يُقال إن تناول الكاتشب مع البيتزا في أي مدينة إيطالية بمثابة جريمة لا تُغتفر، وقد يقترب منك العامل في المطعم ليُخبرك بأن ما تفعله غير مقبول، ولا يمتّ إلى الثقافة الإيطالية إطلاقاً؛ فالبيتزا تؤكل وحدها، وباليدين.
لكن رغم ذلك، فإن سوق الكاتشب العالمي يشهد نمواً لا مثيل له عاماً بعد آخر. فقد كشف تقريرٌ صادر من شركة Mordor Intelligence للتحليلات البيانية، أن سوق هذه الصلصة اللذيذة يشهد معدل نمو سنوياً مركباً، يبلغ 5.20% منذ العام 2019، وسيستمر حتى العام 2024، وفق الدراسات.
وفي الواقع، فإن سوق الكاتشاب يستفيد من ميل المستهلكين حول العالم إلى اتباع أسلوب الحياة الغربية، لا سيما في البلدان النامية، حيث يحبذ المواطنون فيها التوجه نحو استهلاك الوجبات السريعة من المطاعم العالمية المعروفة.
ووفق التقرير، فإن الطبقة الوسطى هي المستهلكة الحيوية لصلصة الكاتشب، لأنها مستهلكة رئيسية لصناعة الوجبات السريعة عموماً، ما سيؤدي حتماً إلى فرص نمو كبيرة لسوق الكاتشب العالمي.
وفي تقريرٍ مؤلف من 80 صفحة صدر في مايو/أيار 2022، أشار موقع Research and Markets إلى أن حجم سوق الكاتشب العالمي من المتوقع أن يصل إلى 25.4 مليار دولار بحلول العام 2028، بمعدّل نموٍّ سنوي مركَّبٍ قدره 2.8% بين 2022 و2028.
والواقع أن أمريكا الشمالية أكبر مستهلك للكاتشب في العالم، إذ تبيّن أن سكانها يفضلون الصلصة الحمراء على باقي الصلصات والتوابل، وما يقارب 97% من الأسر في كل الولايات المتحدة يستهلكون الكاتشب.
لكن هذه الصلصة التي أصبحت حاضرة إلى جانب كثير من أطباقنا، لم تنطلق من الولايات المتحدة -كما قد يظنّ البعض- والأغرب أنها لم تُصنع أولاً من الطماطم، التي كانت تُعتبر ثمرة سامة في زمنٍ سابق.
تاريخ اختراع الكاتشب
للكاتشب تاريخ طويل من التطور، وما قد يثير الدهشة أن هذه الصلصة بدأت أولاً في الصين. فالنسخة الأولى من الكاتشب كانت تحتوي على سمكٍ مخمّر مع فول الصويا، وبدت إلى حدٍّ ما أشبه بصلصة الصويا، وكانت تُسمّى Geh-Tchup أو Koe-Theup، أي صلصة السمك.
وبفضل التخمير، كان من السهل حفظ هذه الصلصة، من دون أن تحتاج عملياً إلى شروط تخزين خاصة أو معقدة.
لذلك ومع نهاية القرن الـ18، أحضر التجار البريطانيون والهولنديون الكاتشب إلى أوروبا، رغم أن الإنجليز عرفوا نبتة الطماطم في القرن الـ15 (من أمريكا الجنوبية) فإن ثمارها لم تؤكل لقرون، لأنها كانت تُعتبر سامة.
في أوروبا، احتفظ الطهاة باسمها وغيّروا الوصفة، فأضافوا بعض المكونات الجديدة. لكنها كانت لا تزال بعيدة عن الصلصة التي نعرفها اليوم، وكانت تعتمد أساساً على الفطر المخصب بالمحار، وسمك الأنشوجة، والليمون، وأحياناً الجوز.
وفي هذا الإطار، فإن أول وصفة مطبوعة معروفة عن الكاتشب وردت في كتاب الطبخ The Compleat Housewife لإليزا سميث عام 1727، الذي صدر في لندن للمرة الأولى وكُتبت كلمة كاتشب بهذه الطريقة "Katchup".
وفي العام 1812، ظهرت أول وصفة معروفة للكاتشب، بالشكل الأقرب للصلصة التي نعرفها اليوم. ابتكرها عالم البستنة الأمريكي جيمس ميس، وكان له الفضل في تطويرها، وقد تضمنت نسخته شراب البراندي ولكنها افتقرت إلى الخل العادي والسكر.
قبل أن يصبح الخل مكوناً أساسياً فيها، كان الحفاظ على صلصات الطماطم مشكلة، لأن الثمار كانت تتحلل بسرعة، حتى قدمت شركة Heinz عام 1876 صيغتها الشهيرة التي احتوت على: الطماطم، والخل المقطر، والسكر، والملح، وتوابل مختلفة.
كما كانت الشركة الرائدة أول من استخدم الزجاجات، حتى يتمكن المستهلكون من رؤية ما يشترونه، قبل أن تعود وتقدّم العبوة البلاستيكية المقلوبة (ذات الفتحة المطاطية المصنوعة من السيليكون) عام 1991.
(يمكنكم قراءة التفاصيل هنا)
أصبح الكاتشب الذي يعتمد على الطماطم الشكل المنتشر في كل مكان حول العالم، من الولايات المتحدة إلى أوروبا. واليوم، تُعتبر هاينز (Heinz) العلامة التجارية الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة.
وفقاً لموقع History البريطاني، يتم بيع أكثر من 650 مليون زجاجة من كاتشب هاينز كل عام، وتُعتبر رائدة في كل التطور الذي عرفته صلصة الكاتشب على مرّ العصور.
هل نحتفظ بعبوة الكاتشب داخل الثلاجة؟
يمكن القول إن هذا السؤال الجدلي تاريخي، ولطالما انقسم الناس بين من يحتفظ بالعبوة خارج الثلاجة ومن يضعها داخل الثلاجة. لكن شركة هاينز حسمت الجدل أخيراً.
ففي تغريدةٍ نشرتها الشركة عبر حسابها الرسمي على تويتر، في يونيو/حزيران 2023، قالت فيها: "للعلم، الكاتشب يوضع داخل الثلاجة".
كان أسفل هذه التغريدة استطلاع رأي تسأل فيه الشركة الجمهور عما إذا كانوا يحتفظون بعبوة الكاتشب داخل الثلاجة، أم في خزانة المطبخ. حُسمت النتيجة لصالح "الثلاجة"، بعدما اختارها ما يزيد قليلاً على 63% من المُصوّتين، البالغ عددهم أكثر من 13 ألف صوت.
ووفقاً لموقع Simplemost، يتوافق إعلان شركة هاينز مع تغريدة نشرتها الشركة عام 2017، جاء فيها: "بسبب حموضتها الطبيعية، فإن عبوة كاتشب هاينز يمكن الاحتفاظ بها فترة طويلة خارج الثلاجة، لكن يجب تبريدها بعد الفتح للحفاظ على جودة المنتج".
بعبارة أخرى، فإن الاحتفاظ بالعبوة في خزانة المطبخ لن يجعلك عرضة لخطر الإصابة بالمرض مثلاً، لكن أخذ الحيطة والحذر لن يكون ضاراً، رغم أن العفن قد يتسلل إلى العبوة بعد فتحها.
ومع أن الثلاجة تحافظ على نكهة الكاتشب وطزاجته فترة أطول، وتقلل أيضاً من احتمالية حدوث أي عفن أو تغيير غريب داخل العبوة، يختار البعض الاحتفاظ به في خزانة المطبخ. لماذا؟ لأن عدداً من الناس يرفض فكرة وضع صلصة مُبرّدة على طعامٍ ساخن. فبعد كل شيء، لكل شخصٍ ذوقه الخاص في الطعام.