كشف مصدر مسؤول لـ"عربي بوست" أن النظام المصري أراد أن يمهد لخلق أجواء سياسية إيجابية قبل أشهر من إجراء انتخابات الرئاسة، فأرسل إشارات إيجابية إلى المعارضة، وذلك بالإفراج عن دفعة جديدة من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، بينهم الناشط البارز أحمد دومة.
وأضاف المصدر الحكومي المطلع أن دومة كان على رأس قوائم العفو التي تقدمت بها الحركة المدنية الديمقراطية إلى الحكومة المصرية، ووضعتها كضمانة لنجاح الحوار الوطني والمشاركة في انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها بداية عام 2024.
أوضح المصدر أن التوصيات كانت باتخاذ قرارات تستبق إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، ترشحه لفترة رئاسية جديدة، في حال اتخاذها سيكون لها صدى إيجابي لدى دوائر معارضة، والتي اعتبرت الخطوة مقدمة للإفراج عن مزيد من المحبوسين على ذمة قضايا رأي.
وأشار المصدر نفسه إلى أن هناك اتجاهاً قوياً في الفترة القادمة نحو إدخال تعديلات على قوانين الحبس الاحتياطي، الذي يعد أيضاً أحد أبرز مطالب المعارضة من الحوار الوطني، وبما يدعم اتساع صدر الحكومة للآراء المعارضة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصدر قراراً جمهورياً، السبت 19 يوليوز/تموز 2024، بالعفو عن بعض المحكوم عليهم بأحكام نهائية، ومنهم الناشط أحمد دومة، وهو قرار يأتي ضمن نطاق صلاحياته الدستورية.
وأعلن كل من المحامي طارق العوضي والنائب طارق الخولي، عضوي لجنة العفو الرئاسي، عبر صفحتهما على منصة إكس، أن الرئيس المصري استخدم صلاحياته الدستورية، وأصدر القرار الجمهوري 348 لسنة 2023، بالعفو عن بعض المحكوم عليهم بأحكام نهائية، ومنهم النشطاء أحمد سعد دومة وكريم شعبان وحسن محفوظ، وهي أسماء أسهمت في الأحداث السياسية منذ إطاحة الرئيس المصري حسني مبارك في 2011.
وضمّت القائمة كذلك أسماء، أبرزها ضياء زكي عبد المطلب، المحبوس في القضية رقم 440 لسنة 2022، وعبد الجواد قناوي، المحبوس في القضية رقم 1635 لسنة 2022، وأيمن أبو حامد، وعلي ممدوح حسن، ومحمد إبراهيم منصور، ومحمد عبد العزيز عبد العال، المحبوسون على ذمة القضية رقم 1691 لسنة 2022، وآخرون.
تهديد بالانسحاب من الحوار الوطني
قرار الرئيس المصري جاء بعد يومين تقريباً من إحالته مخرجات الحوار الوطني للجهات التنفيذية لدراستها، تمهيداً للاستجابة لها. كما وجّه الجهات التنفيذية بتطبيق ما يُمكن منها في إطار صلاحياته القانونية والدستورية، وسيتقدم بما يستوجب منها التعديل التشريعي إلى مجلس النواب لبحث آلياتها التنفيذية والتشريعية.
وكشف مصدر مطلع بالحركة المدنية لـ"عربي بوست" أن قرار الرئيس جاء بعد نقاشات دارت بين بعض قيادات أحزاب الحركة المدنية مع جهات رسمية خلال الأسبوع الماضي، إذ كان هناك اتجاه نحو الانسحاب من الحوار الوطني برمته لعدم الاستجابة لما تقدمت به الحركة من مطالب.
وأضاف المصدر نفسه أن قيادات الحركة تلقوا وعوداً بالاستجابة لما تمخض عن الحوار الوطني من مخرجات، وكذلك تلقوا وعوداً مماثلة بالإفراج عن دفعات كبيرة من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، بينهم من تضمنتهم قوائم الحركة.
وأوضح المتحدث أن الإفراج عن دومة يشكل تقدماً مهماً بعد أن تجاهلت السلطة الإفراج عنه، رغم أنه كان على رأس قائمة صغيرة قدمتها أحزاب الحركة، وتضمنت أيضاً علاء عبد الفتاح قبل عدة أشهر.
وأشار المصدر نفسه إلى أن الأعداد المفرج عنها إلى جانب دومة ليست على مستوى تطلعات المعارضة، لكن خروج أحد أبرز رموز ثورة يناير – بحسب المعارضة – يؤشر على أن هناك تغيّراً في توجهات السلطة قبل الانتخابات.
ولفت المتحدث إلى أن دومة قضى بالفعل الجزء الأكبر من العقوبة داخل السجن، قبل صدور الحكم النهائي بحقه، وبالتالي فإن خروجه ضروري، وأن المأمول أن تفي الحكومة بباقي تعهداتها، لأن من جرى إطلاق سراحهم لا يمثلون أغلبية، وهناك أعداد أخرى بما فيها بعض الأسماء التي قدمتها الحركة المدنية.
إفراج دون ضمانات
يأتي الإفراج عن الناشط المصري بعد 10 سنوات قضاها داخل السجن، لتنفيذ حكم نهائي بالسجن المشدّد 15 عاماً، في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "أحداث مجلس الوزراء"، التي تعود إلى عام 2011، في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وقضت محكمة جنايات القاهرة المصرية عام 2019 بسجن دومة 15 عاماً، وإلزامه بدفع 6 ملايين جنيه قيمة التلفيات ومصادرة المضبوطات، وذلك خلال إعادة محاكمته بـ"أحداث مجلس الوزراء"، بعدما ألغت محكمة النقض الحكم الصادر بمعاقبة دومة بالسجن المؤبد في القضية، وقررت إعادة محاكمته من جديد، وفي 2020 أيدت النقض قرار سجن دومة 15 عاماً.
مصدر ثاني بالحركة المدنية، قال لـ"عربي بوست" إن الإفراج عن دومة جرى دون ضمانات أو مساومات، لكن بطبيعة الحال فإن إطلاق سراحه يُسهم في فتح صفحة جديدة بينه وبين النظام الحالي.
ولم يُجب المصدر عن سؤال "عربي بوست" إذا كانت هناك ضمانات لعدم إثارة دومة لمشاكل تشكل صداعاً للنظام قبيل الانتخابات؟ لكنه أوضح أن توجيهه الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي بعد دقائق من خروجه، يشير إلى أنه لا ينوي اتخاذ مواقف من شأنها الهجوم على الحكومة الحالية على الأقل في الوقت الحالي.
وأضاف أن قضاء فترات طويلة داخل السجن، وتعرّض دومة للحبس في عصور مختلفة يجعله أكثر حرصاً الآن، وليس من المتوقع أن يدخل في صراع سياسي جديد بعد أن قضى ما يقرب من عشر سنوات بين جدران السجن.
وأشار المتحدث إلى أن وجود جملة من التطورات الإيجابية على مستوى إجراء حوار مهم مع المعارضة، والاستجابة لقدر مهم من مطالبها، يدفع نحو التهدئة مع الحكومة المصرية في الوقت الحالي، وليس هناك مبرر من التصعيد.
طلبات أخرى في لائحة الانتظار
ويمنح قرار الإفراج عن أحمد دومة ثقة المعارضة في إمكانية الاستجابة لما تقدمت به من توصيات سياسية واقتصادية، مع رفع الجزء الأكبر من التوصيات إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
مصدر عربي بوست في الحركة المدنية قال إن جلسات الحوار الوطني انتهت تقريباً، وتبقى الانتخابات الرئاسية هي المحك القادم مع الحكومة، ويشكل الإفراج عن دومة "وميض ضوء لإمكانية تمتعها بالنزاهة المطلوبة"، على حد تعبيره.
ويشير المصدر إلى أن لدى المعارضة مطلبين رئيسيين ما زالت في انتظار تحقيقهما قبل الانتخابات، يتمثلان في فتح المجال العام بشكل حقيقي يسمح بوجود معارضة قوية، ولديها القدرة على التحرك في الشارع، إلى جانب الإفراج عن باقي سجناء الرأي.
مشيراً إلى أن الملفين حدث بهما تقدم، لكنه غير كافٍ بالنسبة لغالبية المشاركين في الحركة المدنية، متوقعاً أن تكون الحركة حاضرة في انتخابات الرئاسة، مثلما هو الوضع بالنسبة للحوار الوطني.
وخلال الأشهر الأخيرة أفرجت السلطات المصرية عن عشرات من المحبوسين، عبر لجنة العفو الرئاسي التي أُعيد تشكيلها لهذا الغرض، بالتوازي مع دعوة الرئيس المصري إلى الحوار الوطني العام الماضي.
وكان دومة حاضراً في قوائم العديد من قوى المعارضة السياسية والحزبية، بضرورة الإفراج عنه، لاعتبارات صحية، فضلاً عن تأكيد الحكومة "جدية" الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس السيسي في أبريل/نيسان 2022، وانطلقت جلساته الفعلية في مايو/أيار الماضي.
ومنذ قرّر السيسي إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسية، في أبريل/نيسان 2022، شهدت مصر الإفراج عن نحو 1500 سجين، وفي وقت سابق من هذا الشهر أفرجت السلطات المصرية عن الاقتصادي البارز عمر الشنيطي، بعد أن قضى أكثر من أربع سنوات في الحبس الاحتياطي، بتهمة محاولة "إسقاط الدولة". وذلك ضمن قائمة تضمّ 33 شخصاً أُطلق سراحهم.
والشهر الماضي، أطلقت السلطات المصرية سراح كلّ من الباحث الشاب باتريك زكي، والمحامي الحقوقي محمد الباقر، وكيل الدفاع عن المعتقل السياسي الأبرز في مصر علاء عبد الفتاح، وذلك إثر إصدار الرئيس المصري عفواً عنهما من أحكام قضائية غير قابلة للطعن.
تعديلات على الحبس الاحتياطي
وأشار قيادي حزبي قريب من السلطة المصرية، إلى أن الحكومة لديها رغبة جادة في غلق الأبواب التي ينفذ منها التوتر السياسي قبل انتخابات الرئاسة، وتماشياً مع الحالة الإيجابية التي يدعمها الحوار الوطني.
وأن وجود تحديات اقتصادية عديدة قادت لإحداث طفرة سياسية من المتوقع أن تذهب إلى مدى أبعد من الإفراج عن دومة، وتصل إلى إدخال تعديلات على قوانين الحبس الاحتياطي والانتخابات استجابة لمطالب المعارضة.
ونفى المصدر نفسه أن تكون هناك معوقات تعترض عودة أحمد دومة لممارسة نشاطه السياسي، وأن من سبقوه ممن تعرضوا للحبس على ذمة قضايا رأي عادوا مرة أخرى للعمل العام، دون تضييق واضح عليهم حتى الآن، ومن المتوقع أن يكون لديه دور في الحياة العامة، بما يعزز الديمقراطية ويتماشى مع مخرجات الحوار الوطني.
لم يؤكد المصدر ذاته إمكانية الاتجاه للإفراج عن أسماء أخرى بارزة، على رأسها علاء عبد الفتاح، لكنه أوضح أن الطريق ممهد أمام قوائم جديدة خلال الأشهر المقبلة التي تسبق انتخابات الرئاسة، وأن الحكومة الحالية لديها رغبة في إثبات حسن نواياها للمعارضة، والتأكيد على وجود إرادة سياسية لإنهاء ملف المحبوسين.
ويعد دومة الذي قبع في السجن منذ 2013 أحد قادة حركة المعارضة الشبابية "6 أبريل"، التي قادت ثورة 25 يناير 2011، إلى أن أسقطت الرئيس حسني مبارك، قبل أن يتمّ حظر أنشطتها بقرار قضائي صدر في 2014.
الطريق مازال طويلاً
وذهبت قوى وأحزاب محسوبة على الحكومة لتأكيد أن قرار العفو يُظهر جدية النظام في فتح صفحة جديدة مع السياسة والسياسيين، غير أن البعض من المعارضين يرون أن الطريق مازال طويلاً.
ويرى بعض المعارضين أن هناك العديد من الإجراءات المنتظر اتخاذها لتنظيم انتخابات الرئاسة، وإفساح المجال أمام المعارضين للترشح وحرية الحركة، وتمتعها بالشفافية اللازمة، ستكون بمثابة برهان على صدق نواياها.
وبحسب محلل سياسي على صلة بدوائر حكومية فإن قرارات الإفراج عن المعارضين تأتي ضمن إجراءات أخرى، تُمهد لإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي لخوض الانتخابات المقبلة، كما أنها تأتي في سياق أكثر شمولية يتمثل في تعامل الحكومة المصرية مع المشكلات الاقتصادية، التي تحدث تململاً ملحوظاً في الشارع.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أن هناك قناعة لدى الجهات الأمنية، بأنه لا يمكن العودة مرة أخرى إلى حالة التضييق الكاملة مع انزواء خطر الإرهاب بصورة كبيرة، وكذلك خطورة حالة الفراغ التي تهيمن على المشهد السياسي المصري، والتي يتطلب معها شغلها بأقطاب مدنية تكون أكثر قرباً من الحكومة، مقارنة بغيرها من الحركات والتنظيمات الإسلامية، وفقاً للمتحدث.
وأشار المتحدث إلى أن المعارضة تعد المستفيد الأكبر من الإجراءات الأخيرة، بعد أن واجهت هجوماً واسعاً لمشاركتها في الحوار الوطني دون الاستجابة لمطالبهم، وظهرت كمحلل لتوجهات الحكومة.
واعتبر المتحدث أن استخدام المعارضة أدوات ضغط عديدة قاد لتحقيق جزء قليل من مطالبها، لكن ذلك يدعم توجهها نحو الاستمرار في الانخراط بالعمل العام، انتظاراً لمزيد من المكاسب، وقد يكون ذلك مبرراً منطقياً لمشاركتها في انتخابات الرئاسة حال لم تُقدم الحكومة على اتخاذ أي قرارات من شأنها تعكير صفو الأجواء السياسية.
وتوظف المعارضة قرارات الإفراج الأخيرة للتأكيد على نجاح حوارها مع السلطة، ويدعم ذلك انتصار أصوات داخل الحركة المدنية لديها بعض المقاربات مع الحكومة على حساب أصوات أخرى أكثر تشدداً.
كما أن حضور رئيس حزب تيار الكرامة الأسبق، السياسي حمدين صباحي، في صدارة مشهد الإفراج عن دومة، يرسل إشارات على أنه حصل على ما وعدته به السلطة مع انطلاق الحوار الوطني، باعتباره من أبرز المؤيدين للمشاركة في جلساته، وفقاً لما أكده المحلل السياسي ذاته.
ووجه صباحي في تصريحات صحفية له في أعقاب الإفراج عن دومة، الشكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قرار العفو، واعتبر أن القرار بمثابة أحد ثمار ونتائج لهذا الحوار، مضيفاً "ما حدث اليوم يفتح الباب أمام مزيد من عمليات الإفراج عن الشباب الذين سجنوا بسبب رأيهم، وهدفنا أن تكون مصر خالية من سجناء الرأي".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”