رغم العلاقة الوثيقة بين الإمارات وأمريكا، فإن أبوظبي تبدو أنها تتخذ مساراً مستقلاً في هذه العلاقة بما في ذلك التقارب مع خصوم واشنطن، ولكن الإمارات لا تريد تقليل الدور الأمريكي بالمنطقة، ولكن يبدو أن تحركاتها هذه نابعة من عدم ثقتها في الالتزام الأمريكي بحماية أمنها وأمن بقية دول الخليج.
فحاكم دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، يعد حليفاً أمريكياً رئيسياً يعتمد على الولايات المتحدة للدفاع عن بلاده، لكنه سافر مرتين إلى روسيا خلال العام الماضي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وفي يونيو/حزيران الماضي، تم الاحتفال ببلاده كضيف شرف في منتدى الاستثمار الرئيسي الذي يحضره ويرعاه الرئيس الروسي.
في وقت لاحق من هذا الشهر، تخطط القوات الجوية الإماراتية والصينية للتدريب معاً لأول مرة، وهو تحول ملحوظ لدولة خليجية تعتمد منذ فترة طويلة على الطائرات المقاتلة الأمريكية والأسلحة والحماية الأمريكية.
في 31 مايو/أيار 2023، أعلنت الإمارات إنها انسحبت قبل شهرين من تحالف أمني بحري تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو تحالف يتألف من 34 دولة، ويعمل على ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والقرصنة في منطقتي البحر الأحمر والخليج،
تُظهر هذه العلاقات المتعمقة كيف أن زعيماً شرق أوسطياً ينظر إليه من قِبل حكومة الولايات المتحدة باعتباره شريكاً مهماً يتجه بشكل متزايد نحو مساره المستقل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the New York Times الأمريكية.
وحقق المسؤولون الأمريكيون نجاحاً محدوداً في إقناع الشيخ محمد بالتوافق مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة – لا سيما عندما يتعلق الأمر بالحد من العلاقات العسكرية الصينية وعزل روسيا بعد غزو أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، ازدهرت الإمارات بفضل تدفقات الأموال الروسية والنفط والذهب، مما أدى إلى تغذية الجنون الذي يجتاح قطاع العقارات في مدينة دبي المتألقة.
العلاقات الإماراتية المتنامية مع كل من المنافسين الأمريكيين والاقتصادات الآخذة في التوسع مثل الهند، كلها تستعد لعالم قد لا تهيمن عليه الولايات المتحدة يوماً ما.
الإمارات تستعد لعالم أكثر مرونة لا تهيمن عليه الولايات المتحدة
قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للشيخ محمد بن زايد، لصحيفة نيويورك تايمز مؤخراً: "ما نراه في النظام الدولي ليس بالضرورة عالماً متعدد الأقطاب، لكننا نشهد عالماً أكثر مرونة حيث تتغير الأشياء".
كان قرقاش أكثر صراحة في محاضرة باللغة العربية العام الماضي، حيث أعلن أن الهيمنة الغربية كانت "في أيامها الأخيرة".
على مدى العقد الماضي، تزايد قلق القادة الإماراتيين بشأن التزام واشنطن طويل الأمد تجاه الشرق الأوسط، الذي لا يزال يستضيف عشرات الآلاف من الأفراد العسكريين الأمريكيين.
إنهم يخشون تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة – والدفاع العسكري المصاحب لها – ويقولون إن واشنطن لم تفعل ما يكفي لردع التهديدات من إيران.
ويقولون إن واشنطن لم تفعل ما يكفي لردع تهديدات إيران، لكن في الوقت نفسه، يواصلون السعي للحصول على حماية أكبر من الولايات المتحدة.
وقالت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، لهيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز في يونيو/حزيران عندما سُئلت عن الهواجس الإماراتية: "أعتقد أنها لحظة صعبة"، وأضافت أن الولايات المتحدة لا تزال موجودة في المنطقة، لكنها "تطلب من شركائها أن يتقدموا ويفعلوا المزيد، وهذا تحول".
تسيطر على صناديق سيادية بقيمة 1.5 تريليون دولار
يبلغ حجم دولة الإمارات التي تتكون من سبع مشيخات تقع على الخليج العربي، مساحة ولاية ساوث كارولينا الأمريكية تقريباً، وعلى الرغم من صغر حجمها، فهي واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، وتسيطر صناديق الثروة السيادية على أصول تقدر بنحو 1.5 تريليون دولار – أكثر من القيمة السوقية لشركة أمازون. بينما يختبر حكامها حدود علاقتهم بواشنطن، فإنهم يعتمدون على النفوذ الدولي الهائل الذي بنوه من خلال الثروة.
كتب حكام الإمارات قواعد اللعبة التي تمشي عليها حكومات خليجية أخرى – لا سيما السعودية – وهم يحاولون تنويع اقتصاداتهم بعيداً عن الاعتماد على النفط وتوسيع نفوذهم في الخارج، بما في ذلك من خلال الرياضة. تحركت الإمارات في وقت أبكر من جيرانها لاتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية والتعامل بحزم أكبر مع الولايات المتحدة – وهي استراتيجية تبناها الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، منذ ذلك الحين.
لقد كان تحولاً نشأ جزئياً عن الشعور بالضعف. كانت المناطق المتفرقة التي شكلت الإمارات عبارة عن محميات بريطانية يبلغ عدد سكانها مجتمعة بضع مئات الآلاف من الناس إلى أن توحدت في السبعينيات، وكانت الدولة الجديدة محصورة بين جيران أكبر – إيران والسعودية – وتوقع بعض المراقبين الأوائل أن يتم الحاقها بأحد البلدين في النهاية. لكن بدلاً من ذلك، تحولت الإمارات إلى مركز قوة إقليمي.
اليوم، دبي هي موطن لواحد من أكثر المطارات ازدحاماً في العالم، وأطول ناطحة سحاب في العالم وشركة موانئ تدير منشآت خارج منطقة الشرق الأوسط. على مدى السنوات القليلة الماضية، انتهز القادة الإماراتيون الفرص التي قدمتها العديد من الكوارث -بما في ذلك جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا- لترسيخ مكانة بلادهم كصاحب أعمال ناجح، حيث يختلط أصحاب الملايين البريطانيون مع الأوليغارشية الروسية وأباطرة المال الهنود.
قال محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي، في بودكاست سعودي العام الماضي: "العالم كله يعرفنا الآن"، مضيفاً: "إنهم يعرفون أهميتنا، وهم يعرفون تأثيرنا على العالم".
جذور السياسة الإماراتية الحالية تعود لفترة الربيع العربي
بدأت السياسة الخارجية الأكثر جرأة للبلاد في الظهور قبل عقد من الزمان، عندما أطاحت ثورات الربيع العربي بحكام أقوياء إقليميين في نفس الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما سعيه للتحول نحو آسيا وعندما أعادت الانتفاضات ترتيب هيكل القوة في الشرق الأوسط، أرسلت الإمارات جنوداً وأسلحة في الحروب الإقليمية المتعددة التي تلت ذلك.
وقال مسؤولون أمريكيون في ذلك الوقت إن البلاد شنت غارات جوية في ليبيا عام 2014 دون إخطار الولايات المتحدة وفي عام 2015، بعد أن سيطرت ميليشيا مدعومة من إيران على العاصمة اليمنية، انضمت القوات الإماراتية إلى تحالف عسكري تقوده السعودية للتدخل ولا تزال تلك الحرب مستمرة، وأغرقت اليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
في عام 2019، أعلنت الإمارات انسحاب قواتها من اليمن وكان ذلك بمثابة بداية فترة غيرت فيها الحكومة خطابها -إن لم يكن أفعالها دائماً- إلى دبلوماسية أكثر ليونة وذات دوافع اقتصادية وصانع سلام يدعو إلى السلام في منطقة أنهكها الصراع.
تقاربت مع غريمتها إيران والشيخ محمد لم يزُر واشنطن منذ 2017
وأكدت الدولة على تخفيف حدة التوترات، لا سيما مع إيران – وهو نهج تبنته السعودية أيضاً عندما أعادت العلاقات الدبلوماسية مع طهران في صفقة توسطت فيها الصين هذا العام.
ومع ذلك، استمرت الإحباطات الإماراتية تجاه الولايات المتحدة في الازدياد. لم يزر الشيخ محمد الولايات المتحدة منذ عام 2017 وتعثرت صفقة شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 في عام 2021، وأبرمت الإمارات عدداً من الاتفاقيات للحصول على أسلحة من دول أخرى منذ ذلك الحين، بما في ذلك طائرات هجومية خفيفة من الصين.
الهجمات الإيرانية كانت نقطة فارقة في العلاقة بين الإمارات وأمريكا
قال قرقاش، مستشار الشيخ محمد: "إنك تريد حقاً التزاماً راسخاً بأمنك في منطقة صعبة للغاية"، واصفاً ذلك بأنه "قضية وجودية". يتوقف مكانة الإمارات كمركز للأعمال والسياحة على سلامتها النسبية في منطقة مضطربة.
لكن في يناير/كانون الثاني 2022، تعرضت العاصمة أبوظبي لهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ تبنتها جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن وتم إحباط هجوم واحد بمساعدة الولايات المتحدة.
نشر الأمريكيون دفاعات صواريخ باتريوت من قاعدة جوية، لكن هجوماً آخر أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
ولكن جادل مسؤولون إماراتيون بأن الرد الأمريكي لم يكن كافياً، واستغرقت تعهدات التطمين وقتاً طويلاً.
الأمر لا يتعلق ببايدن وترامب، ولكن بالنظام الأمريكي برمته
قال السيد قرقاش: "هل يمكن للنظام الأمريكي أن يوفر لك ما تريده؟" في إشارة إلى أنه يتوقع مشكلة طويلة الأمد، "الأمر لا يتعلق ببايدن ولا يتعلق بترامب.. الأمر لا يتعلق بمن سيأتي لاحقاً".
في مؤتمر عُقد في البحرين في نوفمبر/تشرين الثاني، قال بريت ماكغورك، المسؤول الكبير في البيت الأبيض الذي يتعامل مع سياسة الشرق الأوسط، إنه سمع مخاوف مستمرة بشأن الالتزام الأمريكي تجاه المنطقة.
وقال: "نحن هنا لنبقى بلا شك". أدى الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي إلى ظهور هذه التوترات في الواجهة. أوضحت الإمارات، إلى جانب العديد من الدول الأخرى، أنها لن تكون مجبرة على الانحياز لأي طرف.
ويقول المسؤولون الإماراتيون إن عليهم إبقاء الحوار مفتوحاً مع روسيا لمتابعة جهود السلام والوساطة. ولقد امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة روسيا بعد وقت قصير من غزوها أوكرانيا
أبوظبي تريد لواشنطن حصة أكبر بالمنطقة
وقالت دينا إسفندياري، كبيرة مستشاري مجموعة الأزمات الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الأولوية القصوى للقادة الإماراتيين لا تزال "ضمان أن يكون للولايات المتحدة حصة أكبر في المنطقة، وليس حصة أقل".
في الواقع، كانت بعض التحولات في السياسة الخارجية الإماراتية تتماشى بشدة مع مصالح البيت الأبيض. كانت الإمارات من أوائل المؤيدين الخليجيين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما فعلته في عام 2020 في صفقة بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.