في عالمنا العديد من الموارد الطبيعية التي تدخل في استخدامات عديدة من الزراعة، وصولاً إلى أحدث الأجهزة الإلكترونية والسيارات، من بين هذه المعادن نجد الكوبالت، أو الذهب الأزرق كما يطلق عليه البعض.
الذهب الأزرق "cobalt" هو عنصر كيميائي ومعدن مغناطيسي يوجد في بعض دول العالم، وخاصة في دول إفريقيا، يستخدم هذا المعدن خاصة في مقاومة الحرارة المغناطيسية.
تم عزل المعدن حوالي سنة 1735 بواسطة الكيميائي السويدي جورج براندت، على الرغم من استخدام مركبات الكوبالت لعدة قرون لإضفاء اللون الأزرق على الزجاج والسيراميك، فإنه تم اكتشاف الكوبالت في التماثيل المصرية وخرز القلادة الفارسية في الألفية الثالثة قبل الميلاد.
بالإضافة إلى الزجاج الموجود في أطلال بومبي، وفي الصين منذ عهد أسرة تانغ ما بين 618 و907 م ولاحقاً في الخزف الأزرق في عهد أسرة مينجما بين 1368 و1644 ميلادي.
الكوبالت بين الماضي والحاضر
حسب موقع "britannica" في العصور القديمة، استخدم معدن الكوبالت لإكساب الزجاج والسيراميك اللون الأزرق، فيما تشير بعض الدراسات إلى أن الفراعنة أول من استخدم هذا المعدن في التماثيل التي صنعوها.
بعد الفراعنة وُجد الذهب الأزرق في العديد من الحضارات القديمة، من بينها الفرس الذين استخدموه في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وخاصة في صناعة المجوهرات، كما وجدت في الحضارة الصينية القديمة وغيرها.
في يومنا الحالي يدخل معدن الكوبالت أو الذهب الأزرق في صناعة بطاريات الهواتف الذكية، وجل الأجهزة الإلكترونية، بالإضافة إلى محركات السيارات الكهربائية التي تعد مستقبل السيارات العالمية.
يستخدم الكوبالت في تصنيع جميع الأجهزة الإلكترونية المحمولة من هواتف ذكية وحواسب بنسبة تصل إلى 36.3%. وكذلك تدخل في تصنيع الأجهزة الإلكترونية المتواجدة داخل السيارات بنسبة تصل إلى 23%.
يتميز الذهب الأزرق بصلابته ومقاومته للتآكل، بالإضافة إلى مقاومته لدرجة الحرارة المرتفعة، وبسبب لونه الأزرق يُستخدم هذا المعدن أيضاً مادة ملونة، فيما يتمثل الاستخدام الرئيس للمعدن اليوم في المُركَّبات الطليعية وكاثودات البطاريات القابلة للشحن، بنسبة 56% من إجمالي الاستهلاك منذ سنة 2021.
من جهة أخرى، يؤدي استخدام الكوبالت في البطاريات القابلة للشحن إلى تحسين كثافة البطاريات وطاقتها وقوتها وأدائها، مقارنة بالبطاريات التي تفتقر إلى الكوبالت.
استخراج الذهب الأزرق.. أكبر تهديد لعمال المناجم
يُستَخرج هذا المعدن منتجاً ثانوياً لتعدين النحاس والنيكل؛ حيث يعتمد استخراجه على التعدين المستمر للمعادن المضيفة؛ ومعظمها في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، أكبر مصدر للكوبالت في العالم.
يوجد مكامن خام لاتريت النيكل والكوبالت في وأستراليا وكوبا وكاليدونيا الجديدة ومدغشقر وبابوا غينيا الجديدة والفلبين، بينما توجد مكامن النيكل والنحاس والكوبالت ومجموعة معادن البلاتين الصخرية في كندا وروسيا وجنوب إفريقيا، حسب ما جاء في موقع "aljazeera".
ورغم أن الطبقات القشرية الغنية بالذب الأزرق في قاع المحيط يمكن أن تحتوي على نحو مليار طن من موارد الكوبالت؛ فإن التعدين في أعماق البحار لا يزال محدوداً؛ نظراً للقيود التكنولوجية والاقتصادية.
يعاني عمال الذين يقومون باستخراج هذا المعدن من ظروف صعبة خاصة في أفريقيا، إذ انتقد عدد من منظمات حقوق الإنسان الظروف الصعبة والقاسية التي يخضع لها العاملون في قطاع استخراج معدن الكوبالت.
حسب منظمة العفو الدولي يتعرض العاملين في قطاع المناجم والمصانع المنتجة للهواتف الذكية والأجهزة الحديثة إلى ظروف عمل جد قاسية وغير صحية، إذ لا يتوفرون على أدوات وأجهزة خاصة بالحماية الشخصية، فيما يتقاضون عليها أجوراً زهيدة مقابل ساعات طويلة من العمل، قد تصل إلى 12 ساعة.
هذه الظروف قد تتسبب في إصابة العمال بأمراض خطيرة، من بينها السرطان وتسمم الدم، بالإضافة إلى تلف الرئتين المزمن والتهاب الجلدية، كما انتقدت المنظمات الحقوقية استغلال كثير من الأطفال في هذه الصناعة التي تدر أرباحاً بالملايين لتصب في جيوب بعض الأفراد والشركات العالمية.
لا تراعي قرابة 205 من المناجم التي تقوم باستخراج الكوبالت في العالم الظروف الإنسانية للعاملين، إذ يتعرض غالبيتهم لحوادث مميتة جراء عملهم في استخراج الصخور من مناجم عميقة تحت الأرض، الشيء الذي يعرضهم لاستنشاق غازات سامة.
تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف إلى أن عدد الأطفال العاملين في تلك المناجم يبلغون نحو40 ألف طفل، بعضهم عمره 7 سنوات فقط، هؤلاء الأطفال يتعرضون لظروف قاسية جداً في مناجم تقع تحت سطح الأرض، وبعضهم لم يشاهد ضوء الشمس مدة طويلة بسبب بقائهم طوال اليوم في تلك المناجم.
إفريقيا القلب النابض لمعدن تكنلوجيا المستقبل
تتصدر قارة إفريقيا قائمة الإنتاج العالمي للكوبالت، إذ توجد بها 7 دول من أكثر المصدرين له عالمياً ضمن قائمة أفضل 13 دولة، تتصدر القائمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى كل من مدغشقر والمغرب وزامبيا وغيرها من الدول الإفريقية.
فيما يلي أكثر الدول إنتاجاً للكوبالت والاحتياطي العالمي منه في كل دولة منذ 2017:
- جمهورية الكونغو الديمقراطية: أنتجت جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو 100 ألف طن من الذهب الأزرق خلال سنة 2019، بما يمثل أكثر من 70% من إجمالي الكوبالت المُنتج في العالم في ذلك العام، ويوجد في مقاطعة كاتانغا بعض أكبر مناجم الكوبالت في العالم، بما في ذلك منجم "موتاندا"، و"كاموتو"، و"إيتوال".
رغم أن العديد من الشركات الكبرى تستخرج الكوبالت من الكونغو، فإنه وفقاً لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي يساهم التعدين على نطاق صغير بنسبة تتراوح بين 15% و30% من إجمالي الكوبالت المُنتج في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
- روسيا: تعتبر روسيا المصدر الثاني عالمياً لمعدن لهذا المعدن بناتج 6.1 ألف طن خلال سنة 2019، أي ما يمثل 4% فقط من الإنتاج العالمي، يتركز نشاط تعدين الكوبالت في روسيا في منطقة جمهورية ألتاي، والتي يوجد بها منجم "كاراكول"، والذي يُعد أحد أكبر مصادر الكوبالت في الدولة.
- مدغشقر: جاءت مدغشقر في المركز السادس بحجم إنتاج بلغ 3.3 ألف طن كوبالت سنة 2019، بما يمثل نحو 2.4% من الإنتاج العالمي للكوبالت، ويُقدر احتياطي الدولة من هذا المعدن بـ120 ألف طن، ويتركز تعدين الكوبالت في مدغشقر في مشروع "أمبا توفي" لتعدين النيكل والكوبالت، والذي تبلغ تكلفته حوالي 8 مليارات دولار.
- بابوا غينيا الجديدة: جاءت بابوا غينيا الجديدة في المركز السابع بحجم إنتاج بلغ نحو 3.1 ألف طن كوبالت في 2019، بما يمثل 2.2% من الإنتاج العالمي للكوبالت، وتمتلك الدولة احتياطي كوبالت يبلغ 56 ألف طن.
من بين الدول الإفريقية التي تتصدر قائمة إنتاج وتصدير الذهب الأزرق في العالم نجد كلاً من:
- زامبيا.
- جنوب إفريقيا.
- المغرب.
لتتصدر القارة الإفريقية إجمالي الإنتاج العالمي من هذا المعدن بنسبة 83%، بالمقارنة مع إنتاج باقي قارات العالم.