قدمت 8 دول عربية طلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، التي ستعقد قِمّتها في جنوب إفريقيا 22-24 أغسطس/آب 2023، فلماذا تعتبر مصر والجزائر والسعودية والإمارات الأقرب للقبول؟
وتكتل "بريكس" عبارة عن منظمة سياسية دولية، كانت المفاوضات لتشكيلها قد بدأت عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية.
وفي البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت "بريك"، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل "بريكس".
8 دول عربية تريد الانضمام إلى "بريكس"
والآن تترقب عدة دول عربية انعقاد قمة مجموعة "بريكس" التي تستضيفها جنوب إفريقيا من 22 إلى 24 أغسطس/آب الجاري، لبحث طلبات انضمامها إلى المجموعة، التي تسعى لكسر هيمنة الغرب وفرض نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وقدمت كل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات بالإضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين، طلبات رسمية للانضمام إلى بريكس، من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها، وفق ما أعلنته جنوب إفريقيا.
ففي 7 أغسطس الجاري، قالت وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا ناليدي باندور، في بيان، "لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس، والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية".
والدول التي طلبت الانضمام إلى بريكس رسميا هي: مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.
وخطت الدول العربية خطوات متفاوتة بشأن الانضمام إلى بريكس، إذ تملك كل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات حظوظاً أكبر للانضمام إلى بريكس ولو بصفة ملاحظ، كمرحلة أولى، بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية لهذه الدول، وحجم اقتصادها، ومساحتها الجغرافية، وكتلتها السكانية، وثرواتها الطاقوية والمعدنية، وسوقها الاستهلاكية الواسعة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أشار، في يونيو/حزيران الماضي، إلى حظوظ الدول العربية الأربع عندما قال إن "انضمام السعودية والإمارات والجزائر ومصر إلى بريكس سيثري المجموعة بما لهذه الدول من إرث حضاري عربي وإسلامي".
في بداية تشكيل بريكس، كان أعضاء التكتل يمثلون الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، وتتميز بأنها من الدول النامية الصناعية ذات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة، ويعيش في الدول الخمس نصف سكان العالم وكان الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول يعادل ناتج الولايات المتحدة (13.6 تريليون دولار)، ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة 4 تريليونات دولار.
ووصف الرئيس الصيني لي جينتاو، في ذلك الوقت، دول "بريكس" بأنها "المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وفي عام 2008 عقد اجتماع بمدينة ييكاترينبرغ الروسية، ثم تبع ذلك أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 يونيو/حزيران عام 2009 في ييكاترينبرغ.
كان الهدف الرئيسي لذلك التكتل إذاً، منذ اللحظة الأولى لتفكير بوتين في تأسيسه، كان تحدي الهيمنة الأمريكية على المسرح السياسي العالمي وهو الغاية النهائية للتكتل، لكن التركيز لم يكن على الشق السياسي من الأساس، بل كان التعاون الاقتصادي هو الهدف المعلن.
وكان الترابط الاقتصادي بين أعضاء التكتل هو أحد مداخل تحقيق التعاون السياسي، وفي هذا السياق، بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة المالية، فأنشأت بنكاً جديداً موقعه شنغهاي الصينيّة هو "بنك التّنمية الجديد" وصندوقاً أُطلِق عليه "صندوق بريكس"، كي يكونا بمثابة بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّولي، وتم إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى الدولي، بينما الهدف غير المعلَن كان يتمثل في إنشاء مؤسّسات دوليّة موازية للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة: البنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي، اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
الجزائر.. زيارة تبون إلى روسيا والصين
ألقت الجزائر بثقلها من أجل الانضمام إلى "بريكس"، من خلال زيارة رئيسها عبد المجيد تبون، إلى كل من روسيا والصين باعتبارهما البلدين المركزيين في المجموعة، وضمنت دعمهما رسمياً. كما طلبت الانضمام إلى بنك التنمية الجديد، التابع لبريكس، عبر المساهمة بمبلغ مليار ونصف مليار دولار.
وسرّعت الجزائر مساعيها للانضمام إلى بريكس، عندما استقبل وزير خارجيتها أحمد عطاف، كلاً من سفراء الصين وروسيا والهند، والقائمين بأعمال سفارتي البرازيل وجنوب إفريقيا، في 6 أغسطس/آب الجاري، وطلب منهم بحث هذا الملف، خلال انعقاد قمة بريكس في مدينة جوهانسبورغ.
كما أعلن الرئيس الجزائري في لقاء مع الصحافة المحلية أن الناتج الداخلي الخام للبلاد بلغ 225 مليار دولار، أي أنه تجاوز سقف 200 مليار دولار، الذي وضعه في السابق هدفاً لدخول بريكس.
وما يعزز الملف الجزائري أهمية البلاد الجيواستراتيجية بلداً متوسطياً وبوابة نحو إفريقيا، وأنها الأكبر إفريقياً من حيث المساحة وصادرات الغاز، وعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن (2024 ـ 2025).
مصر.. الموقع الجغرافي وعدد السكان
لم تعلن السلطات المصرية رسمياً طلبها الانضمام إلى بريكس، لكن السفير الروسي لديها غيورغي بوريسينكو، قال في يونيو/حزيران الماضي، إن القاهرة قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى المجموعة. وهذا الطلب كان متوقعاً بعد انضمام مصر رسمياً إلى بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، في مايو/أيار الماضي.
كما شاركت القاهرة في اجتماع أصدقاء بريكس، الذي انعقد في مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا، في يونيو/حزيران الماضي، ولكن عن بُعد، والذي حضره وزراء خارجية عدة دول بينها السعودية والإمارات وإيران، إلى جانب وزراء خارجية دول بريكس الخمس.
وتملك مصر عدة نقاط قوة، إذ تحتل موقعاً جيواستراتيجياً، ومنفتحة على البحرين الأبيض والأحمر، وتربط بينهما قناة السويس المهمة للتجارة العالمية، ولديها سوق واسع يضم أكثر من 100 مليون مستهلك، وتحتضن القاهرة مقر الجامعة العربية.
السعودية.. النفط والاقتصاد العربي الأكبر
شارك وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، في اجتماع أصدقاء دول بريكس الأخير في كيب تاون، ما يؤكد رغبة الرياض في الانضمام إلى المجموعة، التي تقدم نفسها بديلاً لعالم أحادي القطب.
ففتور العلاقات الأمريكية السعودية دفع الرياض للاقتراب أكثر من الصين وروسيا، من خلال طلب الانضمام إلى بريكس، وقبلها انضمامها لمنظمة شنغهاي بصفة "شريك حوار".
وتملك السعودية عدة أوراق تؤهلها للانضمام إلى بريكس أهمها أنها أكبر مُصدر للنفط، وأكبر اقتصاد عربي، وثاني أكبر بلد عربي مساحة بعد الجزائر، وتحتضن المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة.
وحظيت السعودية والإمارات بدعم الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي قال إن "من المهم للغاية" للسعودية الانضمام إلى مجموعة بريكس، بالإضافة إلى الأرجنتين والإمارات، إذا رغبتا في ذلك.
وتناقض تصريحات لولا دا سيلفا تقريرا لموقع Responsible Statecraft الأمريكي أشار إلى معارضة أكبر بلد في أمريكا اللاتينية لتوسيع بريكس، وهو موقف يشير إلى تطلعاتها المعقدة على صعيد السياسة الخارجية، التي يقول التقرير إنها تُفهم خطأً في معظم الأحيان على أنها سياسة خارجية مُعادية للولايات المتحدة.
على أية حال، من شأن انضمام السعودية إلى بريكس أن يرفع حجم اقتصاد المجموعة بأكثر من 1.1 تريليون دولار، بعد أن وصلت مساهمة "بريكس" إلى 31.5% من الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7% لمجموعة السبعة الكبار بزعامة الولايات المتحدة، وفق أرقام تداولتها وسائل إعلام، في أبريل/نيسان الماضي.
ويعزز قوة المجموعة من حيث امتلاكها النفط والقمح والمعادن واسعة الاستخدام مثل الحديد، أو المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية، في مقابل قوة الولايات المتحدة بفضل الدولار وامتلاكها احتياطيات ضخمة من الذهب، تعادل نحو ضعف ما تمتلكه روسيا والصين مجتمعتين.
الإمارات.. النفط والاقتصاد أيضاً
على غرار السعودية تسعى الإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى بريكس، في ظل تراجع التزام واشنطن بضمان أمن الخليج، وتجلى ذلك من خلال انسحابها من قوة بحرية تقودها الولايات المتحدة في الخليج، في مايو/أيار الماضي، وإجرائها مناورات عسكرية مع القوات الجوية الصينية، انطلقت في 9 أغسطس/آب.
كما شارك وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، في اجتماع أصدقاء بريكس الأخير في كيب تاون، حيث التقى نظراءه من روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى إيران.
وأعرب وزير الخارجية الإماراتي، خلال لقاء نظرائه في مجموعة بريكس (روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا)، عن تطلع بلاده إلى "تعزيز التعاون" مع دول المجموعة، ومشاركتها في "مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28″، المقرر عقده في مدينة "إكسبو دبي"، من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول المقبلين.
وتحظى الإمارات بدعم صريح للانضمام إلى بريكس، من الرئيس البرازيلي الذي زارها منتصف أبريل/نيسان الماضي. كما أن الإمارات من أوائل المساهمين، من خارج دول بريكس، في بنك التنمية الجديد، الذي يسعى لمنافسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في تمويل المشاريع التنموية.
وتمتلك الإمارات عدة مؤهلات، أبرزها احتياطياتها الضخمة من النفط، إذ تحتل المرتبة الخامسة بين الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والسابعة عالمياً، كما أصبح لها حضور دبلوماسي وأمني في أكثر من منطقة خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى تنظيمها إكسبو دبي 2022 العالمي، واستعدادها لتنظيم COP28، واستقطابها للمكاتب الإقليمية لكبرى الشركات العالمية.
وكل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات، مرشحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود القليلة المقبلة، على غرار الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، والتي من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز).
ماذا عن الدول العربية الأخرى؟
إلى جانب الدول العربية الأربع التي حظيت بأكثر صدى إعلامي وسياسي، ظهرت دول عربية أخرى في قائمة الـ23، لكن بضجيج أقل، على غرار البحرين والكويت والمغرب وفلسطين.
بينما غابت دول أخرى عن القائمة الرسمية على غرار السودان، الذي ذكر موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، في تقرير له، أنه أعلن رسمياً رغبته في الانضمام إلى بريكس، ويرجح استبعاده بسبب الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأعلن النظام السوري على لسان وزير ماليته كنعان ياغي، في يونيو/حزيران الماضي، اعتزام دمشق التقدم بطلب الانضمام إلى مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي.
في حين لم تعلن تونس رسمياً رغبتها في الانضمام إلى بريكس، رغم تلويح تكتل لأحزاب ومنظمات داعمة للرئيس قيس سعيد، في أبريل/نيسان الماضي، بإمكانية القيام بهذه الخطوة إذا ما وصلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بشأن الحصول على قرض جديد، إلى طريق مسدود.