عند الحديث عن الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان، يتذكر الجميع القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي، ولكن نادراً ما يتذكر أحدهم "قصف طوكيو"، أو كما أطلقت عليه القوة الجوية للجيش الأمريكي الاسم الرمزي "عملية منزل الاجتماع"، أو كما يُعرف في اليابان باسم "غارة طوكيو الجوية الكبرى".
أياً كان اسمها فهذا لا يغير من واقع أنها كانت الغارة الأكثر تدميراً في التاريخ، وكان عدد الضحايا من اليابانيين أكثر من ضحايا قنبلة ناغازاكي الذرية، بل وكانت تأثيرات تلك الغارة أكبر من حيث المساحة المدمرة وعدد المشردين بسبب ذلك التدمير. واستخدم الجيش الأمريكي فيها مئات الأطنان من القنابل الحارقة، بما في ذلك نصف مليون أسطوانة من النابالم والفوسفور الأبيض.
هجوم اليابان على بيرل هاربر ودخول أمريكا الحرب العالمية الثانية
منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939، كانت أمريكا على الحياد، إذ إنها التزمت ولم تشارك في المعارك المشتعلة في أوروبا وآسيا. ولكن كل شيء تغير في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، عندما قررت القوات اليابانية شن هجوم على ميناء بيرل هاربر الأمريكي.
في ذلك اليوم شنت البحرية الإمبراطورية اليابانية هجوماً استباقياً ضد الأسطول الأمريكي الموجود في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، لإبعاده عن الحرب التي قررت اليابان شنها في جنوب شرق آسيا ضد بريطانيا وهولندا وأمريكا. للسيطرة على النفط.
كانت اليابان تقوم بتحديث اقتصادها طوال القرن العشرين وأرادت بناء إمبراطورية خاصة بها. ومع ذلك، افتقرت إلى الموارد الطبيعية لجعلها حقيقة واقعة، حيث يتم استيراد جميع إمداداتها النفطية باستثناء 6%. بعد احتلال اليابان لمنشوريا في الصين.
غرقت اليابان في حرب واسعة النطاق مع الصين في عام 1937 وكان عليها البحث في مكان آخر عن الموارد التي تحتاجها للقتال.
عندما احتلت اليابان أجزاء من فيتنام والتي كانت تحت الاحتلال الفرنسي عام 1941، ردت أمريكا بتجميد جميع الأصول اليابانية في أمريكا، ومنع اليابان من شراء النفط.
بعد أن فقدت اليابان 94% من إمداداتها النفطية وعدم استعدادها للخضوع لمطالب أمريكا، خططت اليابان لأخذ النفط الذي تحتاجه بالقوة.
ومع ذلك، فإن الهجوم العسكري واحتلال مناطق أخرى الذي كانت تخطط له اليابان كان من شبه المؤكد أن يؤدي إلى رد أمريكي مسلح، لذلك قررت اليابان مهاجمة أسطول المحيط الهادئ الأمريكي في بيرل هاربور، لتحييدها وعلى أمل أن تتفاوض أمريكا على السلام.
تسبب الهجوم الياباني بمقتل أكثر من ألفي جندي أمريكي، وجرح أكثر من 1200 جندي، وتدمير 1800 طائرة وإغراق 21 سفن حربية، وبدل أن تتفاوض أمريكا على السلام كما كانت تأمل اليابان من ذلك الهجوم، قررت دخول الحرب العالمية الثانية.
الرد الأمريكي على اليابان ولكن ألمانيا أولاً
في غضون أيام من الهجوم على بيرل هاربور، أعلنت أمريكا الحرب ضد ما يسمى دول المحور: ألمانيا وإيطاليا واليابان. وبدأت الحكومة الأمريكية في التعبئة للرد. تطوع الرجال أو تم تجنيدهم. انضمت آلاف النساء إلى الجيش أو دخلن سوق العمل. تم تجميع هؤلاء الرجال الذين يرتدون الزي العسكري بالفعل وإرسالهم لمهاجمة قوى المحور.
اتخذت أمريكا المزيد من الإجراءات الدفاعية، وأنشأت القيادة في بريسبان، أستراليا بعد خسارة الفلبين. كان الهدف من وجود الجيش الأمريكي في أستراليا الاستعداد لهجوم مضاد ضد محيط اليابان، تمركز في ميناء رابول في غينيا الجديدة.
ولكن تأخر الهجوم على اليابان بسبب أن الجيش الأمريكي قرر مساعدة بريطانيا وقوات الحلفاء في هزيمة هتلر وإيقاف تقدمه في أوروبا، وقدم رئيس الوزراء البريطاني تشرشل إلى الرئيس الأمريكي روزفلت والقادة العسكريين الأمريكيين استراتيجية "ألمانيا أولاً"، وتوصلوا إلى تفاهم مفاده أن غالبية الموارد العسكرية الأمريكية ستذهب في البداية إلى أوروبا.
كان الأدميرال إرنست ج.كينغ، القائد المعين حديثاً للعمليات البحرية، أقل سعادة بالموقف الدفاعي تجاه اليابان، وحارب من أجل تضمين الصياغة التي سمحت بالاستيلاء على "نقاط المراقبة" لتطوير هجوم مضاد ضد اليابان. لكن بحلول أبريل/نيسان من عام 1942، تم إنشاء خطة حملة حرب المحيط الهادئ كمخطط للصراع مع اليابان.
وفي نفس الشهر شنت الولايات المتحدة غارة ضد طوكيو. وعلى الرغم من أن الغارة تسببت في أضرار طفيفة، إلا أنها كانت بمثابة تعزيز الروح المعنوية التي احتاجتها الولايات المتحدة أثناء الحرب. ثم تلتها عدة عمليات قصف باستخدام طائرات B-29 لكن تلك الغارات لم تحقق هدفها، بسبب الظروف الجوية ومشاكل تقنية أخرى.
"قصف طوكيو" الغارة الأكثر تدميراً في التاريخ
صُممت طائرات B-29 للعمل على ارتفاعات عالية، حيث قصفت من ارتفاع 9 آلاف متر، لكن الارتفاع لمثل تلك المسافة مع حمولة ثقيلة من القنابل والبنزين أدى إلى إجهاد المحركات. وكانت حرائق المحركات شائعة بمجرد اشتعال حريق في المحركات لم يتمكنوا من إطفاء الحرائق وسقوط القاذفات.
علاوة على ذلك، أدى القصف خلال النهار إلى زيادة تعرض طائرات B-29 للدفاعات الجوية اليابانية.
قرر الجيش الأمريكي تغيير التكتيكات، بموجب الخطة الجديدة، سيكون القصف في الليل على ارتفاع منخفض. نظراً لأن بناء المدن اليابانية جعلها عرضة للحرائق، فإن القاذفات كانت تحمل قنابل حارقة بدلاً من متفجرات شديدة. وسيقلل الارتفاع المنخفض من الضغط على المحركات.
ولزيادة الحمولة من القنابل الحارقة، فكك الجيش الأمريكي البنادق الدفاعية والذخيرة من الرصاص على الطائرات، جنباً إلى جنب مع مدافعها وذخيرتها، باستثناء بنادق الذيل. سمح هذا بأن يكون الوزن اقل ويسمح بتحميل ضعف حمولة القنابل العادية. كما صدرت الأوامر بأن قادة الطائرات سيهاجمون كأفراد بدلاً من الهجوم في التشكيلات.
كان المخططون الأمريكيون في الجيش يعلمون أن المباني اليابانية الخشبية ستحترق. أعد مهندسو الجيش خرائط للقطاعات الأكثر قابلية للاشتعال في طوكيو، وقاموا بتجربة الحرائق على منازل على الطراز الياباني في "قرية يابانية" وهمية تم بناؤها في ولاية يوتاه الأمريكية.
في الصباح الباكر من يوم 10 مارس 1945، انطلقت الطائرات الأمريكية فوق طوكيو في غارة جوية أطلق عليها الأمريكان "عملية بيت الاجتماع"، وأسقطت كل واحدة من الطائرات حمولات من القنابل الحارقة العنقودية تزن 7 أطنان. كانت تلك القنابل تحتوي مواد حارقة مثل بالنابالم واشتعلت بشحنة فوسفورية بيضاء. وفي ذلك اليوم سقط ما مجموعه 1665 طناً من المواد الحارقة في الجزء الشمالي الشرقي من طوكيو.
تسببت العاصفة النارية باحتراق 40 كيلومتراً مربعاً من طوكيو، ولم يبق منها سوى هياكل من الطوب.
وحولت الباقي إلى رماد، وقُتل ما يصل إلى 100 ألف ياباني وجُرح وشرد مليون آخرين، لتصبح تلك الغارة الأكثر تدميراً في التاريخ.
تجاوزت الخسائر البشرية في تلك الليلة تلك التي خلفتها القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكي في وقت لاحق من ذلك العام، حيث قتلت الانفجارات الأولية حوالي 70 ألف شخص و46 ألف شخص على التوالي.
وأدت المزيد من الغارات النارية على العاصمة اليابانية إلى تدمير أجزاء كبيرة من طوكيو، وقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتلا ذلك تفجير قنابل على المدن الرئيسية في ناغويا وأوساكا وكوبي. ثم استهدفت القاذفات الأمريكية عشرات المدن والبلدات متوسطة الحجم.
في الأول من أغسطس 1945 شنت القوات الأمريكية غارة بالقنابل الحارقة على مدينة توياما. وهي مركز صناعي يسكنه 100 ألف شخص على الجانب الغربي من جزيرة هونشو الرئيسية، بعد غارة شنتها 179 قاذفة قنابل أمريكية. احترقت أكثر من 99% من المدينة، في تلك الليلة.
وقتل أكثر من 2700 شخص وجرح 8000. لكن القصف الذري لهيروشيما حدث بعد خمسة أيام فقط، وفقدت قصة توياما المأساوية في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
بعد إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي أعلنت اليابان استسلامها، ووفقاً لتقدير الولايات المتحدة بعد الحرب، بلغ إجمالي الخسائر المدنية في اليابان نتيجة تسعة أشهر من الهجوم الجوي حوالي 806 آلاف شخص، بما في ذلك 330 حالة وفاة وأكثر من 780 ألف ضحية من الجنود اليابانيين.