قد لا يتحكم الشخص في مشاعره تجاه الكثير من الأمور، وبالتالي يبدأ في تجنبها قدر الإمكان خلال حياته اليومية، لكن أن يعاني الإنسان من حالة فوبيا تجاه رقم معين هو ما قد لا يتمكن أبداً من تلافيه.
الرهاب من الأرقام وأسطورة الفوبيا من رقم 13
الرهاب من الأرقام يُعرف في علم النفس باضطراب (arithmophobia)، وهو الخوف غير المعتاد أو المنطقي الذي يشمل مجموعة واسعة من أنواع الرهاب المحددة، بما في ذلك الخوف العام من جميع الأرقام والخوف من أرقام محددة.
من أشهر أنواع فوبيا الأرقام تأتي الفوبيا من الرقم 13، أو ما يُعرف باسم "تريسكايديكا فوبيا"، والتي تدخل الكثير من العوامل في تعزيزها وتوسيع نطاق انتشارها بين الناس، من بينها عوامل ثقافية مثل الخرافات والأحداث التاريخية المتعلقة بالرقم، علاوةً على العديد من الممارسات المنتشرة في المجتمعات الغربية والعربية على حدٍّ سواء، ما جعل هذا الرقم بصورة خاصة من أكثر الأرقام التي يعاني الناس حالة من الفوبيا أو التشاؤم القهري منها.
إذ تم ربط هذا الخوف بالمسيحيين الأوائل نسبة إلى العشاء الأخير، حيث يُقال إن يهوذا هو الشخص الثالث عشر الذي ينضم إلى الطاولة.
لكن الرقم 13 يُعد أيضاً رقماً سيئاً الحظ في الثقافات الأخرى، إذ باتت العديد من الفنادق والأبراج الراقية للشركات والأعمال وحتى المطارات وخطوط الطيران تتجاوز تحديد طابق أو غرفة بالرقم 13، ما ساهم في تعزيز أن الرقم هو مصدر للشؤم وسوء الحظ بشكل كبير.
ففي العديد من الثقافات القديمة كان الرقم 12 يعتبر رقماً مثالياً. حضارات تعود إلى آلاف السنين، مثل الحضارة السومرية، أسست أنظمتها حول الرقم 12، فهناك 12 ساعة لقياس الوقت، و12 شهراً في السنة، و12 مرحلة من مراحل الأبراج الفلكية وغير ذلك الكثير.
ونظراً لأن الرقم الذي يلي هذا الرقم "المثالي" مباشرة، هو 13، فقد بدا معيباً بشكل ما، ما أثار القلق في جميع أنحاء العالم القديم.
بالإضافة إلى ذلك يمكن العثور على أدلة على هذا الرهاب في ثقافات قديمة أخرى؛ على سبيل المثال، في أساطير الفايكنغ، يُعتقد أن لوكي هو الإله الثالث عشر في معتقدهم، وهو أكثر الشخصيات المكروهة في تلك الحضارة.
ويقال أيضاً إنه تطفل على مأدبة فالهالا، التي دُعي إليها 12 إلهاً، فيما يُعرف بالجنة والعالم الأخروى المعادل للنعيم الأبدي للموتى. لكن سرعان ما قُتل هذا "الإله" بطريق الخطأ على يد شقيقه، باستخدام رمح قدمه له لوكي.
كما يمكن العثور على أقدم إشارة معروفة للرهاب من الأرقام في قانون حمورابي لبلاد الرافدين، وهو قانون بابلي يعود تاريخه إلى نحو عام 1760 قبل الميلاد.
في القوانين المرقمة تم استخدام كل الأرقام بخلاف رقم 13 والرقم 66 حتى الرقم 99. لذلك، من المحتمل أن "تريسكايديكا فوبيا" قد كانت منتشرة على نطاق واسع حتى بين الشعوب القديمة.
الخوف من الرقم 13 ليس الخرافة الوحيدة التي لها أصول نفسية قديمة، ففي العديد من دول آسيا يعتبر الرقم 4 رقماً سيئ الحظ بشكل خاص، وتحديداً في دول مثل الصين وفيتنام واليابان؛ لأنه يشبه كلمة "الموت" في اللغات المحلية عند النطق.
رُهاب الأرقام قد يزيد معدلات الموت لدى المصابين!
الرهاب من الأرقام يمكن أن يؤثر بشكل خطير على قدرة الشخص على القيام بالرياضيات والعمليات الحسابية البسيطة، ما قد يحد من الفرص التعليمية والمهنية بشكل يسبب أزمة حقيقية للمصابين بالفوبيا.
ويتضمن الرهاب من الأرقام بشكل عام حالة من الخوف الشديد من أشياء أو مواقف معينة مرتبطة بالرقم الذي يرفضه الشخص المصاب، وتصنف الحالة على أنها اضطراب القلق المزمن.
من ناحية أخرى، قد يخشى بعض الأشخاص المصابين برهاب الأرقام من رقم معين. في مثل هذه الحالات، عادةً ما يكون الرهاب متجذراً في حالة من الإيمان بالخرافات أو الرهاب الديني أو التعرض لتجارب سابقة مؤلمة.
هذه الأنواع من الرهاب لها عواقب حقيقية خطيرة، حتى وإن كان الخوف نابعاً مما قد يبدو كخرافات وأساطير. إذ وجدت دراسة أجريت عام 2001 في المجلة الطبية البريطانية، على سبيل المثال، أن الأمريكيين الآسيويين في كاليفورنيا كانوا أكثر عرضة للوفاة بنوبة قلبية في اليوم الرابع من كل شهر بنسبة تبلغ 27%، وذلك نتيجة للضغط العصبي والنفسي المرتفع الذي يتزامن مع هذا التوقيت لدى المصابين بفوبيا الأرقام.
بغضّ النظر عن مدى تنوع الرهاب من الأرقام والرقم المحدد الذي يعاني الشخص خوفاً منه، فإن أعراضه متشابهة إلى حد ما في طبيعتها ووقوعها مع مختلف أنواع الفوبيا.
ومن الأعراض القلق الشديد والرهبة وأي شيء مرتبط بالهلع مثل ضيق التنفس، والتنفس السريع، وعدم انتظام ضربات القلب، والتعرق الشديد، والغثيان، وجفاف الفم، وعدم القدرة على النطق والارتجاف.
هذا الرهاب ضار بشكل خاص، إذ غالباً ما يكون المصابون غير مؤهلين اجتماعياً ما يسهم في الإصابة بالمشكلات النفسية العميقة وعقدة الدونية المستمرة والرهاب الاجتماعي والقلق المزمن وحتى الاكتئاب الحاد.
التعامل مع فوبيا الأرقام وطرق إدارة الحالة
نظراً لأن أعراض جميع أنواع الرهاب المحدد تقريباً متشابهة، فإن العلاج مشابه أيضاً لمختلف أنواع الرهاب، إذ يعتمد عادةً على نفسية ومرونة العقل البشري وإمكانية تدريبه.
بالنسبة لجميع أنواع الرهاب، تظل الكلمة السحرية هي العلاج النفسي والسلوكي، وهي طريقة موثوقة تعتمد على دمج الأدوية والعلاج النفسي لإعادة برمجة استجابة الدماغ للأرقام وزيادة ثقة الفرد بنفسه.
ومع ذلك، يجب أن تأتي الرغبة في التغلب على الرهاب من الأرقام بشكل شخصي نابع من الداخل، حيث يكون فهم المشكلة هو الخطوة الأولى لتحقيق التعافي الأمثل.