كثيراً ما نضع مخططات معينة ونحدد مهام للقيام بها خلال اليوم، لكن لسبب أو لآخر نفشل في ذلك ونمضي الوقت بفعل "اللاشيء"، لكن غالباً ما يترافق مع هذا اللاشيء شعور قاتل بالذنب، إذ تشعر بأنه كان يتوجب عليك القيام بالتمارين الرياضية أو القراءة أو الدراسة أو العمل، لكن لا تقلق فوقت الراحة الذي تندم على قضائه مهم للغاية لصحتك النفسية والجسدية كذلك.
الشعور بالذنب وقت الراحة
وفقاً لعلماء النفس، فإن مفهومنا عن الراحة خاطئ إلى حد ما، فعلى سبيل المثال إذا قضينا عطلة نهاية الأسبوع في زيارة للأصدقاء أو العائلة أو في رحلة إلى أحد المنتزهات القريبة، فهذا لا يعني أننا نأخذ قسطاً من الراحة، بل العكس نقوم بمجهود بدني ونفسي في يوم يتوجب علينا فعلياً أن نستريح فيه، لذلك فإن قضاء الوقت في المنزل وأنت تفعل "لا شيء" لا يعتبر أمراً يتوجب الشعور بالذنب، بل العكس، فأنت تقدم لنفسك بذلك خدمة تساعد على تحسين صحتك الجسدية والنفسية في آن معاً.
من سوء الحظ، فإن كثيراً منا يكافحون من أجل عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، مثل الجلوس على قطعة من العشب في الشمس أو قضاء أمسية مستلقية على الأريكة لمشاهدة Netflix. فحتى لو كنت تحب القيام بهذه الأشياء في ذلك الوقت، فإن الشعور بالذنب بسبب عدم كونك منتجاً أو نشطاً سيتسلل إلى داخلك في النهاية.
ويرجع الخبراء ذلك إلى ما يسمى "ثقافة الصخب" التي نعيش فيها والتي تجعل فكرة عدم فعل شيء على الإطلاق مخيفة في الواقع. فإذا لم نقم بالخروج مع الأصدقاء أو أداء التمارين الرياضية أو قراءة الكتب أو ترتيب المنزل، فإننا نشعر كأننا نضيّع الوقت.
لكن في حين يبدو الجلوس وفعل اللاشيء مجرد مضيعة للوقت، إلا أن العكس صحيح تماماً، إذ تحدث الكثير من الأمور المهمة لجسدك وصحتك النفسية في أثناء الاسترخاء والاستمتاع بعدم فعل أي شيء على الإطلاق.
فوائد أخذ قسط من الراحة
لنفترض أنك تبدأ يومك بالتمارين الرياضية المكثفة ثم تذهب إلى العمل لتقضي ساعات طويلة هناك ثم تقضي أمسياتك في الزيارات العائلية أو الواجبات الاجتماعية، متى تعتقد أن جسمك قد يتعافى بالفعل من آثار كل ذلك؟
تقول رينيه مكجريجور، أخصائية التغذية: "ذلك الوقت الذي تسمح فيه لنفسك بعدم القيام بأي شيء هو الوقت الذي يتكيف فيه جسمك، خاصة إذا كنت قد مارست كثيراً من التدريبات والتمارين الرياضية"، وتضيف: "يوم كامل من الراحة هو فرصة لجسمك لإعادة التوازن".
عندما تكون نشطاً بدنياً طوال الوقت، تحدث الكثير من التفاعلات الكيميائية باستمرار. يحتاج الجسد إلى فرصة للراحة والتعافي. فخلال ذلك الوقت سيصلح الجسم العظام والأنسجة والعضلات ويصنع خلايا الدم الحمراء التي تدعم جهاز المناعة لديك.
التخلص من التوتر
تقول ماكجريجور: "سواء أكان ذلك ضغطاً جسدياً أم ضغطاً عاطفياً، فإن الجسد لا يرى سوى الإجهاد". بمعنى آخر لا يفرق جسمك بين أنواع التوتر المختلفة، وبالتالي فأنت لا تحتاج للراحة فقط إذا كنت تقوم بالتمارين الشاقة أو النشاط البدني المرهق، أيضاً تتطلب الأيام الطويلة في المكتب أو حتى الإجهاد الشخصي والعائلي وقتاً للتعافي.
"إذا لاحظت أنك قلق أو مضطرب أو أن الحياة تضغط عليك أكثر من المعتاد، فإنه من المفيد للغاية أن تقضي بعض الوقت وأنت لا تفعل شيئاً على الإطلاق، فذلك يمنح جسمك وعقلك الوقت اللازم للمعالجة.
التعامل مع مشاكلك
ربما يكون شعور الذنب الذي ينتابك عندما تكون في وضع الراحة مجرد آلية دفاعية تدل على وجود كثير من المشاكل في حياتك؛ مما يدفعك إلى تلهية نفسك باستمرار، كي لا تجد نفسك في وضع الراحة في مواجهة أفكارك.
لا يوجد حل حقيقي لهذا بخلاف ملاحظة هذا السلوك، هل هوسك بعدم الوجود في المنزل مطلقاً هو أسلوب إلهاء؟ هل رغبتك في أن تكون مشغولاً كل يوم لتغطية شيء أكثر تعقيداً؟
من المفيد في هذه الحالة أن تحاول تحديد مشاكلك والتعامل معها، وأن تتجنب التفكير فيها في وقت الاسترخاء.
قضاء الوقت مع أحبائك
يعتبر وقت الراحة وقتاً مناسباً للتواصل الذي لا يتطلب القيام بأي نشاط بدني. من الأفضل إجراء العديد من اتصالاتنا في أوقات المساء أثناء الاستراحة، أو عندما تنغمس بشكل مريح على الأريكة أو تستمتع بالكسل في فترة ما بعد الظهيرة المشمسة.
"الجلوس مع عائلتك أو أصدقائك أو شريكك- حتى لو كنتما تشاهدان شيئاً معاً، ولا تتحدثان بالضرورة- شكل من أشكال الاتصال. إنه يوفر إحساساً بالأمان، والشعور بالانتماء، والشعور بالمساهمة في شيء مهم ألا وهو الحفاظ على صحتك النفسية".
المساعدة في عملية الإنتاجية
تأتي أفضل الأفكار إلينا أثناء الاستحمام أو عند الخروج من السوبر ماركت أو ربما عندما يكون لديك وقت للجلوس وقراءة كتاب يعزز أفكارك الإبداعية.
نحن بحاجة إلى فترة نقاهة كي نحصل على الإلهام، وغالباً ما تكون فترات الراحة هي الأوقات الأنسب لذلك.
لذلك في بعض الأحيان لا نحتاج إلى فعل أي شيء، على الرغم من أن عقولنا (أو المجتمع) تخبرنا بأنه لا ينبغي لنا أن نجلس على الأريكة. في المرة القادمة التي تعاقب فيها نفسك على الكسل، اسأل نفسك: هل أنت حقاً لا تفعل شيئاً، أم أنك تغذي جسدك وعقلك؟