يواصل مودي، رئيس وزراء الهند، جولاته الخارجية ومسيراته السياسية الهادفة إلى جعل بلاده قوة عظمى، لكنه يواصل تجاهل الهجمات العرقية التي يشنها أتباعه من الهندوس المتطرفين، فهل تخرج الأمور عن السيطرة؟
فمنذ وصول ناريندرا مودي إلى السلطة في الهند عام 2014، بدأت جماعات هندوسية يمينية في شن هجمات لا تتوقف على الأقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور.
كما أقرّت حكومة مودي قانوناً يخص الجنسية قال معارضون له إنه تقويض لدستور الهند العلماني بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة. والقانون من شأنه منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجاينيين والبارسيين والسيخ الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 2015.
الصراع العرقي في ولاية مانيبور وموقف مودي
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تحليلاً عنوانه "هل يتحول الصراع العرقي في الهند إلى قضية لا يقدر مودي على تجاهلها؟"، رصد كيف أن مودي خلال الآونة الأخيرة، يتصرف مثل المعتاد دائماً: السجاد الأحمر المفروش لاستقباله في الزيارات الخارجية، والفعاليات التي تشهد قص الأشرطة، والمسيرات السياسية داخل البلاد.
لكن رئيس الوزراء الهندوسي الشعبوي تجنب الحديث عن العنف العرقي الذي يستعر في ولاية مانيبور الواقعة شمال شرقي البلاد، تجنباً شبه تام. قُتل أكثر من 150 شخصاً، وشُرد أكثر من 60 ألفاً آخرين، وتحرق حشود الغوغاء من المجتمعات ذات الأغلبية من شعب الميتي، القرى التي تعيش فيها الأقلية من شعب الكوكي والقبائل الأخرى، مُخلّفين وراءهم آثار الموت والدمار.
وتنتشر الفوضى انتشاراً واسعاً لدرجة أن عشرات الآلاف من قوات الأمن الوطني التي أُرسلت لإخماد الاضطرابات، واجهت صعوبات لاستعادة الهدوء، مع تقسيم الأراضي فعلياً على أسس عرقية في الأحداث التي يصفها السكان بأنها حرب أهلية.
صحيحٌ أن بعض كبار الشخصيات في حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه مودي تدخلوا في الأزمة بدرجة أكبر، لكن رئيس الوزراء الهندي حافظ على صمت مدروس.
ولا يبدو كل ذلك أمراً مختلفاً أو نادر الحدوث، إذ يتبنى مودي وحزبه الهندوسي الحاكم، بهاراتيا جاناتا، سياسات قومية هندوسية تزيد الاستقطاب الديني، وبعد وقت قصير من إعادة انتخابه رئيساً للوزراء في 2019، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لإقليم كشمير، في مسعى لدمج المنطقة ذات الأغلبية المسلمة بشكل كامل مع بقية أجزاء البلاد.
وللسيطرة على الاحتجاجات الهادرة اعتراضاً على القرار، اعتقلت الإدارة الكثير من القيادات السياسية في كشمير، وأرسلت مجموعات شبه عسكرية كثيرة أخرى من الشرطة والجنود إلى الإقليم الواقع بمنطقة جبال الهيمالايا، والذي تطالب باكستان أيضاً بالسيادة عليه. وحظر حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي له مودي ارتداء الحجاب في الفصول الدراسية بولاية كارناتاكا. وطالبت جماعات هندوسية متشددة فيما بعد بمثل هذه القيود في ولايات هندية أخرى.
وكانت الشرارة لهذه الفوضى هذه المرة حكماً قضائياً هدد حالة توازن دقيقة عبر منحه في الأساس مزايا حكومية أكثر إلى شعب الميتي. ورغم أنهم يسيطرون على مقاليد السلطة في الولاية، إلا أنهم يملكون حصة صغيرة من أراضيها.
احتجت المجتمعات القبلية على الحكم القضائي، وقوبل احتجاجهم بالعنف من غوغاء الميتي، وهو ما قال عنه النشطاء والجماعات الحقوقية إنه جرى تمكينه ودعمه عن طريق حكومة الولاية. أعلنت المحكمة العليا في الهند أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الأدنى "خطأ تماماً من الناحية الواقعية"، ولكن كان الأوان قد فات لوقف العنف.
المعارضة في الهند.. حجب الثقة؟
ومن أجل إجبار مودي على الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالقضية، لجأت أحزاب المعارضة الهندية إلى شيء عنيف في الأسبوع الماضي: اقتراح بحجب الثقة ضد حكومته في البرلمان.
لكن هذه الخطوة، وهي التصويت الثاني من نوعه الذي يواجهه مودي خلال حوالي عقد زمني قضاه على رأس السلطة، ما هي إلا خطوة إجرائية بحتة، وحكومته لا تواجه خطر سحب الثقة منها.
على أية حال، سلطت تلك التحركات المعارضة الضوء على الطريقة التي تشكّلت بها الديمقراطية البرلمانية في البلاد عن طريق أقوى زعيم هندي منذ عقود. فمن خلال أغلبية مطلقة في المجلس التشريعي أتاحت له عرقلة النقاش وإخراجه عن مساره، ووسائل إعلام وطنية مُجبرة على الإذعان تتبعه وتدفن القضايا غير المريحة، وقضاء مُرهق تماماً، يحوز مودي سلطة لا تخضع لأية ضوابط عن طريق حواجز حماية النظام السياسي الهندي السالف ذكرها.
وفضلاً عن ذلك، يقول المحللون إن الموقف في مانيبور يجسد جوانب الضعف التي تعاني منها البلاد حتى في وقت صعودها بوصفها قوة دبلوماسية واقتصادية. والإخفاق في معالجة خطوط الصدع المحلية في بلد متنوع بدرجة هائلة، يفتح الطريق أمام الخصوم المتربصين عند حدوده لاستغلاله.
كذلك يمتد الموقف إلى الموارد العسكرية للهند؛ إذ إن القوات التي أُرسلت إلى مانيبور تأتي من فرقة مسؤولة في الأساس على تأمين الحدود الطويلة بين الهند والصين، حيث لا يزال الجانبان في حالة مواجهة منذ أكثر من عامين.
وصف غوراف غوغوي، زعيم المعارضة الذي طرح التصويت لحجب الثقة، هذه الخطوة بأنها جهود "لإجبار" مودي، الذي نادراً ما يحضر جلسات البرلمان أو يشارك في النقاشات، على التحدث عن مانيبور.
قال غوغوي، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الهندي في لوك سابها (مجلس الشعب الهندي، وهو المجلس الأدنى في البرلمان)، إن الجماعات العرقية المتورطة في العنف كانت منتشرة في العديد من الولايات، وإن "التأثيرات المتتالية" كانت مسؤولة. وأضاف أن الغوغاء نهبوا مستودعات أسلحة الشرطة، مع فقدان حوالي 5000 سلاح في منطقة معروفة تاريخياً بحركات التمرد العنيفة.
وأوضح غوغوي في مقابلة: "الحقيقة التي تقول إن هذه الأسلحة طليقة -وهي أعداد كبيرة من الأسلحة المتطورة- تشكل خطراً هائلاً للغاية على أمننا القومي".
يقول المحللون إن صمت مودي يعكس مدى أهمية صورته بالنسبة لحسابات حزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا، المتعلقة بالانتخابات العامة في العام المقبل. يتمتع مودي بشهرة بين المصوتين أكثر من الحزب الذي يقوده، حتى إن الحزب ترك له مهمة إنقاذه في الانتخابات المحلية والانتخابات على مستوى الولايات، التي واجه فيها حزب بهاراتيا جاناتا صعوبات من أجل الفوز بها. ويريد قادة الحزب تجنب ربط اسمه في أذهان الجمهور بما يحدث في مانيبور.
هل تخرج الأمور عن السيطرة؟
زار وزير الداخلية في حكومة مودي، أميت شاه، ولاية مانيبور في الشهر الماضي، وأبلغ البرلمان في الأسبوع الماضي بأنه كان يعتزم عقد نقاش نيابة عن الحكومة. وأبلغ هو ومسؤولون آخرون وسائل الإعلام المحلية بأن الحكومة كانت تحاول استعادة النظام من خلال العمليات الأمنية، والإجراءات القانونية، والتحدث مع جماعات الميتي والكوكي، وإن مودي يجري إطلاعه باستمرار على مستجدات الأزمة.
منذ تأسيس جمهورية الهند قبل 7 عقود، عانى شمال شرق البلاد من انتشار حركات التمرد المتجذرة في المظالم العرقية والقبلية. وانتهى كثير من حركات التمرد بوقف إطلاق نار هش، مخلفاً وراءه توازناً دقيقاً بين القبائل التي تتنافس على الموارد القادمة من نيودلهي، وأيضاً من حصة التجارة غير المشروعة على طول الحدود. أعطت الحكومات الوطنية المتعاقبة أولوية للعلاقات في شمال شرق البلاد، التي يمكنها توسعة حركة التجارة مع الدول المجاورة، مثل بنغلاديش وميانمار وجنوب شرق آسيا في العموم.
قال أفيناش باليوال، الباحث لدى مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن ومؤلف كتاب منتظر حول شمال شرق الهند، إن الدوامة في مانيبور "تثير تساؤلات حول ما هو أكثر من مجرد موضوع محلي بالهند، وأكثر من مجرد موضوع حول الترابطية في الهند. إنكم تفتحون جروحاً قديمة".
يعتنق الميتي في الغالب الهندوسية، ويعتنق الكوكي في الغالب المسيحية، لكن العنف كان مرتبطاً بالأسس العرقية أكثر من ارتباطه بالأسس الدينية.
استعرت التوترات منذ سنوات، عندما اتخذ رئيس حكومة الولاية المنتمي إلى شعب الميتي والمحسوب على الحزب الحاكم، بيرين سينغ، نهجاً مجحفاً للغاية في تعامله مع المجتمعات القبلية، لاسيما شعب الكوكي والكوكي زو، واصفاً إياهم بالدخلاء مغتصبي الأراضي. في الأزمة الحالية، وصف الصراع بأنه مواجهة بين الولاية وبين ما وصفهم بـ"الإرهابيين"، مشيراً إلى جماعات الكوكي.
لكن رئيس هيئة الأركان في الجيش الهندي قال إن "الموقف في مانيبور ليست له علاقة بمكافحة التمرد، وإنه في الأساس صدام بين جماعتين عرقيتين".
احتفظ سينغ بمنصبه رغم النداءات المنتشرة التي تطالب بإقالته، وبعضها يأتي من حزب بهاراتيا جاناتا نفسه. وجه المشرعون القبليون بحزب بهاراتيا جاناتا بشكلٍ أساسيٍ اتهامات إلى سينغ بالتواطؤ في العنف.
يقول المحللون إنه بدلاً من مساءلة سينغ، حاولت الحكومة التغطية على ما يحدث في مانيبور، من خلال قطع الإنترنت عن الولاية.
تحدث مودي مؤخراً بطريقة غير مباشرة عن مانيبور، عندما انتشر فيديو على موقع تويتر بعد نجاحه في تجاوز الحظر على الإنترنت. أظهر الفيديو حشود الغوغاء المنتمية إلى الميتي بينما تقود امرأتين عاريتين تنتميان إلى القبائل في موكب، وتعتدي عليهما. ركز تعليقه على "العار" من هذا الحادث، قبل دمجه مع الانتهاكات التي تتعرض لها النساء والعنف خلال الانتخابات المحلية في الولايات التي تحكمها المعارضة.
تحركت حكومته للضغط على تويتر لحذف الفيديو، وأخبر المسؤولون وسائل الإعلام المحلية بأن الرجل الذي التقط الفيديو أُلقي القبض عليه.
قسّمت الحكومة فعلياً ولاية مانيبور؛ حيث أبقت على سينغ في منصب رئيس حكومة الولاية للاعتناء بمناطق شعب الميتي، بينما تُدار مناطق شعب الكوكي والقبائل الأخرى عن طريق نيودلهي مباشرة، حيث يحاول الجيش الحفاظ على منطقة عازلة، وذلك حسب ما قال المحللون والسكان.
فيكرام سينغ، أحد كبار مسؤولي الشرطة سابقاً، قال لصحيفة نيويورك تايمز: "يجب أن تكون هذه دراسة حالة حول كيفية عدم معالجة المواقف التي تتطلب النظام والقانون، ناهيك عن ذكر حالات الانقسامات العرقية".
كانت نغاليام، التي تنتمي إلى شعب الكوكي وتجاوزت الستين من العمر، ضمن من أُجبروا على الفرار. وعندما فرّت مع شقيقها من القرية، لم يصحبهم ابنها البالغ من العمر 38 عاماً، ويدعى ثانجكوتشون، ومكث في القرية. قُتل ثانجكوتشون في هجوم قالت العائلة إنه نُفذ عن طريق حشود الغوغاء المصحوبة بالشرطة. وأوضحت صحيفة The New York Times أن ذلك الادعاء لم يكن من الممكن التحقق منه.
وفي الوقت الحالي تمكث نغاليام، التي تستخدم اسمها الأول فقط، في مخيم إغاثة بمنطقة شوراشاندبور. وقالت عبر الهاتف إنها كانت في حيرة حول كيفية جمع شتات نفسها مرة أخرى.
وصف الممرضون المتطوعون المرأة بأنها في حالة حزن شديدة، وقالوا إنها تتحدث عن مدى شعورها بالذنب لترك ابنها وراءها. وفي مقابلة عبر الهاتف، قال ممرض يُدعى لونمينثانج كيبجن: "تستيقظ في الليل تنتحب وتبكي وتقول: ابني ينظر إليّ ويلومني لكوني على قيد الحياة".