لا يزال الغموض سيد الموقف في النيجر بعد احتجاز جنود من الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم، فماذا يحدث في آخر معاقل فرنسا بغرب إفريقيا؟ ومن المستفيد من الانقلاب بعد إعلان قادة الجيش دعم التحرك؟
كان عدد من عناصر الحرس الرئاسي في النيجر قد أعلنوا، عبر التلفزيون الرسمي، الأربعاء 26 يوليو/تموز، عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازه وأسرته ووزير الداخلية وإغلاق حدود البلاد الواقعة غرب إفريقيا. وقال الجنود إنهم عطلوا الدستور وعلقوا جميع عمل المؤسسات في البلاد.
وعلى الفور توالت الإدانات الدولية والإقليمية للانقلاب في النيجر، لكن الخميس 27 يوليو/تموز ومع وصول الرئيس البنيني لإجراء وساطة، أعلن قائد الجيش عن تأييده للقوات التي أعلنت الاستيلاء على السلطة في البلاد، فماذا يحدث؟
النيجر.. تاريخ من الانقلابات
يبلغ عدد سكان النيجر 24 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمون، وتقع في غرب إفريقيا، وهي بلد حبيس سميت نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال الجزائر وليبيا، وتحدها تشاد من جهة الشرق.
ويبلغ إجمالي مساحة النيجر نحو 1.3 مليون كم مربع، مما يجعلها أكبر دولة في منطقة غرب إفريقيا من حيث المساحة، ويتركز معظم سكان النيجر في أقصى جنوبي وغربي البلاد، وعاصمتها نيامي، وهي أكبر مدن النيجر والتي يقع أغلبها على الضفة الشرقية لنهر النيجر في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد.
والنيجر واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ سجلت 4 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فضلاً عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، كانت إحداها قبل تنصيب بازوم نفسه بيومين. ووقع آخر انقلاب في الدولة الإفريقية في فبراير/شباط 2010، وأطاح حينها بالرئيس مامادو تانجا.
وكان تولي بازوم، أول رئيس عربي ومنتخب، السلطة في أبريل/نيسان عام 2021، خلفاً للرئيس محمدو إيسوفو، في أول انتقال للسلطة من رئيس إلى آخر من خلال صناديق الانتخابات. وعلى الرغم من أن إيسوفو كان قد جاء إلى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري أطاح بالرئيس الأسبق مامادو تانجا، فإن إيسوفو لم يلجأ إلى تعديل الدستور ليظل في الحكم كما كان متوقعاً، وتنافس حليفه بازوما في الانتخابات، التي شكلت سابقة غير مألوفة في البلاد سمحت بصعود رئيس من الأقلية العربية في بلد تحكمه العصبية القبلية.
إذ حقق بازوم فوزاً صعباً وحصل على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون صوت لصالح خصمه ماهامان عثمان، أي أكثر من 55% من الأصوات، رغم انتماء ماهامان إلى قبيلة الهوسة التي يمثل أفرادها 50% من السكان.
وتعتبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث تشغل الصحراء الكبرى نحو 80% من مساحة البلاد، بينما تعاني الأجزاء الباقية منها من مشكلات تتعلق بالمناخ مثل الجفاف والتصحر.
وكانت النيجر عبارة عن أطراف مترامية لدول وممالك كبيرة أخرى، ثم وقعت تحت الاستعمار الفرنسي، ومنذ الاستقلال عام 1960، تعاقبت على النيجر خمس حكومات، إضافة إلى ثلاث فترات من الحكم العسكري حتى تم تشريع قانون انتخابي يحكم اختيار رئيس البلاد عام 1999.
من الذي أطاح بالرئيس بازوم؟
كان الإعلان التلفزيوني عن الانقلاب قد ظهر فيه الميجور كولونيل أمادو عبد الرحمن، مع تسعة جنود آخرين يرتدون زياً عسكرياً، وجاء في البيان، الذي تلاه عبد الرحمن جالساً: "نحن قوات الدفاع والأمن… قررنا إنهاء النظام الذي تعرفونه"، وأطلق العسكريون على أنفسهم اسم "المجلس الوطني لحماية الوطن".
وعبر التلفزيون الوطني بالعاصمة نيامي، جاء في البيان: "نحن، قوات الدفاع والأمن، المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قررنا وضع حد للنظام الذي تعرفونه. يأتي ذلك على أثر استمرار تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية".
وأكد البيان "تمسك" المجلس بـ"احترام كل الالتزامات التي تعهدت بها النيجر"، مطمئناً أيضاً "المجتمع الوطني والدولي في ما يتعلق باحترام السلامة الجسدية والمعنوية للسلطات المخلوعة وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان".
وأوردت وكالة الأنباء الفرنسية تفاصيل الساعات الأولى للتحرك، الذي تشير تقارير إلى أن مدبر الانقلاب هو الجنرال عمر تشياني قائد الحرس الوطني، الذي يشغل منصبه منذ 10 سنوات وكانت هناك أحاديث عن تحضير الرئيس بازوم لإقالة تشياني من منصبه.
وبدأ الانقلاب عندما احتجز ضباط وجنود تابعون للحرس الرئاسي بازوم وأسرته ووزير الداخلية في مكاتبهم بالقصر الرئاسي، وبعد فشل المفاوضات تم إعلان البيان عبر التلفزيون، لكن لم تسمع أصوات اشتباكات وكانت الأمور تبدو طبيعية إلى حد كبير.
وبعدها، قال وزير الخارجية ورئيس الحكومة بالوكالة حسومي مسعودو لقناة "فرانس 24": "نحن السلطات الشرعية والقانونية. السلطة القانونية والشرعية هي التي يمارسها رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم"، وأضاف أن الرئيس بازوم "بصحة جيدة"، مؤكداً أنه "كانت هناك محاولة انقلاب"، ولكن "لم يشارك كل الجيش في هذا الانقلاب".
وقال: "نطلب من هؤلاء الضباط المنشقين وقف تحركهم. يمكن تحقيق كل شيء من خلال الحوار، إن مؤسسات الجمهورية يجب أن تعمل"، وأضاف: "أينما كان في النيجر، يجب أن يكون النظام الجمهوري والنظام الديمقراطي، قادرَين على العمل. نحن نناشد جميع الوطنيين والديمقراطيين في النيجر أن يقفوا معاً ليقولوا لا لهذا العمل التفريقي الذي يسعى إلى إعادتنا 10 سنوات إلى الوراء وعرقلة تقدم بلادنا".
إدانات للانقلاب
وبمجرد الإعلان عن الانقلاب، توالت الإدانات الأممية والدولية والإقليمية، فدعت الأمم المتحدة إلى الإفراج فوراً عن رئيس النيجر وإعادة النظام الدستوري إلى البلاد، وقال منسق حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فولكر تورك، في بيان: "أشعر بالصدمة والحزن إزاء محاولة الانقلاب العسكري في النيجر، وأدينها بأشد العبارات. يجب بذل كل الجهود لاستعادة النظام الدستوري وسيادة القانون".
وأضاف: "يجب الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس محمد بازوم وضمان أمنه، كما يجب إطلاق سراح أعضاء حكومته المحتجزين تعسفياً وأقاربهم فوراً، ودون شروط مسبقة. إنني أحث جميع الجهات الفاعلة على الامتناع عن العنف، واحترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع. من مصلحة جميع شعب النيجر أن يتم الحفاظ على المكاسب الديمقراطية الهامة التي تحققت في السنوات الأخيرة".
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان: "نعول على الإفراج السريع عن الرئيس بازوم من قبل الجيش"، ودعت "جميع أطراف النزاع إلى الامتناع عن استخدام القوة، وإلى حل جميع الخلافات من خلال الحوار السلمي والبناء".
كما قالت الصين إنها "تتابع عن كثبٍ" التطورات في النيجر، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في بيان صحفي: "تدعو الصين الأطراف المعنية في النيجر إلى العمل من أجل المصالح الأساسية للبلاد وشعبها، وحل خلافاتهم سلمياً من خلال الحوار، واستعادة النظام الطبيعي في أقرب وقت ممكن، وحماية السلام والاستقرار والتنمية في البلاد".
وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد نقل "دعم واشنطن الثابت" في اتصال هاتفي مع بازوم، وطالبت الولايات المتحدة، الأربعاء، بإطلاق سراح بازوم، حيث قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، في بيان: "ندين بشدةٍ أي محاولة لاعتقال أو لإعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في النيجر والتي يديرها الرئيس بازوم".
كما دعا بلينكن إلى "الإفراج الفوري" عن رئيس النيجر، وقال من نيوزيلندا: "تحدثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابق هذا الصباح، وقلت له بوضوحٍ إن الولايات المتحدة تدعمه بقوة بصفته رئيساً للنيجر منتخباً بشكل ديمقراطي"، مطالباً بـ"إطلاق سراحه فوراً". وأعلن بلينكن أن استمرار المساعدات التي تُقدمها بلاده للنيجر مرهون بـ"الحفاظ على الديمقراطية" في الدولة الإفريقية. كما صدرت إدانات عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر.
الجيش يدعم الانقلاب.. من المستفيد؟
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" أصدرت بياناً وصفت فيه الأحداث في النيجر بأنها "محاولة انقلاب"، وقالت إنها "تدين بأشد العبارات محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة"، وقالت إن المجموعة ستحمّل المتورطين في ذلك المسؤولية.
وتوجه رئيس بنين، يالون باتريس، إلى النيجر للوساطة بين قادة الانقلاب والرئيس المنتخب وحكومته، لكن مع وصوله إلى العاصمة نيامي أعلن جيش النيجر عن موقفه مما يحدث.
فقد أعلن قائد الجيش عن تأييده انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم، وقال بيان وقعه رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر، عبده صديقو عيسى، إن "القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر قررت الموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن؛ من أجل تجنب مواجهة دامية بين مختلف القوات".
ولا شك في أن موقف الجيش يعقّد الموقف أكثر في الدولة التي تعتبر آخر معاقل فرنسا في غرب إفريقيا. إذ يعد الرئيس بازوم، البالغ من العمر 63 عاماً، واحداً من القادة الموالين للغرب في منطقة الساحل، حيث أدت انقلابات متتالية ضد رؤساء منتخبين في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة إلى تقلص النفوذ الفرنسي بشكل لافت، بينما تمدد النفوذ الروسي عبر مجموعات فاغنر الأمنية الخاصة.
وفي تعليقه على ما يحدث في النيجر، قال وزير خارجية أوغندا، أودنغو جيجي أبو بكر، الخميس، إنه ليس مندهشاً من تطور الأحداث هناك، وأضاف أبو بكر، في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية على هامش قمة "روسيا-إفريقيا" المنعقدة في مدينة بطرسبورغ، أن أحداث النيجر "جزء من المشكلة التي تستمر إفريقيا في مواجهتها. تنبأت العام الماضي بأن الأفق الأمني في إفريقيا على وشك مواجهة أزمات بسبب التحديات التي تواجهها القارة".
وعلى الرغم من عدم وجود أي تصريحات رسمية حتى الآن تربط بين روسيا وما يحدث في النيجر، فإن وسائل الإعلام الفرنسية تحديداً تلمح إلى احتمال وجود دور لـ"فاغنر" في ما يحدث، والسؤال الآن: هل ينجح الانقلاب في النيجر أم أن الأمور لا تزال مفتوحة على احتمال عودة الرئيس المنتخب إلى السلطة؟