حددت إيكواس يوم "الغزو" وإن كانت لم تعلنه، وقادة الانقلاب في النيجر لا يبدون أي مؤشر على التراجع وإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة، فما الذي قد يحققه التدخل العسكري الذي تشجعه فرنسا؟
كانت إيكواس، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد أمهلت قادة الانقلاب في النيجر مهلة حتى 6 أغسطس/آب للتراجع، وإلا فالحرب ستندلع لا محالة. لم يتراجع قادة الانقلاب بل أعلنوا عن محاكمة بازوم بتهمة "الخيانة العظمى"، فاجتمع قادة جيوش إيكواس لاتخاذ قرار الحرب، وهو ما يبدو أنه تم بالفعل في قمة إيكواس الطارئة في غانا التي اختتمت الجمعة 18 أغسطس/آب.
لكن قادة الانقلاب في النيجر وافقوا على لقاء وفد من إيكواس للتفاوض ووصل الوفد بالفعل إلى العاصمة نيامي السبت، والتقى بزعيم المجموعة العسكرية، عبد الرحمن تشياني، والتقى الوفد أيضاً بالرئيس محمد بازوم.
ما موقف إيكواس الآن؟
متحدث باسم الرئاسة النيجيرية قال السبت إن وفداً من إيكواس التقى برئيس النيجر المعزول محمد بازوم خلال زيارته للعاصمة نيامي، وأضاف المتحدث أن الوفد عقد محادثات أيضاً مع قائد المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تشياني، بحسب رويترز.
ويأتي ذلك في إطار الجهود الساعية إلى متابعة السبل الدبلوماسية لإنهاء انقلاب 26 يوليو/تموز، ويشير قبول قادة الانقلاب لزيارة الوفد إلى استعداد محتمل للتفاوض، بعد أن شددت إيكواس تهديدها باستخدام القوة كملاذ أخير لاستعادة الديمقراطية، قائلة الجمعة إنها اتفقت على "يوم الزحف" لتدخل عسكري محتمل دون أن تعلن موعده.
وقال مصدر في إيكواس تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إنه رغم رفض زيارات من وفود المجموعة سابقاً، فإن رئيس الوزراء الذي عينه المجلس العسكري استقبل الوفد في مطار نيامي، وكان من المقرر أن يجري محادثات مع القادة العسكريين، وأضاف المصدر لرويترز أن الوفد وصل برئاسة القائد العسكري النيجيري السابق عبد السلام أبو بكر وضم رئيس مفوضية إيكواس عمر توراي.
ونشر المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية عبد العزيز عبد العزيز صورة للوفد في أثناء لقائه مع بازوم. وكتب عبد العزيز على منصة إكس، تويتر سابقاً "بعد الاجتماع مع (قائد المجلس العسكري) الجنرال عبد الرحمن تشياني، زار وفد إيكواس أيضاً الرئيس محمد بازوم في النيجر هذا المساء". لكن دون أن يفصح عن تفاصيل المحادثات ولا نتائجها.
لكن في خطاب بثه التلفزيون النيجري مساء السبت، قال تشياني إنه لا قادة الانقلاب ولا "شعب النيجر يريدون الحرب ويظلون منفتحين على الحوار". وحذر من أن النيجر مستعدة للدفاع عن نفسها إذا تطلب الأمر. وأضاف: "إذا تم شن عدوان ضدنا، فالأمر لن يكون مثل النزهة في الحديقة كما يعتقد البعض".
وفي الوقت نفسه، قال تشياني إن المجلس العسكري يطبق أجندته الخاصة وسيطلق حواراً وطنياً للتشاور حول الانتقال إلى الديمقراطية وهو "ما لا ينبغي أن يستغرق أكثر من ثلاثة أعوام".
لكن إيكواس رفضت خطة تشكيل حكومة انتقالية في النيجر لمدة 3 سنوات، وقال عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC إن الخطة الانتقالية لمدة 3 سنوات في النيجر، "غير مقبولة".
وأشار موسى إلى أن هذا المقترح ما هو إلا "ستار دخان" على الحوار والدبلوماسية. وأضاف أنه "كلما أسرع الجيش في إعادة السلطة إلى المدنيين والتركيز على مسؤولياته الأساسية مثل الدفاع عن وحدة أراضي النيجر، كان ذلك أفضل".
ما الموقف في النيجر؟
لا يبدو في النيجر أي مؤشرات على احتمال التراجع عن الانقلاب، فالمظاهرات الضخمة الداعمة لقادته لا تتوقف، وتجمع الآلاف من أنصار المجلس العسكري في استاد في نيامي السبت، حيث أدى الزحام إلى تأجيل إحصاء غير رسمي للمتطوعين المدنيين لأدوار غير عسكرية إذا لجأت إيكواس للقوة واندلعت الحرب فعلاً.
والمشاعر العدائية تجاه فرنسا، المستعمر السابق للبلاد، متفاقمة بصورة واضحة، وألغى المجلس العسكري في النيجر اتفاقيات التعاون العسكري والأمني والاقتصادي مع باريس، وهناك اتهامات للقوة الاستعمارية السابقة بأنها المحرض الرئيسي لإيكواس على القيام بشن هجوم عسكري على النيجر، رغم نفي باريس وإيكواس لتلك الاتهامات.
وبطبيعة الحال تعتبر فرنسا هي الخاسر الأكبر من انقلاب النيجر، آخر معاقل نفوذها في منطقة غرب إفريقيا، التي شهدت 7 انقلابات على الأقل خلال العامين الماضيين، دون أن تتحرك إيكواس بهذه الحدة كما يحدث الآن في النيجر.
ويشيد كثيرون في النيجر الآن بتعهد المجلس العسكري بمقاومة الضغوط الخارجية من أجل تنحيه، وهو مؤشر واضح على أن أي هجوم عسكري من جانب إيكواس على البلاد سيعتبر غزواً خارجياً، ليس فقط من جانب قادة الانقلاب بل أيضاً من جانب قطاعات عريضة من الشعب. وعلى الرغم من أنه من الصعب التنبؤ بما إذا كانت إيكواس ستُنفِّذ تهديداتها، خصوصاً بالنظر إلى التحديات الأمنية الداخلية التي تواجه نيجيريا، والتي يُفتَرَض عموماً أنَّها ستقود أي تدخل عسكري، إلا أن البعض يرى أن مصداقية التجمع الإقليمي أصبحت على المحك بينما يرى البعض الآخر أن باريس تضغط بقوة من أجل عدم التراجع.
وما يُعقِّد الأمور أكثر هي حقيقة أنَّ بوركينا فاسو ومالي -وكلتاهما محكومتان حالياً من مجلسين عسكريين- هدَّدتا بالقتال إلى جانب الانقلابيين في النيجر إذا ما تحرَّكت المنظمة لغزو البلاد، وكان تقرير لصحيفة The Independent البريطانية قد رصد قول محللين إنَّ البلدان الإقليمية تواجه أزمة شرعية مع نفاد الخيارات والوقت لاستعادة الحكم الديمقراطي في النيجر.
وكان موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في إيكواس، قد قال أمام قمة أكرا: "لا ينبغي لأحد أن يشك في أنه في حالة فشل كل الحلول، فإن القوات الباسلة في غرب إفريقيا.. مستعدة للاستجابة لنداء الواجب". وأخبر موسى رؤساء هيئة الأركان من الدول الأعضاء في الاجتماع "بكل الوسائل المتاحة، سيجري استعادة النظام الدستوري في البلاد".
ماذا عن موقف أمريكا من "الغزو"؟
للنيجر أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة تحديداً؛ بسبب دورها كمركز للقوات الأمريكية في القارة الإفريقية، وبالتالي فإن موقف واشنطن مما يجري الآن يعتبر بعداً من الصعب إغفاله. واللافت في هذا الإطار هو عدم استخدام البنتاغون ولا البيت الأبيض ولا حتى الخارجية الأمريكية لمصطلح "انقلاب عسكري" عند الحديث عما يجري في النيجر.
وفي تأكيد لاحتمال تعرض المصالح الأمريكية للخطر، قالت وزارة الخارجية الأمريكية السبت، إنها أرسلت سفيرة جديدة إلى النيجر "سينصب تركيزها الدبلوماسي على الدعوة لحل دبلوماسي يحافظ على النظام الدستوري" في البلاد.
والملاحظ هنا هو أن "الحفاظ على النظام الدستوري" لا يعني بالضرورة إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، وربما يكون إعلان تشياني عن خطة الانتقال إلى الحكم المدني خلال 3 أعوام محققاً للغرض الأمريكي، بحسب البعض.
وفي هذا الإطار، ألقى تحليل لمجلة Responsible Statecraft الأمريكية عنوانه "إيكواس تحدد يوم الغزو للتدخل في النيجر"، الضوء على المأزق الذي تواجهه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هناك.
وإذا ما فشلت الولايات المتحدة في منع الحرب، فإنها ستكون مضطرة لإخلاء قواتها المتمركزة في النيجر بأسرع ما يمكن حتى لا تجد نفسها مشتركة في حرب إقليمية: "سيكون على الولايات المتحدة على الأرجح أن تخلي قواتها من النيجر إذا ما تحولت تهديدات إيكواس إلى واقع".
وتُعَد القاعدة الجوية الأمريكية، الواقعة قرب مدينة أغاديز الشمالية الصغيرة في النيجر، هي نقطة الانطلاق الرئيسية لكل عمليات واشنطن الاستطلاعية والاستخباراتية في غرب إفريقيا تقريباً. وجرى وقف تحليق أسطول الطائرات دون طيار الأمريكية في المنطقة، والذي كان يعمل سابقاً من القاعدة، منذ الانقلاب عقب قرار المجلس العسكري إغلاق المجال الجوي النيجري.
وبشكل عام، يرجع تاريخ الوجود الأمريكي في النيجر إلى عام 2002، حين كانت إدارة جورج بوش الابن تفعل ما تُسمَّى "حربها العالمية على الإرهاب". وأنفقت واشنطن 110 ملايين دولار في بناء القاعدة قرب أغاديز، وقدَّمت نحو 500 مليون دولار من المساعدات الأمنية للبلاد منذ عام 2012.
وكرَّست الولايات المتحدة أيضاً وقتاً كبيراً لتدريب الضباط النيجريين ومساعدتهم في مهام تهدف لاجتثاث الجماعات الإرهابية التي سيطرت على موطئ قدم لها في البلاد في السنوات الأخيرة. ولدى الولايات المتحدة اليوم نحو 1100 جندي أمريكي متمركزين بشكل دائم في البلاد.
لكن ماذا يمكن أن يحققه قيام إيكواس بغزو النيجر؟ هذا هو السؤال الذي تردد الآن، فالتدخل العسكري في موقف كهذا يجب أن تكون له أهداف محددة وظروف مواتية، أهمها على الإطلاق أن يكون مرحباً به على المستوى الشعبي في النيجر، وثانيها أن يكون تدخلاً عسكرياً حاسماً ينهي الأمور بسرعة ويعيد الرئيس المخلوع إلى منصبه، فما مدى توفر هذين الشرطين؟
التقارير الواردة من النيجر تشير إلى أن أي تحرك عسكري من جانب إيكواس سيعتبر على نطاق واسع "غزواً أجنبياً" ولن يكون مرحباً به، كما أن مدى قدرة القوة الاحتياطية للتجمع الإقليمي على إلحاق الهزيمة بالجيش النيجري المدعوم من مالي وبوركينا فاسو لا تبدو فرصها قوية أو ربما حتى محتملة، والسؤال هنا سيكون: هل ستشارك فرنسا بشكل علني في هذا الهجوم؟ باريس لم تعلن عن هذا التوجه بطبيعة الحال.