خلال ما يقرب من عقد من الزمن في السلطة، اندلعت فيه أعمال شغب طائفية في الهند، واحتجاجات جماهيرية على سياسات الحكومة، وأوقاتٌ من الغضب الشعبي من جرائم شنيعة، التزم ناريندرا مودي عن كثب بقواعد اللعبة: لا تقُل شيئاً وتجنّب المعركة.
لم يُرد رئيس الوزراء الهندي على أي أسئلة في أي مؤتمر صحفي في البلاد، ويرفض المقابلات مع الصحفيين الناقدين، ويترك التعليقات اليومية لمساعديه أو جيش من المتصيدين على الإنترنت. وفي المقابل يصوِّر مودي نفسه على أنه "مسيح الفقراء".
الصراع الطائفي في الهند يجبر مودي على الحديث
لكن الآن، أجبره النزاع الذي هو أقرب إلى حرب أهلية في ولاية بشمال شرق الهند على مواجهة الحقائق، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
اضطر مودي يوم الخميس، 10 أغسطس/آب، إلى إلقاء خطاب نادر أمام البرلمان الهندي لتبرير موقفه قبل اقتراح بحجب الثقة تقدم به نواب معارضون، يتهمون الحكومة بالفشل في السيطرة على العنف الممتد على مدار أشهرٍ في ولاية مانيبور الواقعة على الحدود مع ميانمار.
فاز رئيس الوزراء بالتصويت بسهولة، حيث يتمتع حزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا بأغلبية كبيرة في البرلمان، لكن المعارضة تأمل أنه من خلال إجباره على الحديث عن مانيبور، يمكن أن يبدأ ذلك في تلطيخ سمعته المقدسة التي يصورها لنفسه.
منذ مايو/أيار الماضي، أدى القتال بين شعب ميتي العرقي ذي الغالبية الهندوسية، وشعب كوكي المسيحي في الأساس، إلى تحويل أجزاء من الولاية إلى منطقة حرب، ما أدى إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل، وتقييد الإنترنت ونشر الجيش الهندي، مع أوامر بفتح النار.
"مودي وحكومته يرفضون الاعتراف بالفشل"
على مدار أشهر، بينما قُتل العشرات في مانيبور، ونزح عشرات الآلاف، ونُهبت مستودعات الأسلحة الحكومية من الأسلحة الآلية، ظَل مودي صامتاً. يقول سوسانت سينغ، الزميل في مركز أبحاث السياسة، وهي مؤسسة فكرية في دلهي: "إن خوفه الأساسي هو أن يكون مرتبطاً بالفشل، الأمور التي لا تنعكس عليه أو على حكومته يتجنبها".
بعد ذلك، في الشهر الماضي، ظهر مقطع فيديو مروِّع غيَّر حسابات مودي. أظهر الفيديو امرأتين من شعب كوكي تُجرَّدان من ملابسهما، أمام حشدٍ كبير من الرجال، ويُزعَم أنهما تعرَّضتا لاغتصابٍ جماعي، يمكن سماع صوت الرجال وهم يخبرون المرأتين: "إذا لم تخلعا ملابسكما فسوف نقتلكما".
سرعان ما انتشر مقطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي الهندية، ما صدم بلداً كان في وقت سابق راضياً عن تجاهل العنف في ولايةٍ أقرب إلى عواصم نيبال وبوتان وبنغلاديش من دلهي.
قال نيلانجان موخوبادهياي، وهو صحفي ومؤلف سيرة مودي: "لقد زعزعت في الواقع ضمير عدد كبير من الناس في البلاد، وفي قلب الهند، تمكن الناس من رؤية أن هؤلاء الموجودين في هذه الولايات الشمالية الشرقية النائية هم أيضاً بشرٌ من لحم ودم".
في تصريحات مقتضبة في اليوم التالي لظهور الفيديو، تعهد مودي بمحاسبة الجناة، دون الخوض في تفاصيل العنف الأوسع الذي ينتشر في مانيبور. وقال في ذلك الوقت: "ستُتَّخذ الإجراءات وفقاً للقانون، ما حدث للمرأتين في مانيبور لا يمكن غفرانه، بينما أقف بجوار هذا الصرح الديمقراطي يمتلئ قلبي بالألم والغضب".
حزب بهاراتيا جاناتا لا يزال يحتفظ بزمام القيادة
في الأسابيع التي تلت ذلك، أثارت أحزاب المعارضة في الهند- التي تركت خلافاتها جانباً مؤخراً وتوحدت في محاولةٍ لإطاحة مودي في الانتخابات الوطنية العام المقبل- باستمرار حالة الفوضى في مانيبور. في أواخر الشهر الماضي، نجحوا في تقديم اقتراح سحب الثقة الذي أجبر رئيس الوزراء أخيراً على التعليق على القضية بعد ظهر يوم الخميس.
كان تردده في القيام بذلك واضحاً، تحدث مودي لمدة 93 دقيقة قبل أن يثير موضوع انهيار القانون والنظام في الولاية. قال: "إلى نساء مانيبور، أريد أن أقول إن البلد معكن، هذا الوطن معكن، سنجد جميعاً حلاً لهذه المشكلة ونحقق السلام مرة أخرى".
تأمل المعارضة أن يجبر المشهد مودي على أخذ القضية على عاتقه، وقد يفتح الباب في أذهان الناخبين لفكرة أن رئيس الوزراء مسؤول أيضاً عن أمور أخرى قد تزعجهم، بما في ذلك ارتفاع أسعار الحليب والوقود وغيرهما من السلع الأساسية، علاوة على البطالة المتنامية والعنف الصارخ ضد المسلمين.
لكن نجاح استراتيجيتهم أمرٌ آخر، لن يبدأ التصويت في الانتخابات الوطنية قبل سبعة أشهر على الأقل، وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا يحتفظ بزمام القيادة.