بطلتنا اليوم شخصية حقيقية ظهرت قصتها في فيلم سينمائي عام 2014، سنقرأ أحداث حياتها من منظور المرشد النفسي، كيف تم ترويج قصتها على أنها الزوجة التي يستغلها زوجها لمدة 10 سنوات لتحقيق أهدافه، وبعد حين تنقلب الأحداث لصالحها، فتنعم بالمال والشهرة حتى وقتنا الحالي. فما هو السر في هذا التغير؟
الخمسينيات من القرن الماضي كانت فترة جيدة إن كنت رجلاً، أما بالنسبة للنساء فالوضع مختلف تماماً كما سيظهر لاحقاً، حيث ستبدأ قصتنا في اليوم الذي تركت مارغريت كين زوجها، وخرجت من بيتها مسرعة. تبدأ أحداث الفيلم وهي تقوم بحزم حقيبة ملابسها لتغادر بيتها برفقة ابنتها الصغيرة جين.
تسافر مارغريت لسان فرانسيسكو لتبدأ حياة جديدة، وهنالك تبحث عن عمل وتكون فرص العمل للنساء في تلك الفترة صعبة جداً، فتجد وظيفة في مصنع للرسم على الأثاث، فالرسم هو الشيء الوحيد الذي تتقنه.
فتحاول مارغريت زيادة دخلها برسم المارة مقابل دولار واحد لكل رسمة.
وفي أحد الأيام تقابل والت كين، وهو رسام يتعرف عليها ويخبرها بأن موهبتها كبيرة وأنها تضيعها بالمال القليل الذي تكسبه، وأن كل ما تحتاجه لجلب الأموال الوفيرة أسلوب عرض للوحاتها، ويخبرها بأن موهبتها أكبر من موهبته لأنه يرسم الشوارع والطبيعة، أما هي فتستطيع رسم الناس.
وتبدأ صداقة بينهما ويسألها عن سبب العيون الكبيرة في لوحتها، فتجيب بأن العيون لا تكذب، وهي نافذة الروح، وعندما كانت صغيرة خضعت لعملية جراحية لم تجعلها تسمع لفترة، فجعلتها تركز في عيون الناس لتفهم ما يقولون.
تتطور العلاقة بين كين ومارغريت ويتزوجها ويساعدها في حضانة ابنتها جين ويعدها بحياة سعيدة.
فيبدأ كين يُروج للوحاته ولوحات زوجته، وبعد عدة محاولات ينجح في بيع لوحات مارغريت وتكون تحت توقيع اسم العائلة المشترك بينهما وهو كين، ويظهر هو في الإعلام والصحف على أنه هو رسام اللوحات. تغضب مارغريت من استغلالها، ولكنه يقنعها بأنه بائع بارع وسيجنيان المال الوفير، والناس ستقتنع بفنه لأنه رجل.
وتستمر مارغريت بالرسم ويقوم كين ببيع لوحات العيون الكبيرة، ويشتهر كين وتتضاعف ثروتهما، وبعد 10 سنوات تقرر أن ترفع مارغريت دعوى على زوجها وتكشف للصحافة أنها هي من ترسم لوحات العيون الكبيرة. تكسب مارغريت القضية وتحصل على المال والشهرة وتبدأ حياة جديدة في مدينة هاواي مع حب جديد.
نلاحظ أن مارغريت ليس الفن مصدر إبداعها الأوحد، بل هنالك شيء ما يميزها عن غيرها، إذا رصدنا الأحداث السابقة نلاحظ أن لديها القدرة على البداية من جديد في كل مرة، فلا تجعل الأشخاص أو الأماكن عائقاً في تحقيق أهدافها.
فما هو السر الذي يجعلها تستطيع أن تبدأ من جديد في كل مرة، وخصوصاً أن البدايات دائماً تكون بحاجة إلى القوة والإصرار وروح المغامرة!
إن السر هنا يكمن بدرجة إيمانها بذاتها، فهي تؤمن بقدراتها بصدق دون التظاهر بذلك، أما دافعيتها فتستمدها من داخلها، فهي لا تتأثر بالبيئة المحيطة إن كانت في الأشخاص أو المكان.
وعرف علماء النفس هذه الظاهرة باسم فاعلية الذات الإبداعية، أي مقدار إيمان الشخص بنفسه وقدراته، بمعنى أن تؤمن بقدراتك الداخلية بشكل قوي وصلب وألا يتأثر إيمانك بذاتك بالبيئة المحيطة.
حيث يشارك تقدير الفرد المتواصل لنفسه في وصوله إلى تشكيل معرفي مرتب موحد للمدركات الشعورية، والتصورات، والتقديرات الخاصة بالذات، فيضعها لذاته واتصاله بها، ويتكون مفهومه لذاته من أفكاره الذاتية المرتبة التي يحددها من العناصر المتباينة لكينونته الداخلية والخارجية، إذ تلعب بصيرته وتصوراته عن نفسه دوراً مهماً في تعيين صفاته الذاتية، وبالتالي تعكس وصف الفرد لذاته كما يتصورها هو، وبناءً على ذلك تتحدد الصورة التي يراها الآخرون، أي إيمانه بذاته كأنها مرآة تنعكس أمام الآخرين إذا كان في الداخل قوة وتقدير سينعكس في المرآة أمام الآخرين، وسينال منهم الاحترام والتقدير، والعكس صحيح.
فالسر وراء الشهرة والمال هنا فاعلية الذات الإبداعية العالية لدى بطلتنا، أي إن حب الذات والإيمان الحقيقي في قدراتها هو الذي يحدث التغير.
أما كين فكان لديه الإبداع بالترويج لأفكاره، ولكن شغفه بني على الوهم والسرقة، فانتهى حلمه بنهاية تعيسة، تُشخص فاعلية الذات الإبداعية لديه بأنها منخفضة لأنه يركز على عيوبه ويضخم المشكلات ولا يتعاطف مع ذاته ويجلدها باستمرار، كالأب المتسلط على أبنائه.
مع أنه شخص مبدع وخلّاق في الترويج وجني المال الكثير، لكنه لا يرى ذلك ولا يُقدره، لا يؤمن بموهبته المتفردة، وكان يتمنى أن يكون شيئاً آخر؛ تمنى أن يكون فناناً موهوباً مع أنه حتى لم يحاول أن يتعلم الرسم خلال السنوات العشر الماضية، فعندما طلب منه القاضي أن يرسم العيون الكبيرة ليحكم بينهما تظاهر بأن ذراعه تُؤلمه، وخرجت مارغريت منتصرة من القاعة تحمل لوحة العيون الكبيرة أمام الجميع.
يمكن أن يتساءل أحدهم: هل من أجل أن أكون مؤمناً بذاتي وأن أحقق أهدافي؛ يجب ترك المكان والأشخاص عندما تواجِهُني المصاعب كما فعلت مارغريت؟!
إن ذلك ليس بالضرورة؛ فالأشخاص يختلفون في ظروفهم، والإنسان الذي يمتلك فاعلية الذات الإبداعية العالية يستطيع أن يقرر إما أن يبقى أو ينسحب.
أما الأشخاص الذين لديهم فاعلية منخفضة للذات الإبداعية، ويعود ذلك بالعادة لعوامل عديدة منها التربية الوالدية أو البيئة المحيطة أو سمات الشخصية نفسها، هؤلاء بالعادة يتألمون ويحتاجون للمساعدة للتخلص من هذه المشاعر والأفكار الخطأ المشوهة، يستطيعون طلب المساعدة من المرشدين النفسيين لمساعدتهم في رفع فاعلية الذات الإبداعية لديهم بالتدريج حتى الوصول إلى الراحة والتوافق النفسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.