أسقط القاضي العسكري في قضية تفجير المدمرة كول في الولايات المتحدة، الجمعة 19 أغسطس/آب، اعترافاتٍ كان المتهم السعودي قد أدلى بها لعملاء فيدراليين في معتقل غوانتانامو بعد سنوات من السجن السري على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، معلناً أن الاعترافات كانت تحت التعذيب.
يحرم هذا القرار المدعين من دليل رئيسي ضد عبد الرحيم النشيري (58 عاماً)، في أطول قضية تقضي بالإعدام في غوانتانامو، بحسب صحيفة New York Times الأمريكية.
والنشيري متهم بتدبير التفجير الذي نفذه تنظيم القاعدة للسفينة الحربية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2000 في ميناء عدن اليمني الذي أسفر عن مقتل 17 بحاراً أمريكياً.
وفي قراره المكون من 50 صفحة، كتب القاضي العقيد لاني أكوستا جونيو: "إن استبعاد مثل هذا الدليل لا يخلو من كلفةٍ مجتمعية. ومع ذلك، فإن السماح بقبول الدليل الذي حُصِلَ عليه عن طريق التعذيب، أو المستمد منه، من قِبَلِ نفس الحكومة التي تسعى إلى محاكمة المتهمين وإعدامهم قد يكون ذا كلفةٍ مجتمعية أكبر".
كما تضمن القرار أنه قد نُظِرَ إلى مسألة ما إذا كانت الاعترافات مقبولة أم لا باعتبارها اختباراً حاسماً لجهدٍ مشترك استمر أكثر من عقد من قبل وزارتي العدل والدفاع لمقاضاة مدبري هجمات القاعدة في محكمة غوانتانامو الخاصة، والتي أُنشِئت بالأساس للتعامل مع تأثير التحقيقات العنيفة السابقة لوكالة الاستخبارات المركزية أثناء السعي لنيل العدالة من خلال محاكمات تقضي بعقوبة الإعدام.
ووفقاً للصحيفة، فإنه تُبذل جهود مماثلة لقمع الاعترافات التي يشوبها التعذيب في القضية المرفوعة ضد خالد شيخ محمد وأربعة سجناء آخرين متهمين بالتآمر في هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية.
"الاستجواب المعزز"
وكان النشيري، مثل محمد، قد تعرض للإيهام بالغرق، علاوةً على أشكال أخرى من التعذيب، في عام 2002 على يد محققي وكالة الاستخبارات المركزية، إضافةً إلى أخصائيين نفسيين متعاقدين، من خلال برنامج "الاستجواب المعزز".
أظهرت الشهادة أن الأخصائيين النفسيين شاركوا في برنامج مدته سنوات، حتى بعد انتهاء أساليب الاستجواب العنيف، واستخدموا العزل والحرمان من النوم والعقاب على التحدي والتهديدات الضمنية بمزيد من العنف للحفاظ على تعاون السجناء وتحدثهم إلى المحققين.
نظر المدعون في اعترافات النشيري إلى وكلاء التحقيق الجنائي الفيدراليين والبحريين في غوانتانامو أوائل عام 2007، بعد أربعة أشهر من نقله من سجن وكالة الاستخبارات المركزية، على أنها أفضل دليل ضده.
لكن المدعين طلبوا أيضاً إذناً من القاضي، وحصلوا عليه، لاستخدام نسخة من استجوابٍ آخر في المحاكمة النهائية للنشيري.
في مارس/آذار 2007، مثُلَ أمام لجنة عسكرية لفحص وضعه كمقاتل مُعادٍ، وأُجبِرَ على التصديق على مزاعم تتعلق بدوره في مؤامرات تنظيم القاعدة. وقال لضباط الجيش إنه اعترف بعد تعرضه للتعذيب على يد وكالة الاستخبارات المركزية، لكنه تراجع بعد ذلك.
وفي جلسة الاستماع الإدارية نفى النشيري كونه عضواً في القاعدة أو ضلوعه في المؤامرات، لكنه اعترف بمعرفته بأسامة بن لادن، وأنه تلقى أموالاً منه لمشروع شحن تجاري لم يتحقق في الخليج.
كان خبراء حقوق الإنسان والقانون الدولي ينتظرون بفارغ الصبر القرار باعتباره اختباراً لنظرية الحكومة الأمريكية القائلة بأن العملاء الفيدراليين يمكنهم الحصول على اعتراف قانوني، غير ملوث بالانتهاكات السابقة، إذا استجوبت ما تسمى "الفِرَق النظيفة" المتهمين دون تهديدات أو عنف وقالوا مراراً للسجناء لدى وكالة الاستخبارات المركزية إن مشاركتهم كانت طوعية.
التعذيب الجسدي
لكن الشهادة في جلسات الاستماع السابقة على المحاكمة أظهرت بعد القبض عليه في عام 2002، تعرُّض النشيري للتعذيب الجسدي والعاطفي المصرح به وغير المصرح به أثناء مكوثه الطويل في شبكة السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، من تايلاند إلى بولندا إلى أفغانستان ثم خليج غوانتانامو. وقد شمل التعذيب الإيهام بالغرق، والحبس داخل صندوق ضيق، والانتهاك الشرجي، وتعذيبه بأداة ثقب سريعة بجانب رأسه المغطى لإجباره على الرد على أسئلة المحققين حول مؤامرات القاعدة المستقبلية المشتبهة.
وقال محامون وخبراء إنه بحلول الوقت الذي استجوبه فيه عملاء فيدراليون في يناير/كانون الثاني 2007، كان السجين قد تدرب على الرد على أسئلة المحققين.
وقال القاضي أكوستا إن النشيري لم يكن لديه سبب للاعتقاد بأن "ظروفه قد تغيرت بشكل كبير عندما اقتيد لإجراء مقابلة مع آخر فريق أمريكي قابله في يناير/كانون الثاني 2007".
وأضاف: "إذا كانت هناك أي حالة أثرت فيها ظروف أقوال المتهم السابقة على قدرته على الإدلاء بإفادة طوعية لاحقة، فهذه هي الحالة التي نحن بصددها. حتى لو لم يُحصل على اعترافات عام 2007 عن طريق التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فهي مستمدة من ذلك".