسرائيليين لبعضهم، ما أسهم بخلق وضع قد يجرّهم لسيناريوهات لم يعتقد أنهم سيصلون إليها.
انقسام الإسرائيليين
تزامن صدور هذه الدعوات بتشكيل حكومة الوحدة، مع ما نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" من نتائج استطلاع أظهر أن 35% من الجمهور يفضل حكومة وحدة وطنية، و27% يفضلون حكومة يسار- وسط، و29% يفضلون حكومة يمينية كاملة، كما هي اليوم.
أما صحيفة معاريف، فقد أظهر استطلاع أجرته انقساماً في الرأي العام حول تشكيل حكومة وحدة تضم الليكود و"يوجد مستقبل"، والمعسكر الوطني برئاسة نتنياهو، ففيما أيد غالبية ناخبي الليكود والمعسكر الوطني تشكيلها، فإن غالبية ناخبي "يوجد مستقبل" يرفضونها.
فيما كشف آخر استطلاع لشهر يوليو أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن غالبية الجمهور الإسرائيلي ضد حكومة الوحدة، ما يكشف أن الانقسام السياسي في الدولة يتعمق، ويظهر فجوات كبيرة في تصور الحلّ لدى أنصار الائتلاف والمعارضة، حيث عارض 46% فكرة حكومة طوارئ تحلّ فيها أحزاب الوسط محل أحزاب الصهيونية الدينية، أما 39% فيؤيدونها.
دوافع المؤيدين
بدا لافتاً أن أهم المبادرين في الحديث عن مثل هذه الحكومة هو يوآف غالانت، وزير الأمن، الذي سبق له أن تحدّى رئيسه بنيامين نتنياهو في مارس/آذار، ويعتبر أن إسرائيل بحاجة لحكومة وحدة قومية في ظل أزمتها الداخلية، حتى لو اضطر للتخلي عن منصبه، لأنه يعتبر أن تشكيلها هو الخطوة المطلوبة في الوضع الحاصل في أجهزة الدولة المعطلة في: الأمن، الصحة، القضاء، العلاقات مع واشنطن، جاهزية الجيش.
ويعتبر غالانت أن نتنياهو هو المطالب بأخذ زمام المبادرة، ويوجه الدعوة علانية لخصومه الحاليين، لابيد وغانتس، ويدعوهما للانضمام لحكومته الموسعة، وسط توقعه بأن يقبلا الدعوة في هذه اللحظة الحاسمة، حيث يعتقد حزب الليكود أن لابيد له مصلحة بتشكيل هذه الحكومة بسبب تآكل شعبيته في استطلاعات الرأي، وأن الاحتجاجات المتصاعدة لا تترك له مساحة للمناورة.
داعٍ آخر لتشكيل هذه الحكومة هو عضو الكنيست أليعازر شتيرن من حزب "هناك مستقبل"، الذي أكد أنه سيكون سعيداً بتلقي اقتراح بتشكيلها، وإجراء نقاش حولها، وهو لا يستبعد ذلك، لأنه لم يكن أبداً ضدها.
دعوة ثالثة لتشكيل هذه الحكومة أطلقها عضو الكنيست ماتان كاهانا من المعسكر الوطني، الذي أصدر ما سماه "مخطط إنقاذ الدولة من أزمتها"، ويستند لتشكيل حكومة وحدة، بموجبه يكون نتنياهو رئيساً للوزراء لمدة عامين، وفي غضونهما تجري انتخابات، ثم يتقاعد، ويعود لمنزله.
ويعتقد عضو الكنيست أن مثل هذه الحكومة ستقدر على رأب الصدع الداخلي العميق، وتفسح المجال لجميع أجزاء المجتمع الإسرائيلي، وتوحّد الجيش، وتتعامل مع التهديدات الخارجية المتزايدة من حولها، وتجلب التطبيع مع السعودية، وتعيد الاقتصاد، وثقة الأسواق العالمية.
مع العلم أن بعض البنود "الضمنية" لتشكيل حكومة الوحدة القادمة، إن كتب لها النجاح، تشمل اتفاقاً بين مكوناتها الجديدة تضمن لنتنياهو ألا يقضي باقي عمره في السجن بسبب إدانته بتهم الفساد، من خلال سنّ قانون في الكنيست يوفر له الحصانة بعد انتهاء ولايته الدستورية، أو الاتفاق مع رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، الداعم لتشكيل هذه الحكومة، لإصدار عفو عام عن نتنياهو، وبذلك يتم طيّ الملف مرة واحدة، وإلى الأبد.
أوفير أكونيس، وزير العلوم والتكنولوجيا أعلن دعمه لتشكيل حكومة الوحدة، مؤكداً استعداده للتضحية بمنصبه في سبيل إقامتها، وكشف عضو الكنيست موشيه سعدة من الليكود عن دعمه لصالح تشكيل حكومة الوحدة، باعتبارها الطريق الصحيح للمجتمع الإسرائيلي، وأي شخص يريد الانضمام لها مرحب به في صفوفها.
من جهته أشار الوزير الليكودي ميكي زوهار، المقرب من نتنياهو، أنه "لا يؤيد مقاطعة باقي الأحزاب، بل سنكون سعداء بتوسيع الحكومة وفقاً للمبادئ الأساسية، أي شخص يريد الانضمام إليها هو موضع ترحيب، ولكن ليس على حساب شخص آخر، مقاطعة جمهور معين ليست هي الطريقة".
فيما أكد الجنرال عوزي ديان، مستشار الأمن القومي السابق، ونائب رئيس أركان الجيش: "نحتاج لتشكيل حكومة طوارئ وطنية، لأنها الشيء الوحيد الذي سيحل المشكلة الداخلية في إسرائيل، إن تشكيل حكومة طوارئ وطنية الآن هو الحل العاجل لهذه الأزمة".
تمزّق الليكود
لم يقتصر الأمر على صدور هذه الدعوات من مقاعد المعارضة والائتلاف، بل باتت مسألة تشكيل حكومة الوحدة سيناريو يُناقَش في الغرف المغلقة بين صفوف الائتلاف، خاصةً أن غانتس يُذكر عادة كإمكانية واقعية للشراكة مع الليكود، الذي يعتقد كبار مسؤوليه أن لابيد له مصلحة بتغيير الاتجاه، بسبب تآكل شعبيته في استطلاعات الرأي العام، وفقدان الأسبقية أمام غانتس، مع أن حزبه أصبح موطناً للفصيل الأكثر تشدداً في الاحتجاج على التغييرات القانونية.
ورغم نفي المعارضة الرسمي، وبشدة، للشراكة مع نتنياهو بوصفه سيناريو خيالياً، لكن وراء الكواليس تشهد قيام الطرفين بفحص الحالة المزاجية باستمرار، وفي كل مرة يتم الحديث عن حكومة الوحدة، يبدأ على الفور بممارسة الضغط على لابيد وغانتس من المعارضة والائتلاف.
اللافت في هذه الدعوات أنها أظهرت حزب الليكود الحاكم ممزّقاً داخلياً، فغالبية أعضائه في الكنيست يعارضون الحكومة المسماة "المختلطة"، ربما خوفاً على مواقعهم الحزبية، والنتيجة أن تباين هذه الآراء في صفوفه سيكون ثمنه تفككاً داخلياً فيه.
في المقابل، لم يعد سرّاً أن الولايات المتحدة من أكثر الجهات الداعمة لتشكيل مثل هذه الحكومة التي سيكون على رأس تغييراتها الجوهرية الإطاحة برموز اليمين الديني وأقطاب الانقلاب القانوني، وحينها سيكون نتنياهو مرحّباً به في البيت الأبيض، إن كان على يمينه غانتس وعلى يساره لابيد.
ذرائع الرافضين
في الوقت الذي كشفت فيه السطور السابقة تقارب مواقف المؤيدين لتشكيل هذه الحكومة من كلا المعسكرين، فإن مواقف المعارضين لها تبدو متباعدة جداً.
فقد وصف قادة الاحتجاج على الانقلاب القانوني الأفكار المعلنة لتشكيل حكومة وحدة بـ"الكارثة"، واتهموا مروّجيها بأنهم لا يمثلون الجمهور الذي انتخبهم للكنيست، لأن مثل هذه الحكومة ستبقي المتهمين بقضايا الفساد في السلطة.
واعتبر المعارضون أن الانضمام لهذه الحكومة يعني أنها ستقود الإسرائيليين للدمار، حتى أن لابيد رفض إمكانية تشكيلها طالما بقي نتنياهو موجوداً، لأنه فقد كل اعتبار بالمصلحة الوطنية، وكل ما يهمه نفسه، مع أنه أبدى موافقته على تشكيل حكومة وحدة مع الليكود، ولكن ليس مع نتنياهو.
وكان لابيد قد أكد أن "هذه لن تكون حكومة وحدة، بل حكومة استسلام، وبعد أن ندخلها بخمس دقائق سنكتشف أننا في حكومة يرأسها متهم فاسد يفضل مصالحه الشخصية على مصلحة الدولة".
لكن المعطيات الميدانية تشير إلى أنه قابل للتفاوض على هذا السيناريو، خشية أن يخسر زعامة المعارضة لصالح غانتس الذي يفضّل البقاء في المعارضة على تشكيل حكومة الوحدة؛ لأنه يعتقد أنه سيفوز في الانتخابات المقبلة، فاستطلاعات الرأي تمنحه رصيداً انتخابياً يجعله غير متشجع للانضمام مع لابيد لحكومة نتنياهو.
ميراف كوهين، الوزيرة السابقة وعضو الكنيست من حزب "هناك مستقبل"، ذكرت أن "حكومة الوحدة تدليس وخدعة، لأنه من المستحيل التعامل مع نتنياهو، لقد كنا جميعاً معه، ورأينا أن مراعاة مصلحته الشخصية تفوق دائماً مصلحة الدولة، والحل هو الاستمرار في تطوير بديل حقيقي أيديولوجي وحازم يسقط هذه الحكومة السيئة".
زئيف إلكين، رئيس كتلة المعسكر الوطني في الكنيست، أكد أن "حكومة الوحدة سيناريو وهمي في الوقت الراهن، مستبعداً إمكانية تشكيلها في هذه المرحلة، وفي الوقت الحالي لا يرى علامة على ذلك، إنه سيناريو خيالي، صحيح أنه في كثير من الحالات، تكون حكومة الوحدة هي الاتجاه السليم، لكننا في وضع خاص يبحث عنه نتنياهو وسيلة لتحقيق الهروب، وإيجاد حلّ بطريقة أخرى لمشاكله الشخصية".
ويعتبر الرافضون لتشكيل هذه الحكومة من صفوف المعارضة أنها لن تؤدي لوحدة الإسرائيليين، بل سوف تسهم بمزيد من زرع بذور الانقسام والكراهية بينهم، واستسلاماً للمتطرفين اليمينيين، وانحناءً أمام الفاشيين، ومقدمة لزرع الفتنة والفوضى، وتفكيك الدولة من الداخل، وستضرّ فقط بالهدف المشترك المتمثل بالإطاحة بالمخطط القانوني.
في المقابل، فإن رافضي تشكيل هذه الحكومة من صفوف الائتلاف لديهم تبريرات أخرى، فرئيس الائتلاف الحاكم أوفير كاتس من الليكود رفض تشكيل مثل هذه الحكومة، "بزعم أن الحكومة الحالية لم تستنفد نفسها إطلاقاً، وسيستمر العمل مع التحالف القائم، حتى ينهي ولايته الدستورية بأكملها، وما زال أمامه ثلاث سنوات ونصف".
أما عضوة الكنيست تالي غوتليب من الليكود فهاجمت المقترح بشدة؛ لأنه يشعرها بالقلق، لأن مثل هذه الحكومة لن تكون قادرة على العمل، بل ستقوّض الليكود، واصفة الشركاء المحتملين لهذه الحكومة بأنهم من شوّهوا الحكومة الحالية منذ ثمانية أشهر، وأثاروا الكراهية تجاهها.
الصهيونية الدينية، بزعامة سموتريتش، رفضت وبقوة، أي نقاش حول هذا الموضوع في جدول الأعمال، سواء في الاستوديوهات أو المحادثات غير الرسمية، فيما بعث إيتمار بن غفير برسالة لحزب الليكود، جاء فيها أنه إذا كان يُفضل حكومة وحدة فسيحصل هو وشركاؤه على 30 مقعداً في الكنيست في الانتخابات المقبلة، وليس 14 كما هو اليوم فقط.
انحراف سياسي
ترى الأحزاب الدينية الصهيونية في الائتلاف الحاكم أن تشكيل حكومة وحدة، وفي هذا الوقت، يعتبر خطأ فادحاً، وانحرافاً سياسياً، بزعم أنها لا تقوم على شراكة حقيقية، بل ستضرّ بإرادة غالبية الجمهور "اليميني"، ولن تشكّل حلّاً لحالة الفوضى السياسية في الدولة القائمة منذ خمس سنوات، بل إن مثل هذه الحكومة ستؤسس نظاماً شمولياً.
أكثر من ذلك، يرى هؤلاء اليمينيون أن حكومة الوحدة المرتقبة تعني استبدال حكومة منتخبة بأخرى غير منتخبة، وتعتمد على آليات غير منتخبة من الجيش والمحكمة والشرطة، كما أنها تفتقر للشراكة، بل حكومة تؤسس لمزيد من الفوضى، بزعم أن التجربة الإسرائيلية مع كل أنواع حكومات الوحدة سيئة.
ويعتبر اليمين أن الحكومة الجديدة لن تزيد الأوضاع إلا سوءاً، لأنها لم تعالج المشاكل الجوهرية، بل زادت المسافة بين الاتجاهات السياسية، وتدعي هذه الأوساط أن حكومة الوحدة ليست حلاً عند مواجهة مشاكل وجودية، زاعمة بأن هذه الحكومة ستؤدي، في أحسن الأحوال، لإدامة "قمع" سلطة الأغلبية اليهودية لصالح اليسار، واستمرار دولة بدون سيادة القانون.
أكثر من ذلك، فإن أوساط الائتلاف، لا سيما من اليمين الديني الحاخامي، تزعم أن تشكيل حكومة الوحدة سيتم على أساس "تمرّد" عسكري ناجح، بحيث ستكون حكومة "دمية" بأيدي الجيش وأجهزة الأمن التي لا تخفي معارضتها للانقلاب القانوني الحالي.
وبالتالي، فإن ذلك يعني استقالة حكومة قائمة، وتمنع تنفيذ الوعود الانتخابية التي أعلنها معسكر اليمين، واستبدال أحزاب التحالف بأحزاب معارضة شاركت في تنظيم الاحتجاجات، مما يعني احتيالاً سياسياً واضحاً.
حكومة تسبق التمرّد
يظهر السرد التاريخي أن حكومات الوحدة تجربة سياسية تم تنفيذها في إسرائيل عدة مرات، وكلها تم تكوينها عشية دخول الدولة في أزمات كبرى، وهو ما حصل مع حكومة الوحدة الأولى التي تعاملت مع أزمة حرب 1967، وحرب الاستنزاف أواخر الستينات وأوائل السبعينات، الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثمانينيات، الانتفاضتين الفلسطينيتين 1987، و2000، الانسحاب من غزة 2005، أزمة كورونا.
ولكن مع انتهاء كل أزمة، عادت السياسة الإسرائيلية إلى حالتها السابقة، وكما يبدو فإن الأزمات التي دفعت الإسرائيليين لتشكيل حكومات الوحدة أو الطوارئ كلها أمنية أو اقتصادية، إلا أن الأزمة الحالية مختلفة، فهي أزمة سياسية واجتماعية تمسّ جذور الخلاف بين مختلف قطاعات المجتمع، وتوشك أن تدفع الإسرائيليين إلى شفا حرب أهلية، ويأمل العديد منهم بطيّ صفحتها، والذهاب للخطة "ب" بتشكيل حكومة الوحدة، مما يطرح سؤالاً مهماً حول مدى اعتبارها حافزاً مهماً بدرجة كافية لتشكيلها.
في المقابل، فإن حكومة الطوارئ قد تكون الخيار الصحيح لحلّ الأزمة الإسرائيلية، لكن كما يبدو فإن هناك العديد من الصعوبات تعترض تشكيلها، صحيح أنه في أي دولة عالقة في أزمة دستورية وأمنية واقتصادية ومدنية واجتماعية خطيرة، شكّل إنشاء حكومة طوارئ أمراً واضحاً، لكن إسرائيل ليست طبيعية، لأن غانتس ولابيد غير مستعدين للجلوس في الحكومة برئاسة نتنياهو، بينما الأخير لا يستطيع أن ينفصل عن حلفائه الطبيعيين من اليمين الديني.
البروفيسور يحزقيل درور، أحد كبار خبراء الاستراتيجية الاسرائيلية، يعتبر أن إسرائيل دولة "مجنونة" بسبب هذه الظروف التي لا تشجع على تشكيل حكومة وحدة، لأنها تتطلب ضم غانتس ولابيد إلى نتنياهو، والأول ما زال يحمل معه صدمة حكومة الوحدة التي شكلها مع الأخير في 2020، وهي شراكة كلّفته "سمعته"، لأن نتنياهو ضلّله، ولم يكن ينوي منحه التناوب على رئاسة الحكومة، كما اتفقا على ذلك.
هناك من يرى سيناريو آخر يتعلق بأن تستند حكومة الوحدة إلى فكرة التناوب على رئاستها، بين نتنياهو ولابيد، ورغم نفي أحزاب المعارضة لهذه الفكرة، لكن بعض الدوائر السياسية والحزبية من الائتلاف والمعارضة على حدّ سواء، تعتقد أن الجو العام قد يدعمها بغرض تهدئة العاصفة الثائرة في الدولة، وفي غضون ذلك، قد تحصل كثير من التحركات، ولكن بعيداً عن الرادار.
من الأهمية بمكان أن نذكر أن اقتراح إقامة حكومة الوحدة يتزامن مع نشوب ما تصفه الحكومة الحالية ببوادر تمرّد في الدولة، أو عصيان مدني كما تقول المعارضة، وبالتالي فإن الدعوات لتشكيل حكومة الوحدة لا يعني أنها ستحلّ المشاكل الأساسية التي ظهرت في الشهور الثمانية الأخيرة، بل ستخلق أخرى جديدة، وستزيد من التوتر الخطير بين غالبية الجمهور اليهودي.