تواجه المؤسسة الإيرانية مشكلة تتمثل في ظهور آية الله العظمى الجديد الذي أثارت أفكاره غضباً وفضولاً على حدٍّ سواء، وتحدى الحكومة في طهران، وقدم الدعم للحركة الاحتجاجية على مقتل مهسا أميني.
السيد جواد العلوي البروجردي، رجل دين يبلغ من العمر 72 عاماً، هو حفيد الزعيم الشيعي الموقر حسيني البروجردي، الذي اضطلع بدورٍ محوري في إحياء مدرسة قم، بحسب موقع Middle East Eye البريطاني، الأحد 30 يوليو/تموز 2023.
اليوم، يقف حفيده كقوةٍ وطيدة، نصَّب نفسه آية الله العظمى، ويسعى لإعادة تعريف الدور "المستقل" للمدرسة ورجال الدين في عيون الجمهور الإيراني الناقد.
أهداف جواد العلوي البروجردي
انطلاقاً من إرث جده، يسعى آية الله السيد جواد العلوي البروجردي إلى وضع وجهٍ جديد بين رجال الدين، منخرطاً مع الجمهور الإيراني بطريقةٍ قلَّما تجرأ شخصٌ مثله على اتباعها.
في الوقت الذي ينتشر فيه الاستياء من المدرسة الدينية على نطاق واسع بين الإيرانيين بسبب دعمها للجمهورية الإسلامية، حظي منظوره الجديد باهتمامٍ ودعمٍ كبيرين.
في إيران، يُحتكَر لقب "آية الله العظمى" لأولئك الذين نالوا المكانة المرموقة كمرجع في الفقه الإسلامي الشيعي. رسمياً، يوجد في إيران ثمانية مراجع فقط، لكن العدد أكبر بشكلٍ غير رسمي.
ليس وضع البروجردي رسمياً، ولكي يتغير ذلك، يجب أن يُوافَق عليه من قِبَلِ دولةٍ يعارضها على نحوٍ متزايد.
يتمتع آيات الله العظام، الذين لديهم اتصال يومي مع الجمهور، بصلاحية إصدار الفتاوى، ويبنون سلطاتهم على أساس اعتراف أتباعهم بهذه الفتاوى. لا يلتزم الأتباع بقيادة آيات الله العظام فحسب، بل يساهمون بإخلاص في الضرائب الدينية كعلامة على إخلاصهم.
الحقوق الأساسية للجميع
كان من المثير للجدل بشكل خاص، دعم البروجردي للديانة البهائية، التي يُقدَّر أتباعها في إيران بنحو 300 ألف.
تبنت حكومة طهران ورجال الدين المرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً سياسات تزجُّ في السجن أتباع البهائية وتجردهم من حقوقهم وضمن ذلك الحق في الدراسة والحريات الأساسية الأخرى.
في 6 يونيو/حزيران، تناول البروجردي هذه القضية، قائلاً إن حقوق البهائيين "يجب الحفاظ عليها" في مواجهة المعارضة. وانتقد نهج الجمهورية الإسلامية تجاه الأقلية، فقال: "البهائيون يؤمنون بشيء. لدينا أناس في إيران لا يؤمنون بأي شيء. لذا علينا قتلهم؟".
لا يشارك الجميع هذا الموقف الذي يُعتبَر تقدمياً في هذه الأوقات المحافظة للغاية. رداً على البروجردي، وصف ناصر مكارم شيرازي، آية الله العظمى المقرب من الجمهورية الإسلامية، البهائيين بأنهم جماعة سياسية تتلاعب بها قوى أجنبية، موصياً بالحذر في منحهم صفة رسمية. حتى إنه حثَّ البروجردي على تصحيح أقواله.
وأضاف آية الله نجم الدين الطباسي، وهو رجل دين بارز آخر في قُم إلى الانتقادات، قائلاً: "مثل هذه التصريحات ليست جيدة؛ إنها تقود إلى العلمانية".
من كورش الكبير إلى مهسا أميني
من الجوانب اللافتة للنظر في رؤية البروجردي، تركيزه على تاريخ إيران قبل الإسلام، وهو ما يتعارض مع الإدارة ورجال الدين المقربين منها، الذين يحاولون تجاهل الحضارة الفارسية القديمة.
يسلط البروجردي الضوء على أهمية أسطوانة كورش، وهي وثيقة من القرن السادس قبل الميلاد اعترفت بها الأمم المتحدة، وتشير إلى أن "لكل فردٍ الحق في الحرية والاختيار، وأن على جميع الأفراد احترام بعضهم بعضاً".
قال البروجردي: "أنا أُثني على أسطوانة كورش، بينما يعتقد البعض أنه لا يوجد شيء ذو قيمة قبل الإسلام. هذا ليس صحيحاً".
أسس كورش الكبير، ملك بلاد فارس (600 إلى 530 قبل الميلاد)، الإمبراطورية الأخمينية، أول إمبراطورية فارسية. عُثِرَ على الأسطوانة في بابل 1879، وقد نُقِشَت بالكتابة المسمارية البابلية بناءً على أوامر كورش، وهي تعزِّز حقوق الإنسان والتسامح والشجاعة واحترام الأقليات.
فكره الاقتصادي
إلى جانب حقوق الإنسان، يرفض البروجردي، عكس عديد من أقرانه، فكرة "الاقتصاد الإسلامي"، مؤكداً أن الإسلام لا ينص على مبادئ اقتصادية محددة.
وقال عن نهج الحكومة في التعامل مع الاقتصاد: "نحن نعمل منذ 43 عاماً وفعلنا كل شيء عن طريق التجربة والخطأ. يجب ترك الأمور للخبراء، وليس من الضروري حتى أن يكون الخبير متديناً".
وفي ما يخص الجدل حول ما إذا كان يجب أن يكون ارتداء الحجاب إلزامياً، قال البروجردي إن الإيمان الحقيقي لا ينبغي تحديده من خلال المظهر الخارجي فقط. وفي المقابل، شجَّع البروجردي على التركيز على الإيمان الحقيقي والعمل، وحث المجتمع على تجنب النزاعات المفرطة التي تضغط على نسيج الوحدة الدينية.
عندما قُتِلَت مهسا أميني وهي في الـ22 من عمرها، في أثناء احتجازها لدى شرطة الآداب بزعم عدم احترامها اللوائح المتعلقة بالحجاب، قال البروجردي: "كانت ابنةً لنا جميعاً، وما حدث لابنتنا كان مريراً جداً لنا جميعاً".
هزت الاحتجاجات إيران منذ مقتل أميني، وكان آية الله العظمى واضحاً في رده على ذلك. قال البروجردي عن المحتجين، مخاطباً الجمهورية الإسلامية: "هؤلاء الناس هنا يقولون كلمتهم ولا يتفقون مع ما تفعلونه. يجب أن تُسمَع أصواتهم في مكانٍ ما. اتركوا الصحف حرةً. يجب أن تكون الصحافة حرة. يجب سماع وجهات نظر مختلفة في التلفزيون الحكومي".
هاجمت وسائل الإعلام المتشددة، مثل وكالة رسا الإيرانية، رجل الدين؛ لدوره في "تأجيج الاحتجاجات"، لكن البروجردي ظلَّ صامداً، ودعا إلى معاملة المحتجين المعتقلين "برحمة".
ومع تنامي شعبيته، عارض المسؤولون الإيرانيون علناً ظهور البروجردي في صورة آية الله العظمى الجديد.