لا يختلف اثنان على أن الانتخابات هي المخرج الحقيقي لإنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي يعتبر من أكبر المصائب التي حلّت بالشعب الفلسطيني بعد الاحتلال، ومع ذلك، للأسف، أصبح هذا الخيار صعب التحقق في ظل الظروف الراهنة.
قبل أيام أعادت دعوة الفصائل الفلسطينية ومؤسسات مجتمعية إلى إجراء الانتخابات للهيئات المحلية في قطاع غزة موضوع الانقسام السياسي الفلسطيني إلى الواجهة؛ حيث عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً بناء على طلب من حركة حماس لمناقشة إجراء الانتخابات للهيئات المحلية، وخرجت ببيان توافقي يدعو إلى إجراء الانتخابات تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، وقد استجابت الجهات الرسمية في غزة للدعوة، وطالبت لجنة الانتخابات بالبدء في إجراءات إنفاذ الانتخابات، حيث تعتبر هذه الاستجابة خطوة إيجابية على طريق إنهاء الانقسام السياسي، ويجب البناء عليها.
وقد قامت اللجنة العليا للانتخابات المحلية بإجراء أول انتخابات محلية في عامي 2004 و2005، وذلك على 4 مراحل متتالية، في إطار 262 هيئة محلية بالضفة الغربية وقطاع غزة. وفي يوليو/تموز من عام 2012، صدر قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني، لإجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية في كامل مناطق السيطرة الفلسطينية، رغم ذلك اقتصر تنظيم هذه الانتخابات على منطقة الضفة الغربية، حيث أجريت بنجاح. أما في قطاع غزة، فقد واجهت عقبات عدة نتيجة الانقسام السياسي القائم، الأمر الذي أثر سلباً على إمكانية تنظيم هذه الانتخابات هناك.
تعود جذور الانقسام السياسي الفلسطيني، للفترة التي سبقت توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، حين قررت حركة فتح التي تقود منظمة التحرير اتباع سياسة جديدة تتمثل في التراجع عن الكفاح المسلح واستبداله بمسار جديد يتمثل في مسار سياسي سلمي من خلال المفاوضات مع المحتل، وقد تعمق الانقسام بعد تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث بدأت بحملات اعتقال وقمع لكل من يخالف المسار الجديد الذي حاولت أن تفرضه، وقد تعمق الانقسام بشكل أكبر بعد رفض رئيس السلطة، محمود عباس، الاعتراف بالانتخابات التي جرت عام 2007.
ورغم توقيع الفصائل الفلسطينية اتفاقيات المصالحة برعاية عدد من الدول العربية والإسلامية، إلا أنه لم يتم تنفيذ أي منها؛ بدءاً من اتفاقية القاهرة عام 2005، ثم تم توقيع 9 اتفاقيات في عدة دول (مصر، السعودية، قطر، تركيا، اليمن) كان آخرها توقيع اتفاقية في الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، أضف إلى ذلك مساعي المصالحة في العديد من دول العالم التي لم تخرج باتفاق، ولقاء الأمناء العامين الذي عُقد مرتين ولم يخرج بأي نتائج تُذكر. بسبب رفض عباس الإفراج عن المعتقلين السياسيين قبيل لقاء الأمناء العامين في يوليو/تموز المنصرم، وقبلها ما حدث من تأجيل عباس للانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في مايو/أيار 2021 بناءً على اتفاق إسطنبول. وغيرها من المشاهد، لكن باعتقادي أن المتسبب الأول في التعطيل هو المحتل، حيث إن المحتل كان يلوح بفرض العقوبات على السلطة كلما اقتربت من توقيع اتفاق مصالحة.
وهذا ما يدفع إلى زيادة الانقسام السياسي الفلسطيني، وما يتسبب في تعطيل إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة؛ لذلك أعتقد أن المصالحة الفلسطينية لن تتم إلا بدخول متغير يعيد ترتيب الأوراق الفلسطينية، وقد يكون واحداً مما يلي:
- تراجع حركة فتح عن مشروعها السياسي المخالف للمسار الطبيعي لحركات التحرر الوطني، أو اعتراف حركة حماس بشروط "اللجنة الرباعية الدولية".
- تبني الدول العربية للقضية الفلسطينية بصورة حقيقية، وإلزام الطرفين بصيغة وطنية تلبي طموح الشعب الفلسطيني، وتكون هي الداعم والضامن والمسؤول عن تنفيذها.
- حدث كبير يفرض على الجميع مواجهة الاحتلال، وينبذ كل من يتقاعس عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، خاصة مع تصاعد اعتداءات المتطرفين الصهاينة على المسجد الأقصى.
أخيراً، إن أي مصالحة فلسطينية يجب أن تكون على أساس الثوابت الفلسطينية، وعلى أساس تسخير كل الإمكانيات لمواجهة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.