ازدادت حالات اختفاء واغتصاب النساء في السودان، بما في ذلك أطفال ومراهقات واستعبادهن أو إطلاقهن مقابل فدية، لدرجة أن بعضهن وصلن إلى دول الجوار وهن حوامل.
فمنذ اندلاع الحرب حول السلطة بين الجيش، بقيادة رئس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، تدهور وضع المدنيين، ولكن أخطر ما في هذا الوضع، هو تعرض النساء في الخرطوم ودارفور بشكل خاص لعمليات اغتصاب وخطف، واستخدامهن كممرضات بالإكراه، ووصل الأمر إلى وجود أسواق للرقيق.
مَن وراء عمليات اغتصاب النساء في السودان؟
وأفادت مبادرة القرن الإفريقي لمساعدة النساء، المعروفة باسم "صيحة"، بأن "العدد التقريبي للنساء اللواتي لازلن مفقودات هو 31، وهو قابل للزيادة"، فيما تلقي أغلب التقارير باللوم في هذه الجرائم على قوات الدعم السريع.
وأفادت مبادرة القرن الإفريقي لمساعدة النساء، المعروفة باسم "صيحة"، التي تقوم بتوثيق أعداد المفقودين، في بيان أُرسل لوكالة الأنباء الفرنسية: "نعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، نظراً لتجنب التبليغ عن المفقودات، خشية من الوصمة وما إلى ذلك".
وقالت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، إنها سجلت "430 بلاغاً عن مفقودين أثناء الحرب من الذكور والإناث والأطفال".
وأبلغت أسماء رجال ونساء وأطفال مفقودين إلى مراكز شرطة في ود مدني (200 كلم جنوب الخرطوم)، والتي استقبلت آلاف النازحين من العاصمة.
وقال مسؤولون ووكالات إغاثة إن الصراع في السودان تسبب في زيادة حالات اختفاء اغتصاب النساء في السودان وكذلك الفتيات، وبعضهن لا يتجاوزن الـ12 عاماً، حسبما ورد في تقرير لوكالة "Reuters".
وفي يونيو/حزيران الماضي، أكد فولكر ترك، مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 50 امرأة وفتاة تعرّضن للعنف الجنسي والاغتصاب، وأضاف خلال إحاطة لمجلس حقوق الإنسان أن "الجناة في جميع الحالات تقريباً كانوا من قوات الدعم السريع".
وفي مطلع شهر يوليو/تموز 2023، أكدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل السودانية أن عدد النساء اللائي تعرّضن للاغتصاب وصل إلى نحو 90، معظمهن في الخرطوم والجنينة ونيالا. وقالت في بيان إن معظم إفادات الضحايا والبلاغات الجنائية كانت ضد قوات الدعم السريع.
وقالت منظمة إنقاذ الطفولة في بيان لها مؤخراً إن الفتيات المراهقات يتعرّضن للاعتداء الجنسي والاغتصاب من قِبل المقاتلين المسلحين "بأعداد مقلقة"، بينما حذّرت الأمم المتحدة من "زيادة ملحوظة" في العنف القائم على النوع الاجتماعي.
الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان وضعت الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع شبه العسكرية. وتركز القتال في العاصمة الخرطوم ومنطقة دارفور بغرب البلاد.
بينما تم التحقق من عشرات حالات الاغتصاب الناتجة عن النزاع، تقدر وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة للحكومة السودانية أن هذا الرقم قد يمثل 2٪ فقط من الإجمالي.
"نحن نعلم أن الأرقام الرسمية ليست سوى غيض من فيض"، حسبما قال عارف نور، مدير منظمة إنقاذ الطفولة بالسودان في بيان إن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً مستهدفون بسبب جنسهم وعرقهم وضعفهم.
وقال إن بعض الآباء يزوّجون بناتهم في سن مبكرة، في محاولة لحمايتهم من المزيد من الإساءات.
كما وردت تقارير عن احتجاز فتيات لأيام أثناء تعرّضهن للاعتداء الجنسي، واغتصاب جماعي للنساء والفتيات.
وقالت وكالات الأمم المتحدة في بيان مشترك قبل نحو أسبوعين: "لقد حذّر مقدمو الرعاية الصحية والأخصائيون الاجتماعيون والمستشارون وشبكات الحماية المجتمعية داخل السودان من زيادة ملحوظة في التقارير عن العنف القائم على النوع الاجتماعي مع استمرار الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد".
"أصبح الإبلاغ عن الانتهاكات والحصول على الدعم أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، بسبب نقص الكهرباء والربط، فضلاً عن عدم وصول المساعدات الإنسانية بسبب الوضع الأمني المتقلب".
وتنفي قوات الدعم السريع أحياناً مسؤولية أفرادها بشكل مباشر عن بالاعتداء والعنف الجنسي من قبل مقاتليها، وتقول إنها مفبركة وأحياناً تقول إن مرتكبي الانتهاكات سيخضعون للمساءلة.
وتقدّر الأمم المتحدة أن 4.2 مليون شخص معرضون لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفاعاً من 3 ملايين قبل اندلاع الصراع في منتصف أبريل/نيسان 2023. من بين عدد سكان السودان البالغ 49 مليون نسمة.
وقالت الأمم المتحدة إن الخطر مرتفع بشكل خاص عندما تتحرك النساء والفتيات؛ سعياً للوصول إلى مواقع آمنة.
ونزح أكثر من 2.9 مليون شخص بسبب الصراع في السودان، بما في ذلك ما يقرب من 700000 فروا إلى البلدان المجاورة.
وتقول وكالة الأمم المتحدة للاجئين إن بعض النساء يصلن حوامل نتيجة الاغتصاب.
عشرات من حالات الاغتصاب في دارفور والظاهرة امتدت للخرطوم
لفتت مبادرة القرن الإفريقي إلى إقليم دارفور، باعتباره بين المناطق التي تأثرت بحالات الاختفاء أو الفقد، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقالت منظمة هيومان رايتس وتش "HRW" في تقرير نُشر في 17 أغسطس/آب 2023، إن قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة في السودان قامت باغتصاب عشرات النساء والفتيات في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، وأولئك الذين فروا إلى تشاد بين أواخر أبريل/نيسان، مشيرة إلى أن العنف الجنسي المرتكب في سياق نزاع مسلح يعتبر جريمة حرب، وإذا كان جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي يمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يشرع في تحقيق وطريقة للحفاظ على أدلة الانتهاكات، كما حثت الحكومات المعنية على توفير المزيد من الموارد للناجيات من الاغتصاب.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه في أواخر يونيو/حزيران 2023. يبدو أن المهاجمين استهدفوا الناس بسبب انتمائهم لعرقهم المساليت الإفريقية، حيث يوجد بينها وبين بعض القبائل العربية المتحالفة مع الدعم السريع خلافات، وفي بعض الحالات تم استهداف نسوة، لأنهن كنّ ناشطات معروفات.
وقالت إنه منذ بدء النزاع المسلح في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان، شنت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة ذات الأغلبية العربية هجمات متكررة على البلدات والقرى في ولاية غرب دارفور، استهدفت هذه الهجمات بشكل أساسي مناطق يقطنها أحد التجمعات غير العربية الرئيسية من قبائل المساليت.
ومؤخراً، أفاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان مجلس الأمن الدولي بفتح تحقيق في أحداث العنف التي وقعت في دارفور، بعد دعوات من منظمات حقوقية للتحقيق في تقارير عن حالات نهب وعنف جنسي واحتدام الصراعات العرقية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي توجه فيها أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع بالضلوع في ارتكاب جرائم الاغتصاب. فقد اتهمت تلك القوات بارتكاب هذه الجرائم خلال مشاركتها في الحرب في إقليم دارفور في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. كما لاحقت الاتهامات عناصر من هذه القوة -مع قوات نظامية أخرى- بالقيام باغتصاب فتيات خلال فض اعتصام المحتجين أمام قيادة الجيش في يونيو/حزيران من عام 2019.
ولكن الجرائم المنسوبة لقوات الدعم السريع هذه امتدت للعاصمة الخرطوم وضواحيها، بعد أن تحصّنت هذه القوات في بيوت المواطنين هرباً من قصف الجيش السوداني لمواقعها.
وفي هذا الإطار وثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، وثقت وقوع 108 حالات عنف جنسي بولاية جنوب دارفور والخرطوم.
كما أفادت منظمة مكافحة العنف ضد المرأة عن تصعيد في حالات اختطاف النساء والفتيات، لا سيما في الخرطوم، مستشهدة بالعديد من الحالات الأخيرة التي قالت إن مقاتلي الدعم السريع هم المسؤولون عنها.
فتيات أُجبرن على العمل كممرضات
ومنذ اندلاع الحرب في السودان حول السلطة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي صور للعديد من الشابات والنساء المفقودات، مرفقة بأرقام هواتف عائلاتهن.
وأفادت مبادرة "مفقود" السودانية المعنية بالبحث عن المفقودين في بيان مطلع الأسبوع أنه "تم العثور على (السودانية) هبة عبيد، وعادت إلى أسرتها سالمة.. بواسطة القوات الخاصة في منزل بالحلفايا (شمال الخرطوم)، هي ومعها مجموعة من الفتيات ونساء من كبار السن".
وكانت عبيد فُقدت في الأسبوع الأول من الحرب.
وأوضح البيان، بحسب إفادة أسرة عبيد، أن الفتيات والنساء "خطفن من قبل الدعم السريع حتى يقومن بتضميد الجرحى من القوات وطهي الطعام".
منظمة حقوقية تعتقد أن قوات الدعم السريع تجبر الفتيات على العمل كخادمات
وتعتقد منظمة صيحة أن "قوات الدعم السريع تقف وراء حوادث الاختفاء"، رغم عدم اتهامها لقوات دقلو بشكل صريح، فيما تلقت المنظمة بلاغات عن مفقودات.
وأوضحت المبادرة الإقليمية أن هذا الافتراض أتى "لأن بعض النساء اللواتي كن مفقودات، صرحن بأنهن أجبرن من قوات الدعم السريع عن طريق العنف والترهيب، على أداء مهام مثل الطبخ وغسل الثياب في ظروف صحية وأمنية رديئة".
وقال المحامي بالمجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عثمان البصري "حسبما سمعنا من ناجين، يتم الاحتجاز من قبل قوات الدعم السريع".
وهناك اختطاف مقابل فدية
إضافة إلى ظاهرة اغتصاب النساء في السودان، تلقت المبادرة معلومات تفيد بأن أفراداً من الدعم السريع "قاموا باختطاف نساء وفتيات واحتجزوهن كرهائن في مناطق محددة من إقليم شمال دارفور، ثم أُطلق سراحهن مقابل فدية، أو ربما بيعهن لاحقاً في الأسواق".
ووصل مبلغ الفدية أحياناً إلى 30 مليون جنيه سوداني (نحو 54 ألف دولار) بحسب المبادرة.
ونفى مصدر بقوات الدعم السريع لوكالة الأنباء الفرنسية وجود محتجزين لديهم، وقال إن "القوات لم تختطف أحداً ولم نحتجز إلا شخصاً متورطاً في جريمة".
وفي الثالث من تموز/يوليو، أعلنت لجنة مقاومة حي الحلفايا شمال بحري أن أفراداً من قوات الدعم السريع "اختطفوا شابتين من داخل منزلهما"، ولكن تم إطلاق سراحهما بعد خروج مواطني الحي واحتجاجهم.
كما أفادت اللجنة بوقوع 3 حوادث منفصلة لاحتجاز 4 فتيات في حلفاية الملوك من جانب قوات الدعم السريع. وأعيدت الفتيات بعد جهود من ذويهن ومن أهالي الحي.
ولجان المقاومة مجموعات شعبية كانت تنظم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام عمر البشير عام 2019، وتنشط في تقديم الدعم منذ بدء النزاع قبل 3 أشهر.
الاغتصاب تكون ذريعته أحياناً ادعاء التبعية للجيش
وروت نساء لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كيف تلجأ قوات الدعم السريع للاغتصاب "كسلاح للترهيب"
وتقول كلثوم، ربة بيت، إنها عندما خرجت كعادتها من سكنها في أحد أحياء مدينة الجنينة للبحث عن حطب الوقود خارج نطاق الحي السكني، تحول مشوارها الاعتيادي إلى جحيم كما تقول، إذ اعترض طريقها 4 من عناصر قوات الدعم السريع الذين ينتشرون في المنطقة، واقتادوها تحت تهديد السلاح وتابعت وهي تغالب دموعها: "كانوا وحشيين للغاية، تناوبوا على اغتصابي تحت الشجرة التي جئت لأخذ حطب منها.. أسمعوني كلمات نابية وعنصرية، وطلبوا مني مغادرة المدينة لأنها تابعة للعرب".
وتقول ابتسام، التي تعيش في مدينة الثورة بأم درمان، والبالغة من العمر 24 عاماً، إنها قبل 3 أسابيع من وقت الحديث معها خرجت من المنزل للذهاب إلى منزل خالتها في الجوار.
وعند وصولها الشارع المقابل أوقفها 3 عناصر من قوات الدعم السريع واتهموها بأنها تتبع استخبارات الجيش.. فأنكرت ذلك.. وطلبوا منها مرافقتهم في سيارتهم".
وأضافت "حاولت الصراخ والهرب، لكنهم كانوا أقوياء، وهددوني بالسلاح وأجبروني على الدخول في أحد المنازل".
وتقول "في هذا المنزل كان هنالك شخص آخر يرتدي ملابس داخلية فقط.. حاولت الهرب مرة أخرى، ولكن أحدهم ضربني بقوة حتى سقطت على الأرض وهددوني بالقتل إن تحركت أو صرخت مرة أخرى".
وأضافت "تناوبوا عليّ الثلاثة لأكثر من مرة، ثم اقتادوني إلى السيارة قبل أن يلقوني في قارعة الطريق مع مغيب الشمس"، حسبما ورد في تقرير "بي بي سي".
من جانبها، اعتبرت قوات الدعم السريع، الاتهامات الموجهة لعناصرها بارتكاب عمليات الاغتصاب بمثابة محاولات لتشويه سمعتها، إذ قال الناطق الرسمي والمستشار القانوني، محمد المختار، إن هذه القوات تلتزم بأقصى المعايير الأخلاقية في القتال. وأضاف أن "هناك حملات ممنهجة لتشويه صورة هذه القوات بعد الانتصارات العسكرية التي تحققت على الأرض، وأن تلك المزاعم مفبركة وغير صحيحة".
حديث عن أسواق للرق
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة، أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي، عقدت الأسبوع الماضي، إن العنف الجنسي يمارَس في السودان على نطاق "مقزز".
استطاع برنامج للسودان سلام، الذي يُبث عبر "بي بي سي"، أن يحصل على تسجيل صوتي لسوداني من ولاية الفاشر شمال دارفور، يتحدث فيه عن 3 فتيات تم اقتيادهن من الخرطوم من قبل مسلحين إلى محلية دار السلام وهن مقيدات، قبل أن يقنع سكان المنطقة المسلحين بتركهن بعد أن طلبوا فدية لإخلاء سبيلهن، وتم التواصل مع أهاليهن وطلب "21 ألف جنيه سوداني مقابل إطلاق سراحهن".
وقالت هيئة محامي دارفور، إنها تلقت بلاغات حول مزاعم وجود أسواق للرق، تُباع فيها النساء في منطقة الفاشر، موضحة أنها حاولت التحقق من صحة تلك البلاغات في محليات الفاشر وملّيط والمالحة، إلا أنها لم تتوصل إلى نتيجة تؤكد وجود هذه الأسواق بشكل قاطع.